Untitled-1
Untitled-1
الثقافة

جائزة نتانياهو بعد طول انتظار

17 سبتمبر 2020
17 سبتمبر 2020

جوناثات فرتزيجر -

ترجمة: أحمد شافعي -

قبل سنوات من توليه قيادة إسرائيل، بسط بنيامين نتانياهو رؤيته للشرق الأوسط في كتاب صدر باللغة الإنجليزية بعنوان «مكان بين الأمم» [A Place Among the Nations].

صدر كتاب نتانياهو في عام 1993، وهو العام الذي وقَّعت فيه إسرائيل اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين، رافضا الفكرة القائلة: إنه على إسرائيل أن تتخلى عن الأرض في مقابل السلام مع جيرانها العرب. وذهب بدلا من ذلك إلى صيغة بدت في وقتها، وعلى مدار عقود منذ ذلك الحين، حلما بعيد المنال، وهي صيغة «السلام من أجل السلام».

كتب يقول: إنه «ليس بوسع المرء أن يتكلم عن السلام والأمن لإسرائيل وفي الوقت نفسه ينتظر من إسرائيل أن تغير حدودها القائمة تغييرا كبيرا».

بعد سبعة وعشرين عاما، في حفل مهيب شهده البيت الأبيض في منتصف سبتمبر ووقعت فيه الإمارات العربية المتحدة والبحرين اتفاقيتي تطبيع مع إسرائيل، حصل نتانياهو على تصديق على رؤيته، برغم تصاعد المشكلات السياسية التي يواجهها في وطنه.

أعلنت اثنتان من دول الخليج العربي فعليا أنهما لن تنتظرا حل المظالم الفلسطينية قبل التوصل إلى اتفاقيات مع إسرائيل. فكان ذلك- في نظر نتانياهو- شهادة بصدق عقيدته القديمة الراسخة بأن قوة إسرائيل العسكرية وحيويتها الاقتصادية ستدفعان العرب في نهاية المطاف إلى طرح العداوة الممتدة منذ عقود.

قال نتانياهو في كلمته أمام قرابة سبعمائة ضيف في حديقة البيت الأبيض مواجها نُصب واشنطن: إن «التاريخ علَّمنا أن القوة تحقق الأمن، والقوة تحقق التحالفات وأن القوة في نهاية المطاف تحقق السلام» ثم تبع ترامب نازلين الدرج العالي إلى طاولة من الماهوجني مع وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان ووزير الخارجية البحريني عبداللطيف بن راشد الزياني حيث وقع الأربعة الاتفاقيتين.

ألقى الدبلوماسيان الخليجيان كلمتيهما اللتين كان لهما وقع الغناء في أذني نتانياهو مؤكدين اهتمامهما بإقامة «علاقات دافئة» مع إسرائيل. ولو أن الأمر كذلك فإنه سيكون على النقيض من النسخة الباردة من علاقات إسرائيل بمصر، أول بلد عربي وقع معاهدة سلام مع الدولة اليهودية سنة 1979، والأردن الذي تبعها بعد خمسة عشر عاما من ذلك.

يرى كثير من معارضي نتانياهو في إسرائيل أن اتفاقيتي أبراهام ـ بحسب التسمية التي أطلقت على الاتفاقيتين ـ ليستا على مستوى اتفاقيات السلام السابقة نظرا لأنه لا الإمارات العربية المتحدة ولا البحرين خاضتا حربا فعلية من قبل ضد إسرائيل، لكن منتقدين آخرين قالوا: إن رئيس الوزراء يستحق الثناء هذه المرة.

فكتب ألوف بينهم رئيس تحرير ها آرتس- الصحيفة شديدة الانتقاد لنتانياهو- أن «الفارق، كل الفارق، إنما يكمن في الانتقال من العلاقات السرية، التي لم ينتفع منها إلا حفنة من المقربين إلى السلطة وتجار السلاح، إلى العلاقات العلنية التي تخول لأي إسرائيلي أن يركب طائرة إلى دبي، دونما تنكر وجواز سفر أجنبي» مضيفا أن ما حدث هو «إشاعة ديمقراطية للسلام».

ومع ذلك بقي بعض الغيم الداكن يتجمع في سماء إسرائيل، في ظل رجوع الإسرائيليين إلى الحظر هذا الأسبوع قبيل رأس السنة اليهودية المعروفة بروش هشانا Rosh Hashanah بسبب ارتفاع حاد في أعداد حالات الإصابة بكوفيد 19 داخل إسرائيل.

يخوض نتانياهو أيضا محاكمة في اتهامات فساد جعلت عشرات آلاف المتظاهرين يحتشدون أمام مقر إقامته الرسمي في ليلة السبت من كل أسبوع. كما كان المتظاهرون مرتدو الأقنعة المكتوب عليها «رئيس الوزراء المجرم» يطاردون نتانياهو عند مغادرته تل أبيت متسببين في إبطاء حركة المرور في مطار بن جريون الدولي لإعاقة الموكب الحكومي. كما ظهر أعضاء الحركة المناهضة لنتانياهو أيضا خارج البيت الأبيض لتذكرته بالعناء القانوني الذي ينتظره في بلده.

في واشنطن، كافح فريق نتانياهو للتوفيق بين متطلبات البهرجة الدبلوماسية التي رتبها البيت الأبيض وبين الحاجة إلى أن يبدي نتانياهو قلقه على الشقاء الذي يتسبب فيه فيروس كورونا في بلده. فألزم مرافقو رئيس الوزراء أعضاء الوفد المؤلف من مائة عضو ـ بمن فيهم من صحفيين ـ بقضاء أوقات فراغهم من المراسم والاحتفالات داخل فندق ويلارد إنتركونتيننتال الفخم خلال الزيارة التي استمرت أربعا وأربعين ساعة في واشنطن. واصطدم التقيد الصارم بإرشادات كوفيد 19 بمرونة البيت الأبيض الذي اكتفى بالتوصية بارتداء الأقنعة دون الإلزام بها.

تضمن الحضور وفودا من البحرين والإمارات، وقيادات الجالية اليهودية في دبي التي ظلت حتى وقت قريب تقيم صلوات السبت أسبوعيا في موقع سري. وأعلنت الإمارات إصرارها على التسامح الديني وبناء مجمع صلوات هائل في العاصمة أبو ظبي يضم مسجدا وكنيسة ومعبدا يهوديا.

أما الاتفاقيات نفسها فتوصف بأنها مطايا للتطبيع مع إسرائيل، والتطبيع مصطلح غائم منبوذ من الفلسطينيين وأنصارهم لأنه يعد إسرائيل بمنافع دبلوماسية دون أن يطالبها بالانسحاب من الأرض المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس. لقد طالبت مبادرة السلام العربية سنة 2002 - التي اقترحتها السعودية- بانسحاب كامل من الأراضي الفلسطينية قبل السماح بالتطبيع، وقد أدان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الاتفاقيتين قائلا: إنه «لا سلام أو أمن أو استقرار لأحد في المنطقة دون إنهاء للاحتلال».

وقع نتانياهو وترامب ووزيرا الخارجية ثلاث وثائق في الحفل، كانت إحداها إعلانا عاما من الأربعة بالتزامهم بالسلام في المنطقة. وكانت الاثنتان الأخريان اتفاقيتين ثنائيتين منفصلتين بين إسرائيل وكل من الدولتين الخليجيتين تنصان على الجهود الأساسية لترسيخ الروابط في مجالات تتراوح بين التمويل والتبادل التجاري والبحث الطبي وحتى الطيران المدني والرياضة والتعليم والأنشطة الدينية الإسلامية اليهودية. وفي إشارة إلى مخاوف كوفيد 19 أحجم الأربعة عن التصافح بالأيدي بعد توقيع الاتفاقيات، وبدلا من ذلك ربتوا على قلوبهم في إيماءة من بعضهم إلى بعض. ولم يكونوا يرتدون الأقنعة.

من النقاط التي لم تزل مفتوحة نقطة تتعلق بما إذا كانت الإمارات ستحصل على طائرات إف 35 المقاتلة المتطورة التي سعت إلى الحصول عليها من الولايات المتحدة. فعند سؤاله عن ذلك خلال لقائه بالصحفيين في المكتب البيضاوي قبل الاحتفال قال ترامب: إنه يتوقع أن «يجري حل ذلك الأمر» وإنه «سوف يكون أمرا يسيرا». واعترضت إسرائيل على البيع خوفا من «التفوق العسكري النوعي» الذي وعدتها به الولايات المتحدة تاريخيا لتبقى بلدا آمنا وسط عداوة جيرانه.

بدا ترامب- الذي بدأ رحلاته الخارجية كرئيس برحلة إلى السعودية سنة 2017 ـ متفائلا إزاء احتمالات إقناع المملكة النفطية الثرية وغيرها من بقية دول الخليج باللحاق بالإمارات والبحرين في إقامة سلام مع إسرائيل فقال: «إننا قطعنا شوطا كبيرا للغاية على الطريق مع الدول الخمس». وفي مقارنته مع تاريخ الحرب في المنطقة قال: إن اتفاقيات أبراهام تمثل «سلاما في الشرق الأوسط بغير دماء في رماله».

■ كاتب المقال هو كبير زملاء المجلس الأطلنطي المقيم في القدس ومراسل سابق لبلومبرج نيوز

عن فورين بوليسي في 16 سبتمبر 2020