أفكار وآراء

التعلُّم عن بُعد والعودة إلى المدارس

13 سبتمبر 2020
13 سبتمبر 2020

نيكولاس كريستوف - نيويورك تايمز -

ترجمة - قاسم مكي -

فيما يصرُّ الرئيس ترامب على إعادة فتح أبواب المدارس تتمسك المدرسة الخاصة التي يدرس فيها ابنه بارون بالتعلم عن بُعد.

نعم، يبدو ذلك وكأنه ازدواجية في المواقف. لكن المسألة أكثر تعقيدا. فالابن بارون سيكون لديه حاسوب وخدمة إنترنت في البيت. كما سيكون هنالك أناس كبار يتأكدون من أنه يقوم بواجبه المدرسي. وسيكون قادرا على الأكل مِلْء بطنِه ولن يحتاج إلى وجبات الطعام المجانية في المدرسة.

باختصار، ستكون أمور أطفال الأثرياء طيبة تقريبا حتى بدون الحصص الحضورية (بدون ذهابهم إلى المدرسة). لكن كشفت دراسة أن حوالي 17 مليون طفل أمريكي يعيشون في بيوت لا توجد بها خدمة الإنترنت فائقة السرعة وأن أكثر من 7 ملايين منهم ليست لديهم حواسيب في بيوتهم. لذلك التعلم عن بُعد يعني للأطفال الفقراء «الشيء ونقيضه» أو عدم التعلم.

كيف؟ سيفاقم الإغلاق المتطاول للمدارس من معدل تسرٌّب التلاميذ حول الولايات المتحدة. فعدم حضور 10% فقط من الحصص اليومية مرتبط بتزايد احتمال التسرب المدرسي (ترك الدراسة) بنسبة سبعة أضعاف.

وحتى في الأوقات العادية يكمل 53% فقط من التلاميذ الذين يلتحقون بمدارس مكتب تعليم أبناء الهنود (السكان الأصليون) الدراسة بالمدارس الثانوية. وكان إغلاق المدارس بعد إعصار كاترينا قد أدى إلى ترك العديد من الطلاب الدراسة نهائيا. وأخشى أن تقود مغالاة ترامب في تبني إعادة فتح المدارس إلى تحفظ الديمقراطيين غريزيا من الفكرة. فالخطر يتمثل في أننا بمحاولة حماية الطلاب من الجائحة، خصوصًا الطلاب المحرومين اجتماعيا، قد ندمر مستقبلهم إلى الأبد. دعونا نستعرض الأدلة المطروحة والتي تفتقر إلى التماسك.

من غير الصحيح الجزم، كما فعل ترامب، بأن الأطفال «محصنون تقريبا» من الإصابة بفيروس كورونا. لكن الخطر المباشر على تلاميذ المدارس طفيف. فمعدل الوفيات بين الأطفال في سن 5 إلى 14 سنة يساوي أقل من واحد في كل ألف وفاة ناجمة عن «كوفيد-19» في الولايات المتحدة. ومن بين كل أسباب وفيات الأطفال في هذه المجموعة العمرية منذ فبراير كان فيروس كورونا مسؤول عن أقل من 1%.

الخطر الأكبر يواجه المدرسين الكبار في السن وأجداد الطلاب. لكن أنصار إعادة فتح المدارس يشيرون إلى أن بلدانا أخرى نجحت في ذلك. كان «كوفيد-19» نادرا نسبيا في معظم تلك البلدان مثل ألمانيا والدنمارك والنرويج وتايوان. لكن السويد أبقت على مدارسها مفتوحة على الرغم من أنها شهدت معدلًا أعلى للوفيات مقابل كل فرد قياسا بالولايات المتحدة.

سبق لي أن انتقدتُ سياسةَ السويد تجاه الجائحة والتي أدت إلى نسبة عالية جدا من الوفيات وخسارة اقتصادية كبيرة. لكنها تفتح نافذة يمكن الإطلال منها على ما يمكن أن يحدث عندما لا يغلق بلد لديه معدل مرتفع للإصابة بـ«كوفيد-19» أبوابَ مدارسه. لم تشهد السويد ارتفاعا في معدل الخطورة على المدرسين مقارنة بالذين يعملون في وظائف أخرى.

واستبعد مقال لعالم وبائيات سويدي هو يوناس لودفيجسون أن يكون الأطفالُ المحركَ الرئيس لتفشي الجائحة. ويقول«من المستبعد أن يؤثر فتح المدارس ورياض الأطفال على معدلات وفيات «كوفيد-19» وسط الكبار».

لكن توجد أدلة وفيرة مخالفة لذلك. فقد أشارت دراسة في دورية «جاما» لعلماء طب الأطفال بالولايات المتحدة أن الأطفال قد يحملون فيروسا يكفي لنشر الجائحة. فقد تفشى فيروس كورونا بسرعة في معسكر أطفال خلوي بجورجيا. وكانت نتائج فحص 76% من المشاركين في المعسكر والمشرفين عليه إيجابية. كما فتحت المدارس أبوابها في ما لا يقل عن خمس ولايات لكن لزمها إغلاقها مرة أخرى، على الأقل مؤقتا بعد انتشار الفيروس. وتلك كانت مشكلة خاصة بمناطق في الولايات المتحدة لم تتعامل مع الجائحة بجدية.

إذا طرحنا جانبًا الأثر الصحي، نحن نعلم أيضًا أن أطفال الأسر المنخفضة الدخل يعانون أكثر من غيرهم ليس فقط من الفيروس ولكن أيضا من إغلاقات المدارس. فالإغلاق المتطاول، حسب شركة مَكَنزي لاستشارات الأعمال، يمكن أن يكلف الطلاب 14 شهرا تعليميا ويقود إلى تسرب مليون طالب إضافي من المدارس الثانوية. ووفقًا لحسابات الشركة يمكن أن تقلص الخسائر التعليمية ما يكسبه الطالب طوال فترة حياته «العملية» بحوالي 80 ألف دولار. ويمكن أن يكون الفقد في دخول الطلاب المنحدرين من أصول إفريقية ولاتينية ضعف ما يخسره الطلاب من أصول بيضاء.

بالنظر إلى كل هذا، تبدو نصيحة الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، صحيحة. وهي أننا يلزمنا أن نفعل كل شيء ممكن لتمكين الأطفال من العودة الآمنة إلى المدارس (إلى التعلم الحضوري وليس عن بعد- المترجم).

ذلك صحيح خصوصًًا لطلاب الإعاقة (حوالي 14% من المسجلين) وأيضا تلاميذ الأسر المنخفضة الدخل ومن هم عُرضة للتسرب من المدرسة. لا يعني ذلك الدفع بالأطفال دون كياسة إلى المدارس ولكن فعل كل ما يمكن فعله لجعل المدارس آمنة.

إنه يعني التشدد في إجراء الفحوصات وارتداء الكمامات وفتح نوافذ حجرات الدرس وإلقاء الدروس في الهواء الطلق كلما أمكن وتجميع الطلاب في مجموعات صغيرة (من ثلاثة إلى عشرة). وسيتطلب ذلك الكثير من العون الفيدرالي (في الولايات المتحدة) للمدارس.

دعونا نتبنى فكرة «الإنترنت للجميع» المستمدة من نموذج كهربة الريف في أعوام الثلاثينات والأربعينات. فالإنترنت ضرورية اليوم مثلما كانت الكهرباء وقتها.

ستكون هنالك بعض الأماكن في الولايات المتحدة التي ينتشر فيها فيروس كورونا بمستوى يستوجب تجميد الدراسة الحضورية (إغلاق المدارس). لكن يجب أن يكون ذلك الاستثناء وليس القاعدة. من العبث أن نسمح بتشغيل الحانات وصالات الألعاب الرياضية والمطاعم ونغلق المدارس.

دعونا نتذكر أن أفضل طريقة لإعادة فتح المدارس هي مطالبة قادتنا وأنفسنا بالتحلي بالمسؤولية. المسار واضح ولا اعوجاج فيه وهو السيطرة على الفيروس بأقنعة الوجه وإغلاق منشآت الأعمال والتباعد الاجتماعي والفحص المتشدد والمراقبة الصارمة (بما في ذلك فحص مياه المجاري الذي يعطي إنذارا مبكرا بوجود الفيروس).

إذا كان في مقدور البلدان النظيرة لنا أن تفعل ذلك يمكننا نحن أيضا. أطفالنا يستحقون ذلك.