أفكار وآراء

محـنــة المــيـاه!

09 سبتمبر 2020
09 سبتمبر 2020

محمد جميل أحمد -

تمر الشعوب، كما الأفراد، بامتحانات في أطوار حياتها، وفي كل امتحان هناك تجربة جديدة وصعبة يعيشها البشر، وما أصاب الشعب السوداني هذه الأيام، عبر طوفان النيل وفيضان الأنهر الموسمية كان امتحانًا عسيرًا.

المناظر التي تنقلها صور التلفزة العالمية، والصور الحية التي نراها في مختلف وسائط الميديا، تعكس تمامًا إلى أي مدى كان ذلك الفيضان الذي أصاب السودانيين في 16 ولاية سودانية من 18، هو أمر غير مسبوق وقع على السودانيين دون أن يستعدوا له، أو أنهم استعدوا له كأفراد من خلال توقع روتيني لموسم الخريف، لكنه لم يكن كأي خريف مر على السودانيين في تاريخهم الحديث.

ثمة مدينة في شرق السودان اسمها «طوكر» لا تكاد ترى بيوتها الطينية الواطئة بسبب غمر المياه غير المسبوق لنهر «بركة».

ما حدث في السودان أدى خلال أيام إلى تهجير نصف مليون متضرر وخسائر في الأرواح والممتلكات واجهها السودانيون بتماسك كبير.

هكذا، وكما في المثل، «رب ضارة نافعة» وكما في الآية القرآنية الكريمة «وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ» تبدو بعض الأمور من النظرة السطحية فقط كما لو أنها نهاية العالم، فالإنسان في ساعة الشدة لا يفكر إلا في خلاصه، ويكاد يمتنع عنه التفكير الذي ينظر إلى أحداث الحياة من منظور الابتلاء.

ما حدث للسودانيين ظاهرة كونية وبلاء جماعي جراء فيضان النيل وفيضان أنهار أخرى لكن هذا البلاء الظاهر قد يطوي في عاقبته خيرًا، لأن للبلاء وجهين «وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» وهو ما يعني أن في تعقيدات الظواهر الكونية ما نستطيع أن ندركه وما لا نستطيع أن ندرك نهاياته إلا بعد الابتلاء ببداياته.

حجم المأساة السودانية الكبير في فيضان النيل يأتي في ظروف بالغة التعقيد والأحزان يمر بها السودانيون، سواء لجهة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الطاحنة التي انعكست في حياتهم مع تغيير كبير بثورة 19 ديسمبر 2018 إلى جانب الآثار المجتمعية والأمنية للاهتزازات الضرورية في كل تغيير كبير، أو لأزمة كورونا التي تعين على السودان أن يتقاسم مخاطرها مع كل العالم.

بالتأكيد، تقول صور الفيديو الواردة من شوارع الخرطوم والمدن الإقليمية عبر مناظر علوية للمدينة ما لا تكشف عنه تماما، ففي ما وراء الصور من مشاهد يومية لأحزان الناس ما تعجز عن نقله كل الأقمار الاصطناعية.

في كل منعطف خطير تفكر الشعوب في نتائج المصائر الكارثية التي يمكن في وسعها أن تتجاوزها لكنها حين تقع تلك الكوارث (طبيعيةً كانت أم إنسانية) تدرك الشعوب أيضا إلى أي مدى تكون الخسارة فادحة حين تعرف في ذلك المنعطف أن من يحكمها لم يكن أهلًا لمسؤولية الحكم طوال ثلاثين سنة!

هذا ما أدركه السودانيون جميعًا غداة طوفان النيل والأنهار الموسمية الأخرى، لهذا العام الحزين فأدركوا تمامًا أن من كانوا يتقلدون الأمور طوال ثلاثين سنة كانوا أعجز من أن يكونوا قادرين على حمايتهم بأبسط الطرق!

وبينما يعكس هذا الحال الذي كشف للعالم كيف أن السودانيين هم من أكثر الشعوب قدرة على مواجهة أقدارهم بشجاعة، عبّرت روح التضامن للشعب السوداني في ظل الشدائد التي عصفت به عن حدود بالغة التأثير من صور الشجاعة التي تجعل شباباً يافعين يقفون سدًا بشريًا في وجه مياه عاتية!

لا ندرك قوة الأقدار إلا عندما ندخل في التجربة، وما جربه السودانيون في هذا العام من الطوفان لن يمر مرور الكرام في مقبل أطوار حياتهم، وستظل ذاكرتهم الجمعية المرهقة مزحومة بصور لا تنسى على مر الأيام.

في كل مأساة كبيرة تتعاطف شعوب العالم مع بعضها بطرق مختلفة من المشاركات الوجدانية، والمساعدات والدعم بمختلف أنواعه، لا سيما في ظل هذا التواصل الكبير على مستوى حركة الاتصال التي تسارع بنقل الأحداث في زمن قياسي.

وكم كان لافتًا ومؤثرًا وإنسانيًا أن تخصص شركة «عمانتل» للاتصالات في السلطنة مكالمات مجانية لثلاثة أيام من أجل أن يتواصل السودانيون المقيمون في السلطنة مع ذويهم وأهلهم في السودان ليطمئنوا عليهم، عبر الوسائط المختلفة في الخدمات التي تقدمها الشركة.

في كل مأساة جماعية هناك لحظات حرجة تتيح للمنكوبين التحديق بصدق في وجه من يتشاركون معهم وجدانيا ويساعدونهم بما يستطيعون.