أفكار وآراء

بحر الصين.. قلق في المحيط الهادئ

08 سبتمبر 2020
08 سبتمبر 2020

إميل أمين كاتب مصري -

هل أضحت منطقة المحيط الهادئ بؤرة خلاف مشتعلة تهدد بالانفجار في أي وقت عما قريب؟

مع أسف شديد يمكن أن يكون ذلك كذلك، بل إن البعض من المحللين السياسيين الدوليين، يرون أن تلك المنطقة، وتحديدًا بحر الصين الجنوبي، يمكن أن تكون بمثابة «فخ ثيوثيديديس»، الذي يشعل الحرب بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، على غرار ما حدث بين أثينا وأسبرطة قبل نحو ألفي عام.. ما الذي جرى مؤخرًا واستدعى هذه المخاوف؟

بداية تبقى منطقة بحر الصين الجنوبي منطقة صراع بين قوتين قطبيتين، أمريكا في أقصى الغرب التي تقول إن تلك المياه دولية، أي إنه لا يحق للصين والصينيين أن يقيموا عليها أي جزر صناعة تعيق الملاحة في تلك المنطقة، فيما الصينيون يرفعون عقيرتهم في مواجهة واشنطن التي تتدخل في مناطق تبعد عنها عدة آلاف من الأميال البحرية، ما يعني أن ليس لها شأن بما يحدث في شرق آسيا.

والشاهد أن هذه هي معركة القرن الحادي والعشرين، أي الصراع في آسيا ونحوها، وعلى امتدادها أي جهة أستراليا وبقية الدولة الآسيوية الحليفة لأمريكا، وفي مقدمتها اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، وقبل بضعة أشهر كانت هونج كونج.

تتحدث الصين عن حقها في السيادة على 90 في المائة من مياه بحر الصين الجنوبي، لكن بروناي وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام يطالبون أيضًا بحقوق في هذه المنطقة.

في أواخر أغسطس المنصرم كان وزير الدفاع الأمريكي مارك أسبر يؤكد على أن واشنطن لن تتنازل عن شبر واحد في بحر الصين الجنوبي، ويشير إلى أن الصين لم تف بوعودها بالالتزام بالقانون والقواعد والأعراف الدولية، وان بكين تريد إظهار قوتها عالميا.

ولعل الناظر لحال ومآل الصين كقوة قطبية قادمة، يدرك أنها قد تخطت عتبة الاقتصاد، بل ربما باتت تزعج الولايات المتحدة في عطاياها وهباتها للعالم، ففي الفترة من 2015 وحتى اليوم قدمت الصين ما قدره 299 مليار دولار لدول إفريقيا فقط كمساعدات وقروض ميسرة، فيما المبلغ الأمريكي المقارب لم يتجاوز الـ 65 مليارًا لكل دول العالم.

في هذا السياق وبحسب الترتيب المتسلسل لنشوء وارتقاء الامبراطوريات كان من الطبيعي أن تمضي الصين وراء ترسانة عسكرية تتيح وتبيح لها الاصطفاف بجوار القوى الكبرى لا سيما روسيا وأمريكا.

لم يكن هذا الأمر ليغيب عن ناظري وزير الدفاع الأمريكي، الذي أشار إلى قيام الحزب الشيوعي الصيني، بدعم جيش التحرير الشعبي الصيني لاتباع خطة تحديث صارمة للوصول إلى جيش على مستوى عالمي بحلول منتصف القرن الحالي.

نقطة التسليح المتصاعد هذه هي ما يقلق أمريكا، لا سيما أن هذا التصاعد وبحسب اسبر سيتضمن بلا شك سلوكًا استفزازيًا لجيش الحرير الشعبي في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وفي أي مكان آخر تعتبره الحكومة الصينية حاسمًا لمصالحها.

ما الذي تهدف إليه واشنطن من علاقتها مع بكين؟

يمكن القول: إن الأمريكيين يعزفون على وترين، العصا والجزرة كما يقولون في الغرب، وذهب المعز وسيفه كما الحال في الشرق.

يتضح التوجه الأمريكي المتقدم من خلال تصريحات وزير الدفاع اسبر، إذ يعتبر انه في الوقت الذي تستهدف فيه الولايات المتحدة ردع الصين، فإنها تريد أيضا أن تستمر في العمل مع جمهورية الصين الشعبية لإعادتها إلى مسار أكثر انسجامًا مع النظام القائم على القواعد الدولية.

ولأن الصين لديها مخزون كبير من الخبرة في التعاطي سياسيًا مع الأمريكيين، لذا فإن خيار الردع لا يؤثر في توجهاتهم، ولهذا يصرون على توفير اكبر قدر من القوة الذاتية لملاقاة واشنطن يوما ما، الأمر الذي تعرفه واشنطن جيدًا، ولهذا كان وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو»، يهدد في بيان بمواصلة «اتخاذ تدابير طالما أن الصين لم تكف عما اسماه استخدام القوة في بحر الصين الجنوبي»، وبخاصة بعد أن رفضت واشنطن في شهر أغسطس الماضي حديث الصين عن حقها في موارد اغلب بحر الصين الجنوبي.

وتاليا بدا وكأن العصا الأمريكية هي التي تمتد نحو الصين وليس الجزرة، وقد جرى ذلك من خلال عقوبات أعلنتها واشنطن تستهدف شركات صينية ومسؤولين من الحزب الشيوعي الصيني متهمين بالمساهمة في عسكرة بحر الصين الجنوبي.

غير أن التساؤل هو: إلى أي حد ومد يمكن لعقوبات الولايات المتحدة تجاه الصن أن تكون فاعلة، لا سيما وأن الصين تمضي اليوم في علاقات تجارية واقتصادية مع دول ذات أوزان اقتصادية مثل إيران، بعيدًا عن الدولار، ومن خلال تبادل العملات المحلية، ناهيك عن تفكير دول البريكس، والصين في المقدمة من خطوط هذا التفكير في الخروج عن الدولار واستبداله باليورو تارة، وبعملات أخرى تارة أخرى؟

حكماء الصين ومن خلال مخزونها الحكمي الحياتي لا تسعى إلى صدام عسكري مع واشنطن، لكن هذا لا يعني أنها لا تعطي الجانب العسكري لديها أهمية فائقة، وتعمل جاهدة على أن تحجز لها مقعدا متقدما جدا في ترتيب القوى العسكرية حول العالم.

في عسكرتها لقطبيتها القادمة، تعلمت الصين من جارها القديم، الاتحاد السوفيتي درسا بالغا، وهو أن لا تنجر في سباق التسلح ذاك الذي أرهقت فيه واشنطن موسكو، إلى أن أشهرت إفلاسها سياسيا وماليا دفعة واحدة.

وعلى الرغم من أن الصين في وضع مالي انفع وارفع مما وصل إليه حال الاتحاد السوفيتي قبل ثلاثة عقود، بل لا مجال للمقاربة التاريخية من الأضل، فإن الصين تفكر تفكيرا مثيرا ومدعاة لتوقف أمريكا أمامها.

تمضي الصين مؤخرا في زيادة نوعية كيفية، لا زيادة عددية كمية لأسلحتها، الأمر الذي تمثل ولا يزال في اهتمام الصين بإعادة بناء ترسانتها النووية عبر صواريخ باليستية فائقة القدرة والسرعة، وبعضها مجنح وفرط صوتي، وآخر يطال برامج الأمريكيين في الفضاء، وغواصات نووية حديثة، وأسلحة ليزر تزعج العم سام إزعاجا كبيرا، هذا على صعيد المبتكرات.

أما على صعيد التسلح التقليدي والذي قد يغري ذات لحظة تشتعل فيها الرؤوس غضبا، فموصولة بالأسلحة التقليدية، لكن بكين من الذكاء بحيث لا تستنزف، لا سيما وان التفوق الأمريكي في البحر لا يقارع من قبلها، فأساطيل واشنطن تجوب البحار حول العالم طوال الأربع والعشرين ساعة.

في هذا السياق لا تبحث الصين عن بناء حاملات طائرات، لكنها تنتج صاروخا اطلق عليه «دي اف -26 «، وآخر «دي اف -21»، يستطيع أن يلحق كثير الأذى بحاملات الطائرات والناقلات والسفن الأمريكية إن اقتربت من أهداف الصين البحرية أو البرية.

هل هدوء المحيط الهادئ مهدد بقلاقل عما قريب؟

يخشى المرء أن يكون ذلك كذلك، الأمر الذي يمكن أن يؤثر بصورة أو بأخرى على سلم وسلام الشرق الأوسط بصورة مؤكدة.