assem
assem
أعمدة

نوافذ: حكومة كفاءات.. لا محاصصة

05 سبتمبر 2020
05 سبتمبر 2020

عــاصـم الشـــيدي -

[email protected] -

■ «إن الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات، سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله».

هيثم بن طارق

23 فبراير 2020

قبل سنوات وخلال أحداث ما سمي «بالربيع العربي» ظهرت كتابات في شتى وسائل الإعلام التقليدية والحديثة تحتفي بفكرة أن المستقبل للقبيلة وأن التعويل عليها، وحدها، في إعادة ترميم الفوضى التي أحدثها ذلك «الربيع»، مع تحفظي على التسمية رغم استخدامي لها هنا من أجل إيصال الفكرة. واستفزت تلك الكتابات الكثيرين، وسارع البعض للرد مفندين الأسس التي استندت عليها لتناقضها مع المرحلة ومعطياتها ومع تطور المجتمعات.

وكنت أعتقد، حينها، أن تلك البِنى القبلية والمناطقية وغيرها من البنى الاجتماعية قد تخلخلت وذهبت إلى غير رجعة، وأن تلك الأحداث كانت في جانب من جوانبها خروجًا عن تلك البِنى وعليها. وأن أجيالًا من الشباب الباحثين عن مستقبل مختلف قد ظهرت وصار لها صوتها الداعي لبِنى جديدة تقوم على مبادئ دولة المؤسسات ودولة القانون ودولة الكفاءات الوطنية لا دولة «القبيلة» مع كل التقدير للقبيلة كبِنية اجتماعية متأصلة في النسيج العربي.

ولم أعتقد أن أحدًا سيظهر للدفاع عن بنية أصبحت من الماضي خاصة عندما نتحدث عن الدولة الحديثة.

وطوال السنوات الماضية كان الحديث يدور بين المثقفين والمفكرين في المجتمع على أهمية الإعلاء من شأن دولة المؤسسات ورفض فكرة تهميش الكفاءات لصالح الوجاهات الاجتماعية.

وعندما أعاد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - تشكيل مجلس الوزراء لفت نظري ونظر الكثيرين ونحن نتابع هيكلة الجهاز الإداري للدولة أن جلالته - أعزه الله - اعتمد في تعيينه للوزراء والوكلاء دون استثناء على بِنية «الكفاءة» وحدها بعيدًا عن أي بِنى اجتماعية توقعها البعض.

وكان هذا، من وجهة نظري، أهم ملمح من ملامح المرحلة الجديدة وخطوة مهمة جدًا نحو تحقيق رؤية «عمان 2040»، لأن هذه الكفاءات التي وصلت إلى سدة الإدارة في جميع الوحدات الحكومية هي التي يعوّل عليها في تطبيق «رؤية عُمان»، تلك الرؤية الطموح التي وضعت لها أسس علمية للنهوض بالبلاد نحو مرحلة مختلفة، ولا يمكن لتلك الأسس أن ترى النور إلا عبر كفاءات وخبرات وطنية مخلصة.

ورغم أن إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة عمل عظيم وجبّار وأنجز في وقت قياسي إلا أن الفكرة الأعظم في تلك الهيكلة، والتي تستحق وقفات طويلة، كانت في تجاوز البِنى التي أشرنا إليها في تعيين الوزراء والوكلاء وجميعهم من الكفاءات. وهذا في حد ذاته يشعرنا بالكثير من السعادة وأيضًا بالكثير من الطمأنينة نحو المستقبل.

ومثل هذه الحكومات تعرف في علم السياسة والإدارة بحكومة «التكنوقراط» وهذا النوع من الحكومات يختلف عن حكومة «المحاصصة المناطقية والمذهبية والقبلية» التي لا تجلب إلا التأخر والتراجع.

وفي الحقيقة ليس سهلًا في دول العالم الثالث تجاوز تلك البنى وتلك المحاصصات بسهولة ويحتاج الأمر إلى شجاعة سياسية وتهيئة اجتماعية مدعومة بالقوانين. والمجتمع العماني الذي تجاوز، اجتماعيًا، تلك الأفكار من سنوات طويلة رحّب بها على مستوى الإدارة السياسية ترحيبًا كبيرًا، واعتبرها بداية مرحلة جديدة من شأنها أن تساهم في النهوض بعُمان نحو مستقبل مشرق.

وإذا كان اختيار جلالة السلطان لحكومته قائمًا على هذا الأساس فإن من باب أولى أن يرسّخ هذا الأمر في الإدارات الأدنى خلال اختيار الكفاءات التي تدير دفة العمل في المرحلة القادمة بعيدًا عن أي محاباة أو «بنى» غير الكفاءة مهما كانت مترسخة في وجدان البعض. فالمستقبل لدولة «المؤسسات والقانون» لا دولة المحاصصة أيًّا كان نوعها.