أعمدة

مهام ودور التصنيف الائتـمانـي العالـمـي

27 أغسطس 2020
27 أغسطس 2020

د. عبد القادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

بعد الانهيارات المالية والمصرفية المعروفة التي تعرضت لها كل الدول، ظهر جليا للعيان وجود خلل ما في أعمال ومهام وكالات التصنيف الائتماني العالمية. وتبين أن ما تقوم به هذه الوكالات العالمية أصبح مثار تعجب من العديد من الجهات خاصة بعد ظهور عدم المصداقية واختفاء المهنية وعدم التعمق في بعض الأعمال التي قامت بها هذه الوكالات. وهذا ظهر لأنها تعطي تصنيفا مرتفعا لمؤسسات مالية وصناديق سيادية وفجأة وفي وقت وجيز تقوم بإعطاء تصنيف منخفض لنفس المؤسسات والصناديق بل حتى الدول ذات الإمكانيات والموارد الكبيرة. والآن في هذه الفترة، والعالم يرزح تحت وطأة جائحة كورونا (كوفيد - 19) التي هزت الأركان الاقتصادية والاستثمارية وكافة الأعمال والنشاطات، ظهرت تقارير تقييم وتصنيف غير مقنعة لبعض المؤسسات المالية والدول دون الأخذ في الاعتبار وعدم مراعاة الحاجة للمزيد من الوقت للخروج من عنق الزجاجة والجميع يجاهد في هذا ليل نهار. فكيف يحدث هذا؟ وما العمل؟

توجد في العالم ثلاث وكالات تصنيف رئيسية تسيطر على هذا العمل المهني التخصصي، وتقوم الوكالات عبر تصنيفها بتقديم مؤشر للمستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب العلاقة، للدرجة التي تمكنهم من اتخاذ القرار بشأن الاستثمار مع توضيح المخاطر المرتبطة به. والمعضلة تقع في كيفية تحديد درجة التصنيف وما هي المعايير التي تستخدم للوصول إليه؟ وهل هذه المعايير ثابتة ومعروفة ؟ وهل هناك شفافية كافية في هذا الخصوص؟ وهل هناك مساءلة كافية لمعرفة مدى التزام وكالات التصنيف بهذه المعايير وما يتبعها من الشفافية والإفصاح؟ والأسئلة كثيرة عديدة؟

من دون شك هناك حاجة لدور وكالات التصنيف كجهة مستقلة محايدة فنية لتقديم تصنيف مهني سليم يكون مرآة لعكس الواقع الحقيقي. ولكن أيضا هناك حاجة لإعادة النظر في مهام هذه الوكالات وتحديد المعايير الأساسية بكل موضوعية والدور القانوني الذي يجب أن تلتزم به في جميع الأحوال وكل الظروف التي تم الاستناد عليها في التقييم ومنح الدرجات المرتبطة به. وعليه، ولتصحيح الوضع، فلا بد من قيام كيان مهني قانوني عالمي لوضع المعايير المهنية المطلوبة ومحاسبة من يتجاوز أو يتهاون في تنفيذ هذه المعايير المتفق عليها.

وفي هذا الخصوص، نرى أنه، يجب دراسة العقود التي يتم توقيعها مع وكالات التصنيف وتحديد مهام الأطراف وكيفية تنفيذها مهنيا وتبعات التنفيذ من جميع النواحي المهنية والقانونية والأخلاقية، مع تحديد مسار العلاقة بين الأطراف المتعاقدة وغيرهم من الأطراف الثلاثة المرتبطة. نقول هذا لأن العقود الحالية، في نظرنا، غير واضحة لإزالة الجهالة وبها عتامة كافية للوقوع في المزالق مما يتنافى مع أبسط المبادئ القانونية لقواعد وأسس العقود. وبسبب الصياغة، في حالات كثيرة طرأت خلافات بين أطراف العقد لأن كل طرف ينظر لمهام الآخر بصورة مختلفة. وهذا يمكن بل يجب تجاوزه بوضع النصوص التعاقدية الواضحة عيانا بيانا لكل طرف.

ونحتاج، بصفة خاصة، لوضع معايير للتصديق لهذه الوكالات والسماح لها بمزاولة أعمالها وكيفية مراقبتها والإشراف على أعمالها ومهامها المهنية، ونحتاج أيضا لوضع معايير للرقابة على المراقب؟ ومن يراقب المراقب؟ ونحتاج لوضع أسس مهنية ومحاسبية وإحصائية، للعمل عند التصنيف والتقييم، على أن تكون هذه الأسس معروفة ويلتزم بها الجميع ويتبعها الجميع وفق أعلى معايير الشفافية والمساءلة. ومن مثل هذا الوضع الشفاف، لا نجد كل وكالة أو فريق يعمل وفق هواه وقياسه لأن الحكم ومنح درجة التصنيف على مؤسسة مالية أو وكالة سيادية سيلقي بظلاله على كل العالم في ظلال حمى العولمة العالمية.

ولتكتمل الصورة من جميع النواحي، يجب على الجميع عند التعامل مع وكالات التصنيف الائتماني، التزام الصدق وتحري الدقة والتعامل المهني مع هذه الوكالات وللدرجة التي تمكنهم من تقديم الصورة الحقيقية للتقييم، حتى ولو كانت قبيحة. الوعي المهني والتجرد المؤسسي والتزام المصداقية، من أهم مرتكزات نجاح عمل هذه الوكالات وأيضا ما يتطلع له الجميع. والمطلوب تكاتف الأطراف للارتقاء بهذه المهمة الصعبة لأن فيها الدواء المطلوب من الجميع.