Untitled-1
Untitled-1
الثقافة

«أجراس القبّار» لمجدي دعيبس .. السؤال التاريخي والفنّي في الرواية

25 أغسطس 2020
25 أغسطس 2020

عمّان - العمانية : أين ينتهي التاريخ ويبدأ الخيال؟ هل البداية والنّهاية ما حدث فعلًا، وما بينهما من إبداع الكاتب؟ هل تقول الرواية التاريخيّة -كما هو شائع- ما لم يُقَل في المراجع؟ هل تتطابق سمات الشخصيات وتفاصيل الأحداث ومسارات الحكاية مع ما هو مدوّن في الكتب؟ هل الرواية التاريخيّة مجرد حوار ينقل الحدث من السرد التاريخي إلى السرد الروائي؟ أسئلة كثيرة يطرحها الروائي مجدي دعيبس في روايته الأخيرة «أجراس القبّار»، الصادرة عن «الآن ناشرون وموزّعون».

تقع الرواية في مائة وثمانين صفحة من القطع المتوسط، بغلاف من تصميم الشاعر محمد خضير ولوحة بريشة الفنان خالد بيروتي تنقل المتلقّي إلى أجواء الرواية التي تعود إلى الحقبة الرومانية في مدينة فيلادلفيا (عمّان)، حيث يظهر جبل القلعة ومعبد هرقل والدرج الذي يربط المدينة السفلى بالمدينة العليا وهو من الجغرافيا المنسيّة في التاريخ المعماري للمدينة. فلم نعرف عن هذا الدرج الذي لم يعد له وجود إلّا من رسومات الرحّالة الأوروبيين الذين زاروا المنطقة في القرن التاسع عشر، مثل (Northedge) الذي رسم مخططاً لمدينة عمّان عام 1892.

في «أجراس القبّار» التي فاز صاحبها بجائزة كتارا للرواية العربية (2019)، يتداخل التاريخي بالمتخيّل بشكل متشابك لخدمة البناء الفني للرواية، فالتاريخ أحد روافد هذا البناء والمادة الخام التي يستخدمها الروائي لإنتاج العمل النهائي الذي لا يتقاطع بالضرورة مع الحدث الحقيقي أو الحدث المروي، فربما يقترب منه أحيانا، وأحيانا يبتعد عنه بصورة مباغتة، وأحيانا يختلط الحدث التاريخي بالحدث المُتخيّل لصياغة الحدث الروائي.

ويبقى السؤال الذي يراود الكاتب والقارئ على حد سواء: كيف لك أن تتأكد أنّ هذا ما حدث فعلًا؟ ويأتي السؤال المقابل للردّ من بنية السؤال نفسه: كيف لك أن تتأكد أنّه لم يحدث فعلًا؟ وهنا يبرز السؤال الشائك: هل ولاء الرواية التاريخيّة للتاريخ أم لفن الرواية؟ تتحدث «أجراس القبار» عن القرون الثلاثة الميلادية الأولى ومعاداة الدولة الرومانية للمسيحية بوصفها نظامَ حياة جديدا سيقوض النظام السائد. وتنقل الرواية الأجواء التي سادت في تلك الفترة، وتعرض وجهات نظر متعددة، مؤكدة أنه لا وجود لأي مسوّغ يبرر تخلّي الإنسان عن إنسانيته.

ومما جاء في الرواية: «أمواج بشرية في المدينة تموج وتلوج. تنشأ في القاع وتبدأ بالارتفاع شيئا فشيئا، تصعد الجبل المقابل للمدرج حتى تصل إلى المعبد. هناك على القمة التي اتسعت وانبسطت اجتمع خلق كثير من أهل المدينة. الجنود تموضعوا في أماكن منتقاة على الطريق لحفظ النظام. الشمس أيضًا اتخذت موقعها في السماء وأخذت تلفح الوجوه وتعرّق الأجساد غير مبالية بالأطفال وكبار السن. الجميع يرغب بالمشاركة في الاحتفال».

ومن أجوائها أيضاً: «كميات كبيرة من الحجارة الصمّاء التي لا تثير في الرائي أي شيء لو كانت منفردة، لكنها أصبحتْ على هذا المنظر الجميل بعد أن تجمّعت. مدن كثيرة لديها مدرّج ومعبد، لكن فيلادلفيا امتازت عنها بهذا الدّرج الذي أصبح علامة فارقة لها.. هناك من ينظّم الحركة على الدّرج ويذكّر الصاعد ليمشي على اليمين والهابط على اليسار، كما أنّه يمنع الجلوس حتى يظلّ التدفّق انسيابيًا وبدون اختناقات».