أفكار وآراء

السياسة الخارجية.. مواقف ثابتة ونهج موضوعي

25 أغسطس 2020
25 أغسطس 2020

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي -

منذ فجر النهضة المباركة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - قبل خمسة عقود والسياسة الخارجية العمانية واضحة من خلال مرتكزات أساسية وأسس ثابتة لعل من أهمها عدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم التدخل في شؤون السلطنة ودعم القضايا العربية والإسلامية وخاصة القضية المركزية وهي القضية الفلسطينية والتي تتعرض لأوقات عصيبة منذ قدوم إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عام ٢٠١٦ ، كما أن السلطنة من دعاة السلام الشامل والعادل من خلال قرارات الشرعية الدولية وإيجاد قواسم مشتركة لوقف الحروب والصراعات في المنطقة والعالم.

وقد اكتسبت السياسة الخارجية العمانية خلال تلك العقود احتراما واسع النطاق من خلال المصداقية التي تتمتع بها وأيضا الجهود المخلصة لتفادي عدد من الصراعات خاصة في منطقة الخليج، ولعل نموذج الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى عام ٢٠١٥ يعد نموذجا على الجهد السياسي العماني لإبعاد المنطقة عن شبح حرب كانت وشيكة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وبتحريض من الكيان الإسرائيلي وهناك شهادات دولية ومن قيادات من مختلف دول العالم على نجاح النموذج العماني في إدارة السياسة الخارجية وعلى ضوء ذلك فإن السلطنة ومن خلال الخطاب السامي الأول لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - أكدت على تواصل النهج السياسي العماني في إيجاد حلول للصراعات والحروب في العالم وفق قرارات الشرعية الدولية.

الحق الفلسطيني

كما يقال الحقوق لا تسقط بالتقادم والقضية الفلسطينية هي قضية شعب مظلوم طرد وشرد من وطنه من خلال وعد بلفور المشؤوم ومن خلال تكالب القوى العالمية ومنها الصهيونية والسجل التاريخي للشعوب يقول بأن أي محتل لا يمكن أن يكسر إرادة الشعوب مهما طال الزمن وتفاقمت المؤامرات، ومن هنا فإن القضية الفلسطينية هي قضية عادلة تناصرها شعوب العالم حتى من داخل الكيان الإسرائيلي وفي تصوري بأن إسرائيل لا يمكنها الاحتفاظ بالأرض والأمن معا فالظروف التاريخية للمنطقة لن تظل كما هي والمتغيرات قادمة وترامب لن يستمر في السلطة مدى الحياة وكذلك نتانياهو وحتى على صعيد المنطقة، ومن هنا فإن إسرائيل لا يمكنها أن تستمر باحتلال الأراضي الفلسطينية إلى الأبد في ظل وجود الشعب الفلسطيني الصامد في أرضه والمتمسك بثوابته الوطنية، وإذا كانت إسرائيل تتوق للسلام الشامل والعادل فإن مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢ هي الإطار الصحيح نحو إقامة السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط وهذا سوف يحقق معادلة السلام الحقيقية بين الشعوب ولا يمكن للقوة العسكرية أن تقهر الشعوب، وهناك نماذج في هذا الإطار كان آخره نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والذي سقط في نهاية المطاف بعد كفاح وتضحيات من شعب جنوب إفريقيا وهناك الآن تعايش سلمي بين كل العرقيات في هذه الدولة الأكثر تقدما في أفريقيا.

في فلسطين فإن تحقيق السلام الشامل والعادل هو مصلحة للجميع بما فيها إسرائيل حيث إن إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين إلي ديارهم هو الحل الموضوعي الذي أكدت عليه السلطنة من خلال الاتصال الأخير بين معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية ووزير الخارجية الإسرائيلي وأمين سر اللجنة المركزية في حركة فتح، كما أشارت إلى ذلك وزارة الخارجية على موقعها الرسمي.

إن الجميع يتوق للسلام الشامل والعادل أما سياسة قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية فهو أمر مرفوض سياسيا وقانونيا وشعبيا على الصعيدين العربي والدولي، فالحق الفلسطيني ثابت كثبات الشعب الفلسطيني الذي يناضل ضد أبشع احتلال عرفه التاريخ الحديث على مدى أكثر من سبعة عقود ولا شك أن مصلحة الشعب الإسرائيلي هو تطبيق السلام العادل وإقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل وتنتهي معاناة الشعب الفلسطيني.

إن سياسة نتانياهو هي سياسة مدمرة وهو يواجه مشكلات متعددة داخل إسرائيل من خلال تهم الفساد الموجهة له وهو لن يظل طويلا في السلطة مع تكرار المظاهرات ضده، كما أن حليفه ترامب في واشنطن يواجه تحديات حقيقية قبل الانتخابات القادمة في الثالث من شهر نوفمبر القادم. إن مصير الشعوب لا تحددها اتفاقات ولعل النموذجين المصري والأردني واضحان حيث ظلت القضية الفلسطينية هي لب الصراع وبقي السلام بين إسرائيل وكلا من مصر والأردن سلاما باردا وليس هناك أي تفاعل شعبي والسبب أن إسرائيل لا تزال تحتل الأراضي الفلسطينية، ومن هنا فإن السلام الحقيقي يبدأ من فلسطين حيث ملايين الفلسطينيين ثابتين على أرضهم وهو أمر لا تستطيع إسرائيل تغييره.

ثوابت السلطنة

توظف السلطنة علاقتها الإقليمية والدولية لصالح القضية الفلسطينية علاوة على ما قدمته السلطنة على مدى عقود من تنميه في المحافظات الفلسطينية التي ترسخ الوجود الفلسطيني وتعطي الأمل نحو مستقبل مشرق لهذا الشعب المناضل الذي يواصل الكفاح ضد المحتل الإسرائيلي المستبد، وكما هو معلوم فإن فلسطين التاريخية لم يبق منها سوى ٢٢ بالمائة من مجمل المساحة الكلية ورغم ذلك فإن سلطات الاحتلال تريد ابتلاع ثلث مساحة الضفة الغربية وأيضا مساحة كبيرة من أراضي الأغوار، ومن هنا فإن سياسة الاستيطان لن تحقق السلام ومن هنا فإن ثوابت السياسة الخارجية العمانية تركز على السلام الحقيقي والعادل الذي يحقق السلام والتنمية لكل شعوب المنطقة وينتهي هذا الصراع المرير الذي كلف المنطقة الكثير من المقدرات وزرع الكراهية وهذا أسلوب خاسر بالنسبة للكيان الإسرائيلي، فكما تمت الإشارة فالشعوب الحية كالشعب الفلسطيني لا ينكسر بل يزداد صلابة مع كل تعثر أو خذلان لأن الذي يقرر مصير الصراع هو وجود الشعب على أرضه في ظل تزايد السكان والذي تعدى سكان إسرائيل.

إن السياسة الخارجية العمانية هي نموذج يحتذى في إدارة العلاقات الدولية من خلال الحكمة والموضوعية وإيجاد مقاربة سياسية عادلة تتماشى مع القانون الدولي وحق الشعوب في الحصول على حقوقها المشروعة ومع إيجاد السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط، وفي نهاية المطاف فإن سياسة نتانياهو المتشددة سوف تنتهي به دون تحقيق أي أهداف توسعية وسوف يخرج من السلطة وهو يواجه اتهامات بالفساد ويبقى الشعب الفلسطيني هو الرقم الصعب في مواجهة المؤامرات والصفقات المشبوهة ومن ضمنها صفقة القرن والتي سوف تفشل في نهاية المطاف وتبقى السلطنة قيادة وشعبا لحمة واحدة مساندة لحقوق الشعوب ونبذ الظلم وتحقيق العدالة والإنصاف لأهم قضية عربية والتي تدخل عقدها الثامن وفي نهاية المطاف تنتصر إرادة الشعوب وهذا يعني انتصار السلام والاستقرار وسوف تتحقق الآمال بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.