أفكار وآراء

هيروشيما وناجازاكي.. وعقيدة الردع النووي

16 أغسطس 2020
16 أغسطس 2020

فتحي مصطفى -

أحيت اليابان منذ عدة أيام الذكرى الخامسة والسبعين للكارثة الكبيرة التي حلت بمدينتي «هيروشيما» و«ناجازاكي» منتصف القرن الماضي، وتحديدا شهر أغسطس عام 1945، بفعل القنبلتين اللتين ألقتهما الولايات المتحدة الأمريكية عليهما إبان الحرب العالمية الثانية، لإجبار اليابان على الاستسلام من دون قيد أو شرط، بدأتها بقنبلة اليورانيوم التي أطلقت عليها اسم «الطفل الصغير»، وأودت بحياة ما يقارب 140 ألفا في هيروشيما، ثم تلتها بعد ثلاثة أيام بأخرى من البلوتونيوم أسمتها «الرجل البدين»، وهي أقوى من الأولى، أسقطتها على مدينة ناجازاكي فأودت بحياة 74 ألفا، وهي أرقام تقديرية ربما زادت عن ذلك، بينما عانى آلاف الناجين من آثار الإشعاع الذي خلفته القنبلتان.

وبرغم جسامة المأساة التي عاشتها اليابان منذ ذلك التاريخ، والرسائل التي يبثها رؤساء بعض الدول كلما حانت هذه الذكرى المؤلمة كدعوات لعدم تكرارها مرة أخرى، إلا أن الواقع مغاير لذلك، إذ لم تنته سباقات التسلح النووي بين الدول التي تمتلك مقومات ومواد تصنيعها حتى الآن، لاسيما في ظل اتفاقيات ومعاهدات وقرارات من شأنها القضاء على هذا النوع من الأسلحة الفتاكة التي تؤدي إلى ما يعرف بالدمار الشامل ونزع ما تم تصنيعه منها، مثل معاهدة حظر التجارب التي تجرى على الأسلحة النووية في كل الأماكن التي تصلح لذلك مثل الفضاء الخارجي والجو وكذلك تحت سطح البحار أو المحيطات.

ولا تتوقف خطورة هذا النوع من الأسلحة عند قتل أو إبادة المئات بل الآلاف من البشر التي تعيش في المناطق المستهدفة، أو الأمراض والتشوهات التي تصيب الناجين منها والتي قد تؤثر على أجيالهم القادمة، بل تمتد لتطال الطبيعة بما تحمله من ثروات وكائنات حية، فضلا عن تلوث البيئة لفترات طويلة قد تصل إلى عشرات السنين، وهو ما أكدته الأبحاث والدراسات، حيث توصل فريق علماء من المعهد الروسي للأشعة وإيكولوجيا الزراعة، وكذلك معهد أوبنينسك للطاقة الذرية التابع للجامعة الوطنية الروسية للبحوث النووية إلى نتائج نشرتها وكالة «سبوتنيك»، توصلوا إلى أن عملية التعرض للإشعاع المزمن، من شأنه أن يحدث خللاً لدى أنماط التطور البيئي والبنية الوراثية للنباتات، برغم عدم تأثيره على قدرتها في التكاثر، حيث من المعروف أن المستويات المرتفعة من التلوث الإشعاعي يمكن أن يحدث خللاً في العمليات البيئية الأساسية، ولها تأثير كبير على نمو النباتات وحياة الحيوانات وتغير موطنها.

كما لا يستطيع أحد أن ينكر دور هيئة الأمم المتحدة في هذا الصدد، بعد حدوث كارثتي هيروشيما وناجازاكي، إذ صدر عن جمعيتها العامة سنة 1946 قراراً بتشكيل لجنة لبحث ومعالجة المشكلات التي ترتبط باكتشافات الطاقة الذرية وغيرها، وبحث عدة أمور منها «التحكم في الطاقة الذرية إلى المدى الذي يضمن استخدامها لأغراض سلمية، وكذلك بحث سبل القضاء على هذا النوع من الأسلحة وكذا أي أسلحة أخرى رئيسية يمكن إجراء تعديلات عليها لاستخدامها في أغراض التدمير الشامل».

وبرغم أنه لم يتم استخدام هذا النوع من الأسلحة إلا في اليابان منذ 75 عاماً، إلا أن الخطر لا يزال قائما، لوجودها، كأحد أنواع «أسلحة الردع» في حالة حدوث مواجهات بين دول كبرى، فتكون الغلبة وقتها لمن يمتلك هذا النوع من الأسلحة، وهو ما يفسر إصرار عدم توقيع دولاً بعينها على الاتفاقيات التي تحظر اقتناء هذه الأسلحة أو تصنيعها، أو الانسحاب من اتفاقيات أبرمت بالفعل في وقت سابق في هذا الصدد، مثلما حدث مع موسكو وواشنطن من إعلانهما الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى التي تم إبرامها عام 1987.

وأخيراً إقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لسياسة الردع النووية الروسية، والتي تسمح له باستخدام هذه الأسلحة الذرية لردع أي هجوم قد ينشأ على البنية الأساسية الحكومية والعسكرية الحيوية بأسلحة تقليدية، ويفسر ذلك المخاوف الروسية حول فرضية تطوير أسلحة تمكن الولايات المتحدة من ضرب أصول عسكرية ومنشآت حكومية مهمة من دون استخدام أسلحة ذرية.

وليس هناك من فرق بين وجود الأسلحة الذرية أو النووية لدى الدول بغرض استخدامها في حروب ضد دول أخرى، وبين وجودها داخل الدولة ضمن سياسة الردع، فالمحصلة هي وجود فرضية استخدامها، إما في هجوم عدواني من دولة على أخرى، أو بغرض الردع وإيقاف الدولة المعادية والحد من تحركاتها، ففي كلتا الحالتين سيكون التدمير الشامل واقع لا محالة، وعلى الشعوب تحمل تبعات ما يجري من قرارات وتصرفات يتخذها رؤساء دولهم، والأخذ بعين الاعتبار الدروس المستفادة من كارثة هيروشيما وناجازاكي، وما تكبده الشعب الياباني من آثار تدميرية ظلت لسنوات عديدة، وآثارًا أخرى نفسية لا تفارق خيالهم كلما ذكرت كلمة «سلاح نووي».