أعمدة

تطبيق مبادئ الحوكمة لدحر جائحة كورونا

13 أغسطس 2020
13 أغسطس 2020

د. عبد القادر ورسمه غالب  -

لدينا قواعد وأنظمة تتضمن الأحكام الضرورية لمبادئ حوكمة الشركات، وهذه المبادئ تساعد في توفير المؤسسية التي تدحر جائحة كورونا. وهذه المبادئ تتبارى الدول والشركات في وضعها وحسن تنفيذها لترقية الأداء المؤسسي للدرجة التي تمكنه من مواجهة كل المخاطر والجوائح. وفي هذا الخصوص، نشير إلى أن قوانين الشركات تتناول غالبية الأحكام المنظمة لإدارة الشركات التجارية، وهذا يتمثل في وجود الأحكام التي تضع اللبنات الأولى لتوضيح العلاقة بين ملاك الأسهم من جهة ومجلس إدارة الشركة من الجهة الأخرى. وهذه العلاقة تظل مستمرة تحقيقا لمصلحة الشركة والشركاء، بالرغم من أنها قد لا تخلو من الشد والجذب بين الأطراف في بعض الأوقات.

ومن الناحية الشكلية، فإن قوانين الشركات (وكذلك اللوائح التأسيسية) تنص على قيام اجتماعات مبرمجة للمساهمين ولمجلس الإدارة. مع العلم أن الاجتماعات، سواء كانت عادية أو فوق عادية، تحدد المسائل المدرجة للنقاش في الاجتماع المعني. وأحكام القانون تتضمن التفاصيل الخاصة بالدعوة للاجتماعات، توفر النصاب القانوني لانعقاد الاجتماع، كيفية إدارة الاجتماع، كيفية إصدار القرارات، تقارير وأعمال اللجان وغير هذا من التفاصيل التي تشكل النطاق الإداري النمطي لحسن تسيير وإدارة الشركة لتحقيق أغراضها وأهدافها.

ولكن مع تطور الأنظمة الإدارية وتشعب أعمال الشركات وتداخلها مع الأنظمة الأخرى وما قد ينجم عن ذلك من تقصير في الإدارة أو عدم تحقيق الأهداف المرجوة أو بعضها أو اختلاف أمزجة المستهلك وحاجاته اليومية أو غير هذا، تبين أن أحكام قوانين الشركات بشكلها الحالي غير كافية أو قد لا تؤدي الغرض المنشود لتحقيق الدرجة المطلوبة من الطموحات في حسن إدارة الشركة. ولهذا، ضمن أشياء أخرى، تم استحداث مبادئ إدارية جديدة تتمثل في «مبادئ حوكمة الشركات» بغرض الوصول إلى الإدارة المثالية في الشركات لتحقيق أعلى درجات رضا الجهات المرتبطة والمستهلك بصفة خاصة.

ومن أهم ما يميز مبادئ حوكمة الشركات، ضرورة وجود مجلس إدارة لديه القدرة والعلم والتأهيل لإدارة الشركة، مع النص على أهمية قيام كل عضو في مجلس الإدارة بدوره كاملا بصفته الفردية وفي الوقت نفسه العمل مع بقية أعضاء مجلس الإدارة في تناغم تام يوضح توفر الروح الجماعية في إدارة الشركة، مع مراعاة أنه يجب على رئيس المجلس وبحكم منصبه العمل على تعزيز هذا الدور مع توفير الإمكانيات لتنفيذه. وأيضا، من مبادئ الحوكمة العمل على تحقيق روح الانسجام بين أعضاء مجلس الإدارة والمساهمين وتعزيز روح الوحدة بينهم لتحقيق المصلحة العليا لجميع الأطراف في الشركة والجهات المرتبطة «ستيكهولدرز» وكل المجتمع.

ومن المعلوم أن مبادئ حوكمة الشركات أتت من رحم قوانين الشركات التجارية، وهي مكملة لبعض جوانب النقص أو القصور في الأحكام الواردة في قانون الشركات وهي تمثل تطورا طبيعيا للوصول لأقصى درجات الكفاءة في إدارة الشركات تحقيقا أو سعيا لتحقيق درجات الكمال في إدارة الشركات التجارية. ولكن وبالرغم من كل هذه التطورات التي تم وضعها في مبادئ حوكمة الشركات، إلا أننا نلاحظ وجود بعض الأحكام في قوانين الشركات تسير في الاتجاه المعاكس لهذه التوجهات لأنها لا تصب في مصلحة حوكمة الشركات وفلسفتها بل قد تهدمها وتفرغها من محتواها. ولا بد من إعادة النظر في هذه الأحكام إذا أردنا لحوكمة الشركات البقاء للارتقاء بشركاتنا لتحلق مع بقية الشركات الرائدة في العالم.

كما أوضحنا فإن مبادئ الحوكمة تنادي بضرورة وجود أعضاء فاعلين ومؤهلين ومقتدرين لتبوؤ عضوية مجلس الإدارة، ولكن هناك معوقات داخل قوانين الشركات في المنطقة تحول دون ذلك ونذكر منها، مثلا، أن أي مساهم يملك 10% أو أكثر من رأسمال الشركة يحق له أن يكون عضوا في مجلس إدارة الشركة، أو تعيين من يمثله في مجلس الإدارة وفق النسبة التي يملكها في رأس المال. وهذا بكل بساطة يعني أن من يملك المال قد يسيطر على مجلس إدارة الشركة بغض النظر عن مؤهلاته أو مقدراته أو أمانته، بل يكفي أنه يملك الأموال الكافية للسيطرة على رأسمال الشركة وبالتالي السيطرة على مجلس الإدارة. وهكذا نضرب بالمبادئ التي ذكرناها في الحوكمة عرض الحائط لأن صاحب هذه الأموال الذي يمكنه القانون من عضوية مجلس الإدارة قد لا يملك أي مؤهلات تؤهله لإدارة متجر صغير أو مشروع متناهي الصغر ناهيك عن شركة كبيرة لها ما لها من حقوق وعليها ما عليها من التزامات.

وهناك نقطة أخرى تتمثل في أن القانون يمنح كامل الحق للمساهمين في عزل أي من أعضاء مجلس الإدارة، وهذا العضو، ولسوء الطالع قد يكون أكثر الأعضاء مقدرة وكفاءة وأمانة وإلماما بالمتطلبات المطلوبة وفق مبادئ الحوكمة. وهذا الحق إذا لم يستخدم بصورة صحيحة، قد يهدم بناء الحوكمة داخل الشركة ويضر بها ضررا بليغا. ونحن لا نطالب بالحد من الصلاحيات القانونية التي يمنحها قانون الشركات للمساهمين ولكن نطالب بمراعاة منح بعض الأفضلية، ولا نقول الحصانة، للأعضاء الملتزمين بتحقيق مبادئ الحوكمة ومنحهم الفرصة للاستمرار في المجلس كلما كان ذلك ممكنا لأنهم يمثلون عصب تطبيق الحوكمة في الشركة وان عزلهم يمثل قرار عزل الحوكمة من الشركة.

نرى أن هذه النقاط، وغيرها، تحتاج للدراسة لتحقيق الانسجام المطلوب بين قوانين الشركات ومبادئ حوكمة الشركات من أجل تهيئة الساحة للوصول إلى المبتغى دون عوائق ظاهرة أو باطنة، ولنزيل هذه العوائق لنطبق ما نؤمن به في سعينا لتطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة. وبتوفر الحوكمة نوفر القدرة لدحر كل الصعاب وكافة المخاطر المعروفة أو المستقبلية كجائحة كورونا الحديثة البغيضة.

Email: [email protected]