أفكار وآراء

شرق المتوسط آفاق الصراع القادم

11 أغسطس 2020
11 أغسطس 2020

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي -

بدأت ملامح الصراع المتعدد الأطراف في مياه شرق البحر الأبيض المتوسط من خلال السباق على النفوذ لأكبر مخزون من النفط والغاز في هذه المنطقة من العالم، ولعل تواجد الثروة في أي مكان جغرافي ينذر بصراعات للظفر بتلك الثروة وهذا هو السجال الممتد لقرون بين دول العالم حيث نتجت عن ذلك حروب إقليمية وعالمية وفقد عشرات الملايين حياتهم في شتى بقاع الأرض بسبب أنانية البشر للحصول على تلك الثروات.

ولعل الصراع المتواصل في ليبيا على الثروة والنفوذ وبين أطراف محلية وإقليمية ودولية قد فتح الباب على صراع أكبر في منطقة شرق البحر المتوسط.

خطورة ذلك الصراع القادم هو تعدد الأطراف من الدول المطلة على تلك المياه التي تخفي في أعماقها الكثير من مخزونات النفط والغاز فهناك الكيان الإسرائيلي الذي يعد الطرف الأخطر في المعادلة، وهناك مصر واليونان وتركيا وفلسطين وسوريا ولبنان وقبرص وليبيا وهو الأمر الذي يعطي ملامح ذلك الصراع خاصة بعد أن وقعت مصر واليونان اتفاق الحدود البحرية في شرق المتوسط والاحتجاج التركي على ذلك الاتفاق، من هنا فإن الصراع القادم بين تلك الدول سوف يكون خطيرا في غياب أي منظومة حوار محتملة بين تلك الأطراف المتعدد.

حتمية الصراع

الذي يحدث في ليبيا من صراع على النفوذ متعدد الأطراف هو نموذج لصراع أكبر بدأت ملامحه في مياه شرق المتوسط في ظل خلافات تاريخية بين عدد من الدول، ولعل الخلاف التاريخي بين تركيا واليونان حول قبرص يتجسد الآن في مسألة النفوذ على ثروات شرق البحر المتوسط وأن التوقيع على الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا جعل أنقرة تصدر بيان عدم الاعتراف بهذا الاتفاق والسبب يعود إلى حساسية العلاقة المضطربة بين اليونان وتركيا.

هناك الصراع القادم بين الكيان الإسرائيلي وفلسطين المحتلة وكل من لبنان وسوريا في ظل أعمال التنقيب والحفر التي بدأت بها إسرائيل في مياه شرق المتوسط، كما أن قبرص لها طموحات وتنسق في ذلك مع أطراف أخرى في ظل الانقسام التاريخي بين القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين، ومن هنا فإن الصراع على ثروات الطاقة في شرق المتوسط يعكس الخلافات التاريخية بين تلك القوى المتعددة.

فالكيان الإسرائيلي هو كيان غاصب لأرض فلسطين وذلك الكيان يعد من الناحية القانونية الدولية محتل للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، ومن هنا فإن التلاعب بالجغرافية البحرية يعد انتهاكًا صارخًا للقانون البحري الدولي في ظل عدم وجود حدود للكيان الإسرائيلي مع فلسطين وعدم انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وهنا تكمن خطورة الصراع على ثروات مياه البحر المتوسط بين تلك القوى الطامحة تركيا وهي دولة إقليمية مهمة وعضو في حلف الناتو لها طموحات على صعيد ثروات مياه شرق المتوسط ولعل الاتفاق البحري مع ليبيا يعد من الخطوات المتقدمة في ظل منظومة التنافس الجماعية، بحيث تحول الصراع العسكري في ليبيا إلى صراع جماعي على جغرافيا أكبر تمثل في الملامح الأولى لصراع شرس وقاس في القادم من الوقت، ومن هنا فإن مياه شرق المتوسط سوف تكون ساحة ملتهبة في ظل عدم وجود حوار أو مبادرة دبلوماسية من الأمم المتحدة لعقد اجتماع بين تلك القوى المتعددة.

الأمم المتحدة هل من دور؟

إذا كان الصراع في ليبيا يهدد الأمن والسلام في شرق المتوسط فكيف يكون الحال لو انطلقت شرارة الصراع الأكبر بين تلك الدول الواقعة على تلك المياه، فهناك الجانب الآسيوي من الدول كسوريا ولبنان والأردن وفلسطين والكيان الإسرائيلي وهناك الدول في الجانب الأوروبي مثل تركيا واليونان وقبرص وهناك الدول في شمال إفريقيا خاصة ليبيا ومصر وتونس والجزائر وعلى ضوء ذلك فإن دور الأمم المتحدة يعد على قدر كبير من الأهمية من خلال عقد مؤتمر دولي لكل الأطراف لتطبيق مواد قانون البحار الدولي والمناطق البحرية الاقتصادية وتكون هناك آلية عادلة لتقاسم الثروات.

صحيح أن ملامح الصراع في مياه شرق المتوسط تبدو في مراحلها الأولى لكن مع تطور أعمال التنقيب من بعض الأطراف وتوقيع اتفاقيات بين الدول فإن ذلك قد يصعد التوتر ويحدث الأسوأ وهذا يجعل من دور الأمم المتحدة في غاية الأهمية لمنع اندلاع صراع قد يقود إلى حرب خطيرة وعلى مساحة جغرافية كبيرة تتعدى الصراع الحالي في ليبيا.

إن كل المؤشرات والتحليلات من داخل مراكز صنع القرار تعطي صورة قاتمة عن احتمال الصراع المرتقب في مياه شرق المتوسط في ظل الحاجة الماسة للطاقة النظيفة خاصة الغاز، ومن هنا فإن الدور الدبلوماسي في ظل هذه المتغيرات يظل أحد العوامل التي من شأنها تجنيب العالم صراعا كبيرا متعدد الأطراف والأحلاف وسوف يجلب المزيد من التعقيد للمشهد السياسي الإقليمي والدولي.

إن الصراعات العسكرية في العالم أصبحت تشكل هاجسًا كبيرًا لعدم الاستقرار خاصة في المنطقة العربية، حيث اشتعال الحروب والصراعات الإقليمية في اليمن وسوريا وليبيا وعدم الاستقرار في العراق وفلسطين المحتلة، كما أن العالم أصيب بصدمة تفجير مرفأ لبنان الذي شكل صدمة للبنان وسوف تكون له آثار سياسية واقتصادية كبيرة بدأت ملامحها، ومن هنا فإن ما جرى في لبنان هو محصلة الأوضاع الملتهبة في المنطقة العربية وفي ظل تشرذم عربي لم تشهده الساحة العربية منذ عقود.

وإذا حدث صراع في مياه شرق المتوسط فإن هناك دولا عربية سوف تكون في إطار ذلك الصراع أما منفردة أو في إطار تحالفات ومن هنا فإن الأمم المتحدة عليها واجب قانوني وأخلاقي لمنع أي صراع قادم في هذه المنطقة الحيوية من العالم من خلال الدعوة إلى الحوار وتطبيق القانون البحري الذي ينبغي أن تخضع له كل الدول باعتبارها دول موقعة على القوانين الخاصة بالبحار.

مسار الصراع

بدون تدخل الأمم المتحدة فإن مسار الصراع سوف يكون حتميا، كما تمت الإشارة والصراعات على الثروات تبدو اكثر اندفاعا وخطورة في ظل الأوضاع الاقتصادية وحاجة الدول للطاقة، علاوة على متغير فيروس كورونا وما سببه من كوارث اقتصادية على دول العالم المختلفة، ومن هنا فإن الصراع المحتمل في مياه شرق البحر المتوسط سوف يكون صراعا متعدد الأطراف وهنا تكمن خطورته وأيضا في ظل تحالفات وهذا يعيد للأذهان حقبة الحربين العالمية الأولى والثانية حيث تواجد التحالفات وهي دول المحور بقيادة ألمانيا النازية ودول الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وهي الحربان التي انتهت بتقسيم ألمانيا واستخدام أول قنبلة ذرية ضد مدن اليابان هيروشيما وناجازاكي.

إذن صراع شرق المتوسط يحمل في طياته النذر الخطيرة في ظل تسارع صعود القوى الجديدة في العالم مثل الصين والهند وحتى البرازيل وألمانيا زعيمة أوروبا مما يجعل الصراعات والتحالفات تشكل الهاجس الأمني الكبير على السلم والأمن الدوليين، وهو الأمر الذي يحتاج إلى تدخل أممي لنزع فتيل ذلك الصراع الذي بدأت ملامحه في الظهور وقد يتعقد المشهد في شرق المتوسط مع تصاعد الوضع في ليبيا والتي تعد صراعًا إقليميًا يشكل جزءًا من صراع أكبر في تلك المياه المتوسطية التي تختزن الكثير من الثروات تحت مياهها.

إن مسار الصراع في شرق المتوسط سوف يتحدد على ضوء ظروف موضوعية تبدأ من موقف الأمم المتحدة من ملامح ذلك الصراع وثانيا على مسار الصراع في ليبيا على اعتبار أن عددا من تلك القوى مشاركة في ذلك الصراع العسكري المحتدم في ليبيا بسبب الثروات الطبيعية.

وأخيرا يتحدد مسار ذلك الصراع من خلال الإرادة السياسية لتلك الدول ورغبتها في حل الخلافات من خلال الحوار لإيمانها بأن اندلاع صراع كبير في شرق المتوسط سوف يكون مكلفا عسكريا واقتصاديا وإنسانيا، وبالتالي فإن الحوار بين الأطراف المتعددة هو الخيار الأفضل لتجنب صراع سوف يكون فيه الجميع خاسرا.