قققق
قققق
الاقتصادية

د. الحمود لـ "عُمان": محاولات جادة للتعويض والإنعاش

07 أغسطس 2020
07 أغسطس 2020

الثروة الحيوانية في سوريا تدفع ضريبة الحرب

دمشق - عُمان بسام جميدة:

لا يكاد يخلو بيت من بيوت السوريين في الأرياف خاصة، من وجود بقرة أو أكثر، أو عدد من الأغنام والماعز، وفي أضعف الإيمان يوجد دواجن كثيرة، يعتاشون منها، وتعتبر مصدر رزقهم، ولها مكانة متميزة عندهم، يعتنون بها ويدارونها حتى تستمر بالعطاء لهم.

الريف السوري الذي يشكل نسبة كبيرة من مساحة البلاد، يعتمد إلى جانب الزراعة، على الثروة الحيوانية الموجودة فيه، وتشكل خزان غذاء للمدن كافة، بل وشكلت قبل الحرب اكتفاء ذاتيا من الألبان ومشتقاتها.

ولكن الحرب التي انطلقت شرارتها الأولى مع بداية مارس 2011 لم توفر البشر ولا الحجر، بل وأتت حتى على الحيوانات التي لاقت مصيرا لا يقل قسوة عن مصير البشر.

مآس كثيرة

يروي لي جمال عبدالله 60 عاما من أبناء القرى الحدودية المحاذية لتركيا كيف نزح هو وأهله وباقي أبناء القرية من بيوتهم عندما اجتاحتهم الفصائل المسلحة الموالية لتركيا وطلبت منهم الرحيل بعيدا، يقول ذهبنا جميعا لكن والدي العاجز لم يخضع لأوامر المسلحين ورفض الذهاب لأنه لا يستطيع المشي وبقي مع من بقي من أهل القرية كبار السن، ورأى بعينه كيف قام أهل القرية المجاورة داخل الحدود التركية باقتحام القرية بتغطية من المسلحين والقوات التركية، ونهبوا كل شيء، ومن ضمنه الأبقار والأغنام وحتى الدجاج، ولكن المنظر الأقسى الذي يرويه والد جمال، أنهم لم يستطيعوا سرقة البقرة التي كانت على وشك الولادة، فهي لا تستطيع السير معهم، وحاولوا بشتى الطرق دفعها دون جدوى، فلم يتركوها وشأنها، بل أقدم عدد من عناصر تلك الفصائل المسلحة على رمي البقرة بـ 30 طلقة لتسقط أمامي مضرجة بدمائها.

ليست هذه هي الحادثة الوحيدة بل هناك عشرات الحوادث مثلها في أرياف الحسكة ودير الزور وريف دمشق الذي يعتبر الأغنى بالأبقار، وكما يقول أبو محمد الدوماني، تعرضت أبقارنا للسرقة والجوع والقتل، وكانت مصدر رزقنا، كانت ثروتنا التي فقدناها مع كل ما فقدنا خلال الحرب المسعورة.

محاولة إنعاش

وحول خسائر الثروة الحيوانية في الحرب وكيفية تعويضها يقول د. أسامة الحمود مدير الإنتاج الحيواني بوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي "لعُمان"، كانت تمتلك سورية قبل الحرب 15.000.000 من الأغنام، 1.100.000 من الأبقار، 2.000.000 من الماعز، 7.000 من الجاموس وانخفضت بنسبة 40% بعد الحرب، لأسباب بات الجميع يعرفها، وتعنى مديريتنا ببرامج التحسين الوراثي وإعداد خرائط توزع الثروة الحيوانية ووضع الشروط الفنية لإقامة مزارع تربية الحيوان والدواجن ومنح التراخيص المتعلقة بها وتعنى بإعداد قاعدة بيانات الثروة الحيوانية من أجل تعويض الفاقد وإنعاش هذه الثروة من جديد، كما تنفذ مشروع نشر وتعميم التلقيح الاصطناعي للأبقار في سوريا الذي يقدم خدمة التلقيح الاصطناعي للأبقار مجانًا لكافة المربين بدءًا من إنتاج قشات السائل المنوي المجمدة والمحفوظة بالسائل الآزوتي على درجة حرارة -196 درجة مئوية، وصولًا إلى تنفيذ عملية التلقيح الاصطناعي لدى المربين في الحقل عبر شبكة ملقحين اصطناعيين عددهم حوالي 900 ملقح ينتشرون في كل محافظات القطر.

ويوضح د. الحمود، تنتج المديرية سنويًا 500000 قشة تلقيح اصطناعي و300000 ليتر من السائل الآزوتي في مركز إنتاج السائل المنوي والآزوتي في دمشق والذي يعتبر المركز الوحيد في منطقة الشرق الأوسط، وتنفذ سنوياً 500000 تلقيحة اصطناعية بخدمة مجانية سنوية تقارب قيمتها 2 مليار ل.س.

وأنتجت المديرية منذ بداية العام 2020 حتى تاريخه 372220 قشة سائل منوي و237350 ليترا فيما تم تنفيذ 342760 تلقيحة اصطناعية.

ومن اجل إنعاش الثروة الحيوانية، تمارس المديرية الرقابة على المواد والإضافات العلفية المحلية والمستوردة من حيث تصنيفها ومطابقتها للمواصفات والمقاييس وتحليلها، للتأكد من صلاحيتها لتغذية الحيوان والدواجن في مخابر تحليل الأعلاف التابعة للمديرية، وقد بلغت كمية المواد والإضافات العلفية المستوردة حتى نهاية يوليو الحالي 508848 طنا وتمنح الموافقات (الفنية) اللازمة لاستيراد الأعلاف والمتممات العلفية وإقامة معامل ومنشآت تصنيع الأعلاف.

وهل تضاؤل الثروة الحيوانية أو تصديرها هو سبب ارتفاع أسعار اللحوم في سوريا؟، يجيب الحمود قائلا، هناك أسباب كثيرة منها، مشكلة التهريب إلى دول الجوار، وارتفاع أسعار العلف الذي يشكل 75% من تكاليف التربية، وأحجام بعض المربين عن التربية لارتفاع تكاليفها ورجحان كفة الخسارة، واحتفاظ المربين بقطعانهم في المواسم الوفيرة لتسمينها وبيعها بأسعار عالية، وقلة عدد الحيوانات المذبوحة مما يقلل العرض أمام الطلب ويؤدي لارتفاع الأسعار.

تقرير الفاو

يقول تقرير منظمة الفاو وبرنامج الغذاء العالمي بأن إحصاءً دقيقاً لأعداد الثروة الحيوانية السورية صعب اليوم، ولكنه ممكن تقريباً من خلال كميات اللقاح والعقاقير المقدمة، وحجم التجارة في أسواق الثروة الحيوانية، ومن سجلات المسالخ، وعدد الحيوانات المسجلة للتغذية في المؤسسة العامة للأعلاف، والمعطيات الأخرى غير الرسمية.

ويبين التقرير بأن الوضع الحالي للثروة الحيوانية يستقر تدريجياً، وذلك بعد الانخفاض الكبير خلال السنوات الأولى للأزمة، إذ بدا أن إجمالي أعداد الحيوانات يزداد قليلاً أو يستقر خلال عام 2016-2017، ومع ذلك فإن تراجعاً عاد للظهور في عام 2018 في أعداد الأغنام والماعز، وانخفاضاً كبيراً في أعداد الأبقار مقارنة في عام 2017، وأنه يتم حالياً تنفيذ مشروع لترقيم الماشية وقد تم تغطية العديد من المحافظات منها اللاذقية وطرطوس وريف دمشق.

وتشير الأرقام التي أوردتها الفاو، أن الأغنام هي الثروة الحيوانية الأكبر في سوريا، من حيث العدد، والانتشار، وقد تراجعت أعدادها من 17.2 مليون رأس في 2010، إلى 10.7 مليون في 2017 تقريباً، انخفاضاً إلى 10.3 مليون في 2018 والخسارة الأكبر في محافظة حماة، التي خسرت أكثر من مليوني رأس، تليها دير الزور التي خسرت قرابة 1.4 مليون رأس، وتشكل نسبة 90% من عدد رؤوس أغنامها وحمص خسرت مليون رأس.

وتراجعت أعداد الأبقار بمقدار يفوق 400 ألف رأس والخسارة الأكبر سجلت في ريف دمشق بنسبة 60% وحوالي 150 ألف رأس، كون أماكن تربيتها الأساسية في الغوطة الشرقية، وخسرت كل من الحسكة وحمص ودير الزور وحلب ما بين 30-40 ألف رأس لكل منها، وخسرت درعا نسبة تقارب 40% من رؤوس الأبقار وحوالي 20 ألف رأس، أما إدلب فخسرت 30 ألف رأس.

خسارة فادحة

أوضح وزير الزراعة أحمد القادري في تصريح صحفي أن "القطاع الزراعي والحيواني من أهم القطاعات المتضررة من الأزمة، حيث بلغت قيمة الأضرار 16 مليار دولار أمريكي".

وأرجع الوزير القادري، الأسباب التي أدت إلى هذه الأضرار بالدرجة الأولى إلى الحرب الجائرة والعقوبات الاقتصادية الظالمة وتراجع حجم الصادرات نتيجة لهذه العقوبات، إضافة إلى تخريب وتدمير المراكز البحثية والإنتاجية والخدمية ومنع الفلاحين في بعض المناطق من الوصول إلى أراضيهم وارتفاع أسعار بعض مستلزمات الإنتاج ونقص كمياتها كما أثرت العقوبات في عملية استيراد مستلزمات الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وأدت إلى ارتفاع كبير في أسعارها، ما أدى إلى انخفاض في نسب تنفيذ الخطة الإنتاجية الزراعية، وتراجع في إنتاج الثروة الحيوانية وعلى توريد الحيوانات الزراعية ومستلزمات تربيتها لترميم قطيع الثروة الحيوانية ومستلزمات إنتاج الدواجن.