إشراقات

الصلاة والزكاة فرضتا على جميع الأمم.. وحظهم من الإسلام على قدر حظهم منها

06 أغسطس 2020
06 أغسطس 2020

  • المستخف بالصلاة المستهين بها مستخف بالإسلام ومستهين به

الصلاة عبادة عظيمة مستمرة من أول الأمر الى آخره، على اختلاف الأمم والشرائع الإسلامية، فما من شريعة إسلامية إلا والصلاة عمادها، وان اختلفت صفة التعبد بها، وكيفية اللزوم فيها، فاختلاف الصفة في ذلك إنما هو بحسب اعتبار التكاليف، فبهذا تعرف عظمة قدر الصلاة، وجلالة شأنها. والدليل على ما قلنا ان الرب تعالى أمر الملائكة ان يسجدوا لآدم، والسجود نوع من الصلاة.

وقد قيل: ان شعيبا عليه السلام كان يطيل الصلاة، حتى قال له قومه: (قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ)، وقد وصف الله تعالى اسماعيل عليه السلام أنه: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)، وأخبر عن عيسى عليه السلام انه قال: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)، وقال في حق بني إسرائيل: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ)، فهذه الآيات كلها دالة على ثبوت التعبد بالصلاة من أول الأمر الى آخره، وان كانت الصلاة في بعض الأمم مخالفة لصلاة بعضهم، فذلك التخالف غير قادح في جعل جملتها قربى الى الله تعالى.

وفي الأثر: ان الصلاة كلها فريضة، الا ان صفتها تأويل، وجملتها تنزيل، والصلاة والزكاة فرضت على جميع الأمم، وأنزلها الله في التوراة والانجيل والزبور والفرقان، وكل مستخف بالصلاة مستهين بها فهو مستخف بالإسلام ومستهين به، وإنما حظهم من الإسلام على قدر حظهم من الصلاة، ورغبتهم في الصلاة، فاحذر ان تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك قدر الصلاة فيه.

ومعنى قوله: "الصلاة كلها فريضة" أي: الصلاة المفروضة كلها فريضة، وقوله: "الا ان صفتها تأويل، وجملتها تنزيل" المراد بصفتها: هيئتها وتفاصيلها، والمراد بجملتها: وجوبها على الإجمال. والمعنى: ان الصلاة افترضت في التنزيل جملة، وفسرت الرسل تلك الجملة على حسب ما أوحي إليهم من ذلك. والله أعلم.

اما عن منزلة الصلاة في الإسلام فقد وردت العديد من الاحاديث الشريفة منها قوله صلى الله عليه وسلم: بُني الإسلام على خمس: على ان يُوحَّدَ الله تعالى، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، وحج البيت لمن استطاع اليه سبيلا"، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "الصلاة عماد الدين، فمن ترك الصلاة فقد هدم الايمان"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا إيمان لمن لا صلاة له"، ولقوله عليه الصلاة والسلام: "ليس بين العبد والكفر إلا تركه الصلاة، ثم الزكاة، ثم سائر الأعمال"، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يحاسب عليه العبد الإيمان ثم الصلاة".

وفي المحافظة عليها وردت العديد من الأدلة من الكتاب والسنة، اما من الكتاب فقد قال الله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ، الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، وقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) أي: واظبوا وداوموا على الصلوات المكتوبات بمواقيتها وحدودها وإتمام أركانها وخص الوسطى بالذكر دلالة على فضلها، وقال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ). وقال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما: "في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف، ولم تنهه عن المنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا". وقال الحسن وقتادة: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه".

وأما الحث عليها من السنة فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "خمس صلوات كتبهن الله على العبد في كل يوم وليلة، فمن جاء بهن تامة لم يضيع شيئا منهن استخفافا بحقهن، فله عند الله عهد ان يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وان شاء رحمه"، وقال عليه الصلاة والسلام: "مثل الصلوات الخمس تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن"، وقال عليه الصلاة والسلام: "من صلى الصلوات الخمس في وقتها واسبغ وضوءها، وأتم ركوعها وسجودها وخشوعها، عرجت وهي بيضاء مسفرة، تقول: حفظك الله كما حفظتني، ومن صلاة لغير وقتها ولم يسبغ وضوءها، ولم يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها عرجت وهي سوداء مظلمة، تقول: ضيعك الله كما ضيعتني، حتى اذا كانت بحيث ما شاء الله لفّت كما يلفّ الثوب فيضرب بها وجه صاحبها".. والله أعلم.

وعن فضلا الصلاة وثوابها فقد جاء انه لا يستحق ثواب الصلاة الا المقيمون للصلاة، والمقيمون: هم المحافظون على الصلاة في اوقاتها بوظائفها وخشوعها، لأن المصلين كثيرون، والمقيمون قليلون. قال تعالى في وصف المؤمنين: (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ)، وقال في وصف المنافقين: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى)، وقال: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) فسماهم مصلين، وسمى المؤمنين مقيمين للصلاة.

"من كتاب: معارج الآمال على مدارج الكمال بنظم مختصر الخصال" للعلامة المحقق نور الدين عبدالله بن حميد السالمي – الجزء الثالث".. بتصرف.