أفكار وآراء

القيادة الحاسمة ضرورة في الاستجابة لكوفيد 19

03 أغسطس 2020
03 أغسطس 2020

د. أحمد بن محمد السعيدي ود. أحمد بن سالم المنظري ود.فوزية أباكير ود.أسعد حفيظ ود.عبدالناصر أبو بكر ود.مها الرباط

ترجمة: أحمد شافعي

يمثل كوفيد 19 أحد أكبر التهديدات في التاريخ الإنساني الحديث إذ انتشر الفيروس بسرعة كبيرة في العالم كله، تاركا أثرا على حياة البلايين وأنماط حياتهم. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فقد ثبتت إصابة أكثر من مليون حالة بكوفيد 19 في منطقة شرق البحر المتوسط وحدها حتى 30 يونيو 2020 مع مراعاة الفوارق غير الهينة في حجم الوباء وتطوره في البلاد المختلفة. ومع تصدُّر الحكومات الوطنية لجبهات الاستجابة وردود الفعل المختلطة من القيادات السياسية والصحية العامة، فإن القيادة الحاسمة تظهر بوصفها عاملا محوريا في تحديد النجاح.

تضمن أمثلة الاستجابات الفعالة في العالم وفي منطقة شرق المتوسط الاستجابة السريعة، وحسن التنسيق، والنهج القائم على الدليل وجيد التوصيل، وروح الشراكة. ولقد أشير إلى عوامل عديدة باعتبارها المسؤولة عن تباين أرقام حالات كوفيد 19 والوفيات قياسا إلى السكان. فعلى سبيل المثال لا بد من الاعتراف بالتفاوتات في قدرات الأنظمة الصحية، برغم أن الوباء طغى حتى على بعض البلاد ذات القدرات المتقدمة. قد تكون الأوضاع الديمغرافية مهمة، مع ارتفاع أعداد الحالات والوفيات في إيطاليا وهو ما يحتمل أنه يرجع جزئيا إلى كبار السن من السكان والانتشار الكبير للأمراض المشتركة comorbidities، وكذلك العوامل الثقافية مثل ارتفاع مستويات الاختلاط الاجتماعي الذي قد يؤثر على الانصياع لإجراءات الصحة العامة. ومع ذلك، يبقى دور القيادة في الاستجابة للوباء واضحا لا يمكن إنكاره.

من السمات المعروفة للقيادة الحاسمة سرعة الاستجابة بناء على فهم واضح للخطر الناجم عن كوفيد 19 ولحقيقة أن تأخر العمل قد يؤدي إلى نتائج أسوأ. في دراسة للاستجابات الوطنية، ثمة تنوع غير قليل في معدل وسرعة تبني الإجراءات الأكثر صرامة. حتى مع تماثل إجراءات الحظر، فإن التبكير بتنفيذه تلازم مع تحقيق نتائج أفضل. في ألمانيا ونيوزيلاندا، حظي القادة بالثناء على عملهم الحاسم. ونسب البعض نجاح هاتين الدولتين إلى أن على رأس قيادتيهما امرأتين. في الوقت نفسه علقت الحكومة الأردنية الدراسة في المؤسسات التعليمية وعطلت التجمعات الدينية في أماكن العبادة خلال اثني عشر يوما من ظهور أول حالة.

تضمن القيادات الفعالة حسن التنسيق، في ضوء الأبعاد الاجتماعية الاقتصادية الصحية للوباء. ومن واقع خبرة سابقة بتفشيات الأمراض، أنشأت سنغافورة قوة عمل مؤلفة من وزارات مختلفة من أجل التنسيق المركزي في الاستجابة الحكومية الكلية قبل أن تظهر في البلد أي حالات مؤكدة. وأدى تشكيل الهيئة الوطنية لمراقبة كوفيد 19 في تونس إلى الجمع بين مسؤولين كبار من جميع الوزارات لضمان الانصياع للإجراءات في جميع القطاعات، فضلا عن ضمان التنسيق بين اللجان الإقليمية والوطنية. وضعت الحكومة اللبنانية خطة استجابة لكوفيد 19 تشمل القطاعين الخاص والعام. ولقد أشير في بعض الأوقات إلى أن الأنظمة اللامركزية تمثل مشكلة، برغم أن هذا لا يكون صحيحا ما لم يجتمع إليه سوء التواصل، وعلى الرغم من التباطؤات الأولية أظهرت سويسرا فعالية في التعلم والتكامل المتبادل بين المناهج المحلية اللامركزية في استجابتها لكوفيد 19.

يقود العلم الأفعال الحاسمة المؤثرة التي يقوم بها القادة في البلاد التي حققت نجاحا في الاستجابة لكوفيد 19. فتنفيذ إجراءات الحظر واسع النطاق قلل بدرجة غير قليلة من عدد حالات كوفيد 19، إذ تشير التقديرات إلى أن إيطاليا تفادت إصابة 2.1 مليون حالة كوفيد 19 إضافية بسبب إجراءات الحظر. وكان امتلاك قدرة التحليل جزءًا من المرحلة الأولى في الاستجابة بجنوب أفريقيا، وبعد تخفيفها إجراءات الحظر العام، تم تحويل فرق تعقب عدوى السل للعثور استباقيا على حالة كوفيد 19 وتعقب العدوى ومراقبة الانصياع للحظر مما أدى إلى مراقبة مجتمعية لقرابة 20% من السكان. وفي النهاية، في ضوء أن بيانات مراقبة المرض عالية الجودة لا تكون متاحة في بعض الأحيان، يجب أن تتأسس القرارات على أفضل المعارف المتاحة، مع تكييف المعلومات الجديدة.

تقدِّر القيادة الحاسمة الحاجة إلى تواصل عام موثوق فيه. وبرغم أن العمل الحكومي ضروري لتنفيذ الإجراءات واسعة النطاق، فإن السلوك الفردي لا العمل الحكومي له أهميته أيضا في الحد من انتشار كوفيد 19، مع التأكيد على أهمية صون الحقوق الفردية. في الأردن والمغرب على سبيل المثال سخرت الحكومتان قدرات تكنولوجيا المعلومات في إقامة موقع إنترنت وتطبيق للمعلومات والمراقبة المرضية. وبناء الثقة يقتضي تواصلا واضحا ومستمرا قائما على مصادر يعتمد عليها بما يعزز الشفافية والمحاسبة. والانقسام السياسي يؤثر سلبا على السلوكيات الصحية والتفضيلات السياسية، بما يؤثر على نجاح أو فشل الاستجابة لكوفيد 19. ولا بد من أن يتعامل القادة بترو مع العوامل التي تقوض الثقة من قبيل الاستقطاب السياسي. والتواصل الفعال يقتضي التأكيد على الهوية المشتركة في مواجهة تهديد كوفيد 19.

أخيرا، يؤمن القادة الفعالون بالاستجابة التضامنية التشاركية للوباء. ويبدأ ذلك بالانصياع للإجراءات التي حددتها قواعد الصحة العالمية International Health Regulations (2005). والشفافية في تبادل البيانات أمر حاسم، مثلما تبين في كوريا الجنوبية، التي أطلعت هيئات مثل منظمة الصحة العالمية على ما لديها من معلومات ذات صلة منذ أول حالة مؤكدة. كما أظهرت مزيد من البلاد تضامنا في الدعم المالي، والتبرعات بالإمدادات الطبية، والتشارك في الخبرة في هذا الوقت الذي شهد أزمة غير مشهودة من قبل. فالسعودية على سبيل المثال تبرعت ماليا في جهود الاستجابة الوبائية، في حين أرسلت كوبا أطباء لبلاد أخرى لدعمها في استجاباتها. فالشراكة بين البلاد أمر لا غنى عنه لتحقيق نتائج أسرع في معالجة كوفيد 19 والمحاولات العيادية اللقاحية ولهذا تدعم منظمة الصحة العالمية الشراكة العالمية من خلال صندوق التضامن، ونظام سلسلة إمدادات كوفيد 19، وتجربة التضامن. لأن الوباء الذي يمثل تهديدا عالميا يقتضي من جميع القيادات المبادرة بالتعاون في العمل الحاسم.

في الشهور القادمة، في منطقة شرق البحر المتوسط وما وراءها، لا بد أن تعزز جهودنا المستمرة لإنقاذ الناس والتخفيف من الأثر الاجتماعي الاقتصادي لكوفيد 19 من دور القيادة الحاسمة المنفتحة المتعاطفة. وفي البلاد التي لم تزل تسجل حالات عدوى كبيرة الأرقام، حان الوقت لأن يعترف القادة بأهمية العمل السريع بناء على أفضل المتاح من الأدلة، وبشفافية، ومسؤولية لا غنى عنها في الأماكن منخفضة الدخول أو واضحة الهشاشة. لا بد أن يكون تحرك القادة حاسما في الاستجابة لكوفيد 19 من خلال مناهج عمل حكومية ومجتمعية كلية.

المشاركون في المقال : السعيدي وزير الصحة، المظفري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، أباكير وزيرة الصحة الصومالية، حفيظ المدير التنفيذي لأكاديمية الخدمات الصحية في إسلام أباد، أبو بكر رئيس برنامج إدارة أخطار العدوى بالمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، الرباط المبعوث الخاص للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، والمعني بالاستجابة ‏بفاشية كوفيد-19‏، وزيرة الصحة الأسبق في مصر.