أنا ...هنا
حمده بنت سعيد الشامسية
وجدت في صندوق بريدي الوارد رسالة من أحد القراء، تضمنت نقدا وجدته غير مناسب في تلك اللحظة، وذيلت الرسالة بنصيحة حول المواضيع التي أطرحها على صفحتي، أزعجتني الرسالة كثيرا، أو بالأحرى أسلوب الطرح، والحقيقة أن أكثر ما أزعجني هو أن أكتشف بأن تلك (الأنا) الزائفة التي اعتقدت بأنني انتصرت عليها، ما زالت قابعة هناك، بكل قوتها، وكل مشاعر الخوف وعدم الأمان التي تتغذى عليها، هي مثل بركان خامد هذه الأنا، توهمك بأنها اختفت، ثم يحدث موقف بسيط وتافه، فتنكشف عنها الأقنعة.
كل صفحاتنا على شبكات التواصل الاجتماعي نصائح للآخرين، نعلمهم من خلالها كيف يجب أن يعيشوا حياتهم، وكيف يأكلون، وكيف يتصرفون، ننصب أنفسنا معلمين ومرشدين ومصلحين، وأمام أية ردة فعل معاكسة من الطرف الآخر، يثور فينا ذلك الطفل الحساس، تلك الأنا الزائفة، والتي يكتشف المرء بأنها على الدوام بحاجة للتقويم، وأن تربية النفس (من المهد إلى اللحد) عملية مستمرة لا تتوقف.
أدركت امرأة العزيز هذا عندما قالت (إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ)، وهي تحتاج منا إلى مجاهدة طوال الوقت، ومدى الحياة - سبحان الله، ولعل لهذا السبب أمرنا بتزكية النفس، وبالإحسان ماحيينا، لأن النفس إن لم نكن حاضرين في اللحظة، في هنا والآن، ستغافلنا في أي لحظة، وتمارس تمردها.
الوعي هو السلاح الذي يبقينا حاضرين، متيقظين لها، إذا فلتت قومناها، لأن الأنا إذا تضخمت وخرجت عن السيطرة، أول ضحاياها سنكون نحن، نحتاج أن نكون على وعي خاصة في التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي، التي توحي لنا أحيانا بالأهمية والشهرة، وهي غذاء (الأنا) المفضل الذي تتغذى عليه، في زمن باتت الشهرة سهلة ومتاحة، وفي زمن باتت حياتنا مفتوحة على العالم بدون أبواب ولا حواجز، عرضة دائما للهجوم، وعرضة أيضا لنجومية زائفة، إن لم نتعامل معها بحذر، يحتاج المرء إلى قوة تحمل، وسياسة (تطنيش) صارمة ليتعامل معها، وقبل كل شيء يحتاج إلى الصدق، وإلى تحجيم الأنا بداخله، لأنها العدو الأول إذا سمح المرء لها بالتضخم على حساب ما يمثله من مبادئ وقيم.