«الخبط» على المائدة الأوروبية
مصباح قطب -
قالت وكالات الأنباء إن الرئيس الفرنسي ماكرون خبط بيده على مائدة اجتماعات قادة الاتحاد الأوروبي بروكسل، انفعالا، بعد أن رأى ما اعتبره تعنتا من دول بالشمال الأوروبي ضد خطة مقترحة لإنعاش اقتصاد دول القارة التي أضيرت من جائحة كورونا. في نهاية المطاف فإن القمة التي بدأت الانعقاد منذ الجمعة الماضية وتم تمديدها مرتين، توصلت إلى اتفاق لتقديم مساعدات بقيمة ٣٩٠ مليار يورو، وقروض بقيمة ٣٦٠ مليار يورو، تستفيد منها دول أبرزها إيطاليا وإسبانيا. كانت القمة هي الأولى التي تعقد وجها لوجه بعد اجتماعات عبر الإنترنيت، وجاء انعقادها في ظل رئاسة ألمانيا للاتحاد الأوربي، وصادفت أيضا يوم ميلاد المستشارة الألمانية «ميريكل» الـ ٦٦. ما يعنينا هو أن الذي طرق المائدة غضبا من بخل دول بالشمال أبرزها هولندا والسويد والدنمارك، ومن تشددها في كيفية الرقابة على أموال المساعدات، لم يترك المائدة، أي هو يعرف أن لا سبيل آخر إلا المزيد من الحوار من أجل التوافق. ومما هو جدير بالذكر أن طرفا آخر كان يمكن أن يخبط على المائدة لو لم يتم الوصول إلى حل، وهو قادة الدول التي تراجع اقتصادها بشدة جراء الجائحة مثل إيطاليا، وكانت تعانى أصلا من قبل، فهي لا تملك ترف ضياع الوقت، ولابد لها من ضخ خارجي حتى تسترد جانبا من قوتها الاقتصادية أو تتعافى، وإذا كان «ماكرون» وغيره قد اعتبر أن الاتفاق هو يوم تاريخي بأوربا وأن القارة، كما قالت «ميركل»، لا تزال قادرة على العمل المشترك، فان الدول التي ستستفيد من المنح بل ومن القروض غير راضية بالكامل بالتأكيد، خاصة دول مثل بولندا والمجر، ذلك لأنه تم وضع مشروطات رقابية على المساعدات والقروض، وأخرى خاصة باحترام البيئة واحترام دولة القانون، وتعهدات من المستفيدين بعدم التساهل بشأن ضوابط الإنفاق العام، والمعنى أنه لا يوجد، ولن يوجد غذاء مجاني. ومهما قلنا عن النزعة المتطرفة بالفعل لدى دول الشمال وشح ما تقدمه لدول الاتحاد بحجة أن الآخرين كسالى، ولابد لهم من عمل اكثر، واستهلاك أقل، وموازنات عامة منضبطة، فإن في رأيهم بعض الحق بالقطع، لكن الصورة لا تكتمل إلا إذا ما عرفنا أن الدول المتهمة بالتقصير هي دول ذات أسواق كبيرة لطالما استفاد منها المصدرون الكبار بالقارة مثل ألمانيا وفرنسا.
وقد تم بالتوازي مع إبرام الاتفاق الموافقة أيضا على ميزانية الاتحاد للسنوات المقبلة، وفيها ما يدل على وجود عزم واضح للنهوض بالقارة تكنولوجيا وتعزيز تنافسيتها حيال الصين والولايات المتحدة، لكن الغريب أن حزمة الإنقاذ الخاصة بكورونا، والتي سيكون لها صندوق خاص، تم تكميشها عما كان مقررا لها أن تكون عليه، من أجل الوصول إلى اتفاق في الرأي، والقصة هنا أن مبالغ ليست قليلة مما تم تكميشه تم اقتطاعها من تمويلات كانت ستذهب إلى قطاعات رقمنة القارة، وهي مفارقة تدل على أنه من أجل التوافق لم يكن هناك مفر من تضحيات، وأن هوامش الحركة كانت محدودة للغاية.