US-NEW YORK-MANHATTAN-MIDTOWN
US-NEW YORK-MANHATTAN-MIDTOWN
الاقتصادية

إغلاقات الاقتصاد أدت إلى فوضى في قطاع العقار التجاري

10 يوليو 2020
10 يوليو 2020

الإيكونومست ترجمة : قاسم مكي ربما لا تكون مدركا لذلك. لكن حصة متزايدة من مدخراتك وحصيلة تقاعدك راهَنَ بها المستثمرون في مبانٍ تجارية قد تداوم فيها أو تتسوق أو تنام. الفكرة الأصلية وراء هذه الاستثمارات هي أنها تؤمِّن تدفقا منتظما من الإيرادات لعقود قادمة وذلك على نحو ما كانت تفعل السندات الحكومية قبل هبوط أسعار الفائدة إلى مستوى بالغ التدني. لكن الآن أطاح فيروس كورونا بهذه الفرضية. لقد كفَّ الملايين من المستأجرين حول العالم عن سداد إيجاراتهم. وذلك ما قاد إلى حالة من الفوضى في أوساط أصحاب المراكز التجارية وبنايات المكاتب. وفي الأجل الطويل يمكن أن يفضي تقييمٌ جديد للتهديد الذي ينشأ عن الجائحات والتقنيات الجديدة إلى تحول حاد في كيفية استخدام المباني التجارية. لذلك على المدخرين ومديري صناديق الاستثمار الانتباه. فهذا القطاع الذي كان يشكل فئة أصول آمنة وبطيئة الحركة لم يعد من الممكن التنبؤ باتجاهاته. وصار من اللازم إخضاعه لفحص دقيق وإدارة نشطة. شهد الاستثمار في العقار التجاري إقبالا شديدا خلال العقدين الماضيين. ففي تلك الفترة هبط العائد الاسمي على السندات طويلة الأجل التي تصدرها الحكومة الأمريكية من أكثر من 6% إلى أقل من 1%. وبحثا عن مصادر أخرى منتظمة وسريعة العائد، تدافَع أمناء صناديق التقاعد ومديرو الاستثمار بالمناكب نحو المراكز التجارية والمكاتب والفنادق والمستودعات. وهكذا تسللت باطراد مؤسسات متزمتة (في تعاملاتها المالية) ومديرو صناديق استثمارية شغوفون بحساب اللوغريثمات إلى ركن من الاقتصاد كان مقصورا على كبار الأثرياء والهواة والطبقة الراقية. ارتفعت المخصصات المالية من صناديق التقاعد لأغراض الاستثمار في العقارات التجارية من 5% في عام 2000 إلى 10% الآن. وضخَّت مؤسسات الاستثمار حوالي 11 تريليون دولار في "فئة أصول" العقار التجاري. تمتد فترة الإيجارات روتينيا إلي حوالي 10 سنوات أو أكثر. لذلك كان اقتران الدخل الموثوق من الإيجارات بارتفاع قيمة رأس المال المستثمر في العقار يعني نجاحه في تحقيق عائدات سنوية تزيد عن 7%. وكل ما كان يحتاجه هؤلاء المستثمرون هو التحلي بالصبر. لكن ذلك لم يعد كافيا. المشكلة الأكثر راهنية الآن هي أن المستأجرين يتخلفون عن السداد. إن كل انكماش اقتصادي ينطوي على تأخر في سداد الإيجارات بين فترة وأخرى. لكن إغلاقات الاقتصاد أدت إلى فوضى في بعض أجزاء قطاع العقار التجاري. وربما أن مستأجري ربع المتاجر المنفصلة (القائمة بذاتها) ونصف المراكز التجارية و60% من المطاعم في الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية الأخرى لا يسددون إيجاراتهم المستحقة. يمكن أن يكون ذلك تمردا عفويا (من جانب المستأجرين) أو ربما أن ملاك العقارات أمهلوهم . وفي الواقع استحدثت بعض المدن والحكومات تأجيل سداد الإيجارات. لكن المهم أن دخول أصحاب العقارات تضررت. وحتى الآن إما أنهم غير راغبين أو غير قادرين على استعادة مبان ربما ليست هنالك فرص في أن يحصلوا على مستأجرين لها في المستقبل. لقد تأخرت أعداد متزايدة من ملاك العقارات في سداد ديونها. وشهدت الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري (التي تجمَع القروض العقارية في شكل حِزَم) معدلات تأخر في السداد تتجاوز تلك التي شهدتها الأزمة المالية في الفترة 2007-2009. التأخر أو الامتناع المؤقت عن السداد جزء فقط من المشكلة. ففي الأجل الطويل ربما تتغير استخدامات العقار. لقد ارتفع معدل نشاط التجارة الإلكترونية إلى مستويات كان الخبراء في السابق يعتقدون أنها ستبلغها بعد ثلاثة إلى خمسة أعوام من الآن. وهذا ما عجَّل بدوره من وتيرة تدهور الطلب على "مباني" المتاجر وعزَّز الطلب على المستودعات. كما قد تقلص الشركاتُ التي وجدت أنها يمكنها تحمّل"العمل عن بٌعد" المساحاتِ المكتبية المُستأجرة. وقد يقلل الاستغناء عن رحلات العمل بالمكالمات عبر الفيديو من عدد أيام الإقامة في الفنادق وبالتالي فواتيرها. وفيما تستأنف الاقتصادات نشاطها هناك من جهة أخرى مؤشرات على أن السلوك ربما تغير إلى الأبد. فأحدث بيانات رصد حركة الناس تشير إلى أن النشاط في المكاتب بالولايات المتحدة خَفَّ بنسبة 36% عن المستويات المعتادة. كما أنه أقل بحوالي 15% من المستوى المعهود في المساحاتِ التي تشغلها تجارة التجزئة والترفيه مثل المطاعم والمتاجر ودور السينما. على المدخرين وأمناء صناديق الاستثمار الذين يمثلونهم إتباع مسارين. أولهما: أن يحصلوا على صورة واقعية عن الخسائر التي يواجهونها. فإذا كانت صناعة العقار التجاري تمارَس في الماضي كنوع من "الهواية" إلا أنها الآن "مهنة" غير شفافة في الغالب مع وجود طبقات من الشركات القابضة والديون بين المباني والمنتفعين النهائيين منها. قد يكون لدى من يتولون إدارة المباني التجارية والأدوات الاستثمارية ما يحفزهم على إخفاء الصعوبات. فبعضهم مثلا يقدمون العون المالي لمستأجري منافذ "متاجر" التجزئة ربما لتجنب الإقرار بالعجز عن سداد الإيجار. وآخرون يتمسكون بتقييمات غير واقعية وسببُ بقائها الممارساتُ المحاسبية الغامضة في هذا القطاع. المهمة الأكبر للمستثمرين هي تبني إعادة الهيكلة التي يجب أن تحدث. فقد يلزم أن تتحول الفنادق إلى مبان سكنية وقد تكون هنالك ضرورة لتغيير وظيفة مراكز التسوق إلى مراكز خدمة للتجارة الإلكترونية. وقد تلزم إعادة تأثيث البنايات المكتبية بحيث تتباعد المناضد. كل هذا لا يعني عدم فعل أي شيء بالعقارات والاكتفاء "بحلب" إيجاراتها. بل يعني إعادة الاستثمار فيها وأحيانا بيعها لملاك مختلفين. فذلك يُبقي على إمكانية استثمارها بطريقة أكثر كفاءة ولكن أيضا التعرض لخسائر غير ضرورية إذا بِيعت المباني غير المعدَّلة بأسعار زهيدة. ظلت العقارات منذ مدة طويلة فئة أصول بطيئة الحركة لأن فترات الإيجار تمتد لسنوات. وفي العادة يغير المستأجرون سلوكهم (الإيجاري) تدريجيا فقط. وبذلك اعتاد أصحاب العقارات ومموِّليهم على عمل تجاري يتحرك في بطء الكتلة الجليدية. على مدى عقدين من الزمان كانت أيسر السبل وأكثرها أمانا لكسب المال أن تشتري مبنى تجاريا ثم تَخلَد إلى النوم. لكن الآن حان وقت الاستيقاظ.