1489979_127
1489979_127
أعمدة

"مسرح الطفل" في الفضاء السيبراني.. "لن أخسر" نموذجا

10 يوليو 2020
10 يوليو 2020

د.عزة القصابية

قبل أن نقدم قراءة عن مسرحية (لن أخسر) الفائزة بجائزة أفضل تأليف في مهرجان الإمارات لمسرح الطفل 2019م للكاتبة العمانية الدكتورة وفاء الشامسية. نود الإشارة إلى أهم كتاباتها في أدب الطفل، فقد صدرت لها مجموعتان شعريتان بعنوان (عتبة للانعتاق، وأزاهير الطفولة)، وكتبت نصوصا مسرحية بعنوان (أقنعة الانتظار). وألفت الشامسية العديد من الإصدارات القصصية للأطفال: (عزوز يفتقد ماما، المثلث أجمل الأشكال، جود وكعكعة البرتقال، ونجمة البحر تطير إلى السماء، وتجاربي الفاشلة عن دار عصافير، قصتا جدي لا يتذكرني) . بالإضافة إلى نصوص مسرحية (المندوس، مرشد)، كنتاج للمتدربين في الحلقة الكتابة الإبداعية المسرحية التي أشرفت الكاتبة عليها.

مسرح الطفل ...مدرسة أخلاقية

يهدف مسرح الطفل إلى صقل المهارات الذهنية والحركية لدى الصغار، بأسلوب سهل وواضح يمكنهم من استيعاب الموضوع بكل وضوح ويسر. وتتلاءم القصة التي يقدمها هذا المسرح مع طبيعة الطفل وتكوينه الفسيولوجي. وقد يتخلل هذا المسرح بعض الأناشيد الغنائية الموسيقية، ويمكن أن يشارك في مسرح الطفل الكبار والصغار معا.

مع طغيان التقنية في عالم الطفل التي باتت تستحوذ على مداركه وحواسه، كما امتد تأثيرها على بقية فئات المجتمع، لنجد الجميع منغمسين في التعامل مع العالم الافتراضي بكل أشكاله، ووسائله (وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية) وغيرها من البرامج المستحدثة.

وهذا ما دفع الكاتبة الدكتورة وفاء الشامسية في نصها المسرحي (لن أخسر) إلى اختيار موضوع يتحدث عن لعبة (الببجي) التي لا تزال حديث الساعة، وتحظى هذه اللعبة بشعبية كبيرة لدى الأطفال والشباب. وتمكنت الشامسية من نقل أبطال هذه اللعبة إلى خشبة المسرح ليكون بديلا عن الفضاء الافتراضي. وجاءت شخصياتها مزيجا من أبطال لعبة الببجي، واللاعبين الصغار (خالد، مهرة، سيف) الذين ظهروا كمتنافسين في الفضاء الافتراضي. وتمكنت الشامسية من /سيبرنت/خشبة المسرح، وتحويله إلى فضاء خلاق، إبداعي، يناجي مخيلة الطفل ووجدانه .

استعانت الكاتبة ببعض رموز لعبة (الببجي) المتمثلة في (Admin) والذي ظهر كشخصية متنمرة ومتحكمة في اللاعبين الذين استقطبهم إلى عالمه.

المزج بين الواقع والفضاء السيبراني

حرصت الكاتبة منذ البداية على التمهيد لانتقال الأطفال/اللاعبين من المنزل؛ وهو المكان الذي يلعب فيه الصغار لعبة (الببجي)، ونقل هذا العالم الافتراضي إلى خشبة المسرح، واصفة ذلك بقولها: "المكان: مهرة وسيف وخالد في اللعبة على المسرح، يتفاعلون مع الأضواء ويهاجمون في حركات متناغمة. يستعين المخرج بالإيماءات وكأنهم يحملون الأسلحة وما شابهها، مع المؤثرات الصوتية والإضاءة المناسبة".

وحرصت الكاتبة على ربط الواقع بالمتخيل لدى الصغار: "مهرة : يفترض أن أكون في غرفتي، خالد: وأنا في سريري، سيف : أي أن نكون في بيتنا- Admin : أنتم في عالمي الآن، ولا يمكنكم مغادرته".

ويصاب الصغار بالدهشة والخوف عندما يدركون أنهم أسرى في الفضاء السيبراني، ويسعى Admin إلى فرض السيطرة عليهم: " واقع؟ .. أي واقع تتحدثون عنه؟ هذا هو الواقع الذي تحبونه وتبحثون عنه. خالد: هذا؟! هذا تطبيق افتراضي، لا حقيقة له، ولا ندري كيف أصبحنا جزءًا منه؟"

ومع تطور الحدث وتصاعده، تكشف الأحداث عن بعض التصرفات السلبية التي تسعى لعبة (الببجي) إلى غرسها في نفوس الأطفال، وذلك من الرسائل التي تصلهم أثناء اللعب والتنافس من أجل الفوز، دون أن يكون لديهم وعي بخطورة محتوى هذه اللعبة، التي تتنافى مع القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية.

ويبرز Admin كشخصية افتراضية تسعى إلى التحكم بعقلية الصغار، وتحريضهم على ارتكاب أفعال غير أخلاقية، وتغليب الذات على صوت الجماعة، واتباع قانون الغاب، ويمكن الإشارة إلى بعض رسائله السلبية للأطفال

عدم التعاون أو مساعدة الآخرين

اتضحت الصفة غير الحميدة في النص، عندما كان Admin يحرض اللاعبين على تحقيق النصر: "يمنع منعاً باتاً تقديم المساعدة للآخرين في هذه المهمة، وفي كل المهمات القادمة. معنى ذلك أن كل واحد منا مسؤول عن جمع الجواهر، هل ننافس بعضنا؟! Admin : القاعدة الثانية: كي تحقق الفوز؛ يمكنك الاستيلاء على جواهر منافسك"

الأنانية وحب الذات

برزت صفة (السيطرة والتحكم بالآخرين) من خلال توجيهات اتباع Admin للمتسابقين على فرض سيطرتهم على الآخرين، واحتكار الثروات: "تابع 3: هيّا، لقد تعودتِ أن تكوني الزعيمة، يمكنك الاستيلاء على جواهرهما. مهرة: كلاهما ساقط فوق الأرض، أي جواهر سأحصل عليها إن أردت الاستيلاء عليها؟!"

مبدأ الغاية تبرر الوسيلة

هذا ما أكده اتباع Admin : " تابع 2: هل مسموح لنا بأخذ جواهر الآخرين؟، مهرة: اللعبة تريد منّا ذلك تابع 3: هل تحبين أن تكوني سارقة؟...مهرة :(تبكي) أريد الفوز ..... أقصد أريد العودة إلى البيت!" .

الاحتيال والخديعة

سعى Admin إلى ترسيخ الأفكار السلبية في عقول الصغار، وتعزيز السلوكيات اللا-أخلاقية لديهم والتنافس غير شريف: " Admin : أقصد بأنكم اعتدتم على اللعب، ثم على المراوغة، ثم على القتل والاختباء وكل شر تريد منكم اللعبة كنتم تفعلونه.. لقد أصبح كل ذلك يجري في دمائكم" .

التنمر والعنف

بدت أهداف لعبة (الببجي) واضحة من خلال طلبات Admin ، مستغلة عناصر المنافسة بين اللاعبين، لتأجيج دوافع العنف لديهم، وجعلهم يواجهون بعضهم البعض، ويتعاركون مع إخوانهم وأصدقائهم للفوز في لعبة (الرماية) : "سيف: تقصد أن كل واحد منّا سيصوب سهامه نحو صديقه؟! Admin : أنتم في عالمي، وهنا لا توجد صداقة، بل منافسة، صراع، صراع لأجل البقاء، والبقاء لا يكون إلا للأقوى".

الضغينة والبغضاء

سعى حارس النظام إلى إثارة البغضاء والكراهية بين المتسابقين الصغار : " Admin: القانون الأول: كل سهمٍ يحتاج إلى أن تشحنه بطاقة الكره والبغض، ولكي تفعل ذلك عليك أن توجّه لمنافسك ما تستطيع من الكلمات الجارحة والبذيئة. خالد : (باستنكار) كيف تريد مني أن أفعل ذلك بأخي؟ "

"الأغنية" في مسرح الطفل

وظفت الكاتبة الشامسية الأغنية في مسرحية (لن أخسر) بواسطة المجاميع الذين كانوا يغنون وينثرون السعادة والمرح، مستغلة الذاكرة السمعية والحركية للأبطال الصغار، فالطفل يستمع ويتفاعل مع الأغنية، ويقوم بتقليد الحركات والإيماءات حسب الذاكرة البصرية لديه:

"أنتِ أردتِ هذا الـــــــــعالم - كي تتسلَّي مثل العالم. أحببتِ الببجـــي ولعبتِ - وقضيتِ وقتَك وسهرتِ. من مرحلةٍ نحو الأخرى - حــــــــــققتِ فـــــــوزاً والنّصرَ. فاختارك Admin في اللعبة - ونظام اللعبة أن تبقى. نافس بالغش وبالكذب - واسرق كي تربح في اللعب"

في نهاية المسرحية يتمرد الصغار على لعبة (الببجي)، وتظهر المجاميع الغنائية (الكورس) وهم يرددون: "لا..لا.. لا لن أخسر - عقلي قلبي دربي الأخضر...لا لا لا لن أرضى - أحيا في الببجي والفوضى"

أنسنة الحيوانات" في مسرح الطفل

أنسنة الحيوانات في قصص الأطفال، وجعلها تتحدث مع الصغار وتخاطبهم بأسلوب يتناسب مع أعمارهم واهتماماتهم. وفي هذه المسرحية سعت الكاتبة إلى أنسنة الحيوانات وجعلها تتصرف بأسلوب شيق ومرح، وذلك بالاستعانة (أسماك الزينة في المنزل) لتصبح إحدى شخصيات المسرحية، وتدخل إلى عالم لعبة (الببجي) الافتراضي:

"السمكات : سيف، نحن هنا، ونتحدث معك، وأنت تسمعنا. سيف : أنا أحلم، هذا حلم سخيف سينتهي الآن. السمكات : لا ليس حلماً، أنت محبوس في هذا العالم، ونحن هنا لمساعدتك"

وفي خاتمة المسرحية تكشف الكاتبة الشامسية مؤامرة Admin الذي يتحكم باللاوعي الأطفال، حتى أصبحوا واقعين تحت تأثير لعبة (الببجي). وتمكن حارس النظام من فرض سطوته، وإثارة الفوضى بينهم، وجعلهم ينسون معنى الأخوة ! وجعلهم يعملون وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة! إذ أصبحت غايتهم القصوى الاستيلاء على الثروة وخداع الآخرين، والنيل منهم، وبات شعارهم "لن نخسر" . ولكن هذه السيطرة والضحك على عقولهم الصغيرة، لن تستمر كثيرا، عندما ثار الصغار وتمردوا على اللعبة الببجية: "سيف : كنتُ غبياً ولكني أفقتُ، ورأيتُ أني لم أكن على صوابٍ أبداً. كنت تجرّنا في مهماتٍ لتحولنا إلى مسوخٍ بلا عقلٍ أو هوية، جعلتنا سارقين، وكاذبين، وبدأ كل واحد فينا ينهش في الآخر".

وتمكنت الكاتبة من جعل الصغار يتمنون أن تنقطع شبكة الأنترنت، لكي يعودوا إلى سابق عهدهم. بذلك يسدل الستار على هذه المسرحية الافتراضية، التي عاشها الصغار مع عناصر لعبة (الببجي) . ولخصت الكتابة ذلك بقولها: ""خالد: الحمد لله.. الحمد لله .. انتهت الحزم البيانية، انتهت الDATA/ سيف : هذه أول مرة أفرح فيها لانقطاع الواي فاي عن اللعبة/ مهرة: كانت مغامرة مريعة، انفجارات، وغش، وكذب، وحبس، وآخرها أفاعٍ وعقارب".