أحمد الفلاحي
أحمد الفلاحي
أعمدة

كلنا.. جزء من كل

10 يوليو 2020
10 يوليو 2020

أحمد بن سالم الفلاحي

يقال: «يستحيل أن ترى بزاوية (360) درجة» فلربما حدود رؤيتنا؛ إن تجاوزت قدرتها تصل إلى (180) درجة، وهو المستوى الأفقي لقاعدة الأشياء كلها، أما ما تجاوز هذا المستوى فإنه يستحيل أن نلم بكامل الرؤية للأشياء المتاحة رؤيتها أمامنا، وهذا الفهم يمكن أن يقاس عليه اعتبارات كثيرة في حياتنا، ولذلك علينا أن لا نغالب أنفسنا عندما تستحيل علينا رؤية الأشياء، ونبذل الغالي والنفيس لكي نعرف كل شيء، عن كل شيء، وعندنا – نحن الصحفيين – قاعدة معرفية تقول: «إن الصحفي يجب أن يعرف شيء عن كل شيء» فهذه هي حدود استلهامه للمعرفة فقط، ولا يجب عليه أن يهلك نفسه، ليعرف كل شيء عن كل شيء، لأن ذلك سوف يسقطه في بحر من التوهان، ولن يصل حينها إلى نتيجة، إلا أن يجاوز حدود معرفته، لتصل به الحالة إلى الدخول في خصوصيات الآخرين، والإساءة إليهم، ومن ثم تعود الإساءة إليه. وهذه الجزئية التي نتحدث عنها هنا؛ أجزم أنها مريحة للفرد إلى حد كبير، وتتيح له نفس الحرية، فلا تحمله ما طاقة له بها في أمور كثيرة، لأنه يدرك بعقله الباطن، وبفطرته السوية أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقف على ما يدور في الكون كله، وبالتالي فمتى أدرك هذه الحقيقة، تيقن أن بقية الأدوار في هذه الحياة لها أناس آخرون موكولون بها، وعليهم تبعات إخفاقاتهم، ولهم جزاء نجاحاتهم، وفي هذا الأمر تحقق للعدالة بكل مقوماتها، وبالتالي تعطي الآخرين التحرك وفق طاقاتهم، وإمكانياتهم، حيث «لا ضرر ولا ضرار» ولكن من فرط الجهل الذي عليه البعض في سوء فهم هذه الـ «جزئية» فإنهم يغالون في أداء الفعل إلى حد التفريط فيه، ومن هنا تأتي النتائج ضعيفة، وهزيلة، ولا تعبر عن قوى فاعلة في أي منظومة، سواء منظومة عمل مؤسسي؛ على سبيل المثال؛ أو منظومة عمل أسري، أو حتى منظومة عمل نظام سياسي متكامل. فلو جئنا لمنظومة العمل المؤسسي، ولنضرب مثالا برئيس الوحدة، أو رئيس فريق العمل، فلو استشعر هذه الرئيس في أي المستويين أنه الكل في الكل هو فقط، عندها يمكن الجزم أن فشل هذه المؤسسة واقف على باب المؤسسة، ينتظر لحظة الصفر لإنهاء عملها من قائمة المؤسسات الفاعلة في النظام الإداري، ولذلك حرصت الإدارة الحديثة على محاولة إنهاء فهم الموظف «السوبر» أو المسؤول «السوبر» ورأت في وجودهما في أي مؤسسة إيذانا لهذه المؤسسة أو تلك بالرحيل باكرا، في الوقت الذي حرص فيه الفكر الإداري الجديد على ضرورة وجود فريق العمل المتجانس، والمتكامل لتحقيق الإنجاز النوعي لأي مؤسسة، ومع ذلك لا تزال هناك مشاكسة بين الفكر الحديث للإدارة الذي ينحو هذا المنحى، وبين الفكر التقليدي في الإدارة الذي ضخم من دور المسؤول على حساب فريق العمل، وهذه المشاكسة موجودة في كل بيئة، يرى البعض من أفرادها أنهم كبار، فهم الكل للكل، ولا يعترفون بجزئيات الأشياء، وهذه إحدى مصائب الإدارة. «أنت جزء من كل في منظومة الحياة» هذه هي القاعدة التي يجب أن يعيها الناس، في أي موقع من مواقع الحياة، ونحن نقرأ جميعنا الصور الفاعلة في حياتنا اليومية ما يؤكد هذه القاعدة، ولكن مع ذلك لا نتعظ، ونغالب- جهلا- هذه الحقيقة، يظهر ذلك في اشتغالات الناس الكثيرة، وتمايزهم في المهن، والمسؤوليات، والأدوار، فهل ننظر مثلا إلى العامل البسيط في أي مهنة على أن دوره مهمش، بينما ننظر إلى المتخصص في أرقى العلوم على أن دوره محوري في هذه الحياة؟ لا أجزم بإطلاقية الحكم في كلا المثالين، فلكل من هؤلاء وهؤلاء دور، لا يمكن أن يقوم به الطرف الآخر، وإلا دخلنا في مغالطات موضوعية في حقيقة الأدوار التي يقوم بها الأفراد في أي مجتمع إنساني.، وكما قيل أيضا: «لولا حاجتي وضعفي، لما نجحت أنت».