أعمدة

استعدادا لموجة تعثر مقبلة

08 يوليو 2020
08 يوليو 2020

[email protected]

مصباح قطب

ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية، في تقرير يوم ٦ يوليو الجاري، أن البنوك البريطانية تعد مدونة لقواعد السلوك لمتابعة الشركات التي قد تتخلف عن سداد قروض مواجهة تداعيات تفشى فيروس كورونا، وهي القروض المدعومة من دافعي الضرائب، ومقدمة بأسعار فائدة اقل وبشروط ميسرة وفترة سماح، وسط تقديرات من أهل الصناعة المصرفية أن ما يصل إلى ثمانية من كل 10 مقترضين قد يفشلون في سداد ما عليهم بالكامل، ومن أجل ذلك بدأت محادثات مبكرة بمشاركة بنك مملوك للدولة في إنجلترا، مع المقرضين التجاريين، في محاولة لوضع معايير لتحصيل الديون على مستوى المصارف قبل فترة طويلة من استحقاق السداد. وحسب الصحيفة فقد قال أحد التنفيذيين المصرفيين إن "مدونة قواعد السلوك" حول التحصيلات ستؤدي على الأرجح إلى "نهج أخف حدة" مما قد تستخدمه بعض البنوك مع القروض التجارية غير التقليدية، حيث عادة ما يكون لكل بنك سياسته الخاصة بشأن ما يجب فعله في حالة التخلف عن السداد. مضيفاً : "هذا مهم حقًا حتى يحصل الزبائن على معاملة عادلة وفرص متساوية ". وتجدر الإشارة إلى أن جانبا من تلك القروض في بريطانيا أو غيرها، تم تقديمه بضمان حكومي بنسبة تصل إلى 100٪ أحيانا، مما يعني أن الدولة ستغطي خسائر البنك إذا تخلف الزبون عن سداد القرض. جدير بالذكر أيضا أنه في بريطانيا وغيرها، فان من بين قروض حزم التحفيز، ما توجه إلى شركات صغيرة تلجأ إلى الاقتراض من المصارف لأول مرة.

انتهى الاقتباس، غير أنه يجب أن ينتهى من الآن أيضا، وقبل أن تحل آجال السداد، الالتباس، الخاص بهذه القضية الخطيرة. ولا أظن أن البنك المركزي العماني والبنوك العمانية أو أي نظراء بشكل عام، بغافلين عن المخاوف من اتساع نطاق التعثر، بالذات مع نهاية فترات السماح الممنوحة ضمن قروض كورونا، وخصوصا أنه كان هناك من قبلها، ثمة ما يخشى منه، والجميع يذكر الإشارات التي صدرت من الولايات المتحدة الأمريكية، قبيل كورونا عن لجوء شركات أمريكية كبيرة إلى الاحتفاظ بسيولة كبيرة في خزائنها، استعدادا للحظة مقبلة ستزيد فيها التعثرات والإفلاسات، بعد أن كانت مديونيات الشركات، عالميا بالإجمال ،قد حققت أرقاما قياسية، كما ظهر أن البورصة الأمريكية لابد مقبلة على تصحيح ضخم، وعليه قدر من احتفظ بالسيولة أنه ستكون لديه فرص هائلة لاقتناص الشركات المهددة بالسقوط أو التي تسقط بالفعل.

ثم جاءت جائحة كورونا وانتعشت البورصة/ البورصات ، بحكم السيولة الضخمة التي تم ضخها في الأسواق، وتأجلت مرحليا أزمة مديونيات الشركات للسبب نفسه أيضا أي ضخ السيولة وتقديم التمويل الميسر. الآن يعود الحديث في أمريكا عن فزع من حجم إفلاسات ضخم ،خاصة في الأنشطة المتوسطة والصغيرة، وها قد رأينا الموقف في بريطانيا ، كما أننا نرى أيضا كمراقبين أن عاصفة تعثرية تلوح في الأفق بمعظم بلاد العالم، ويكفى أن تسأل في المراكز التجارية الكبيرة عن عقود الإيجار التي ألغيت، وتسأل في شركات بيع وتأجير المقار الإدارية ،عن الأوضاع ، وتنظر إلى مؤشرات مديري المشتريات ، والى كل التحليلات التنبئية من كافة الجهات البحثية والاستشارية الكبيرة ، لتلمس أن ثمة أمرا جللا يحدث أو هو بصدد الحدوث . الكثيرون وأنا منهم لا زالوا يسيرون على قاعدة تفاءلوا بالخير تجدوه، ويحدونا الأمل أن تتحسن الأوضاع مع الفتح التدريجي للاقتصادات وحركة النقل الجوي والسياحة، ولكن من الخير أيضا أن نتخيل بشكل عقلاني ما هو آت ونستعد له، أي نعقلها ونتوكل، وعليه، فإن صناع القرار المالي والمصرفي بخاصة، في كل الدول المضارة من كورونا، عليهم واجبات كثيرة، فقد تحتاج المالية العامة إلى أن تضحى بمزيد من الأموال لإنقاذ الدورة الاقتصادية برمتها، وتعمل حساب فقدان موارد ضريبية لأجل أطول مما قدرته، وقد تحتاج المصارف إلى أن تتكيف، ربما لسنوات، مع معدلات أرباح منخفضة، وقروض مسمومة ومخصصات أكثر، بل أننا نعرف أن من طبيعة الأشياء أن الاحتيال يزيد في أوقات الشدة، وذلك يزيد من العبء الذي سيقع على البنوك والهيئات النظامية في أسواق المال . إن التجربة البريطانية المشار إليها أعلاه تستحث الجميع أيضا على بلورة نموذج مدونة سلوك معيارية في التعاطي مع التعثر المقبل، لتقليل العبء على المقترضين ما أمكن، وصيانة سمعة المصارف والمصرفيين والعملاء أنفسهم، والحفاظ على أموال الخزانة العامة في حالة القروض المضمونة من الحكومة، والتعامل العادل والشفاف مع الجميع، حتى لا تتفشى جائحة قيل وقال تضر بمصداقية وسمعة أطراف مختلفة.، والأهم من ذلك جميعه ضمان حفز النشاط الاقتصادي على الحركة أخذا في الاعتبار التقلبات التي حصلت وستحصل في أنماط الطلب والاستهلاك جميعه، بل وفي الإنتاج والتسويق أيضا. باختصار اللون الرمادي لن يزول سريعا من حياتنا الاقتصادية، ويوجب ذلك قواعد عمل جديدة في كل موقع، ولعل وطأة الشعور بأن الرمادي مستمر تقف وراء التحول الكبير في السلوك الادخاري في أوساط عديدة بكل دول العالم، حتى أن تقارير أمريكية توضح كيف أن الأسر التي تلقت شيكات إدارة ترامب، عونا لها في مواجهة البطالة وتراجع الدخول، لم توجه الكثير من المال الذي حصلت عليه إلى الاستهلاك، بل إلى الادخار، ما قلل من تأثيرها التحفيزي مع أنها أصلا تقررت في سياق تحفيز. أخيرا، فإن هناك عالما موازيا من التعثر، يحدث ويدور في الكيانات الصغيرة والمتناهية بأشكالها، وصحيح أن تعثرها لا يؤثر على البنوك ، فهي لم تقترب منها افتراضا ولا حتى إيداعا في أحيان كثيرة، لكن ما سيجري فيها يؤثر بقوة على النشاط العام والاستقرار الاجتماعي، وبالتالي يجب أن نكون محل ملاحظة من نوع خاص. للزمن دائما حالات، وعلينا أن نتقبل، بمرونة، دوراته، وان نتكيف، لتمضى الحياة.