1489136_127
1489136_127
العرب والعالم

بين "مجهولي الهوية ومفقودين".. أطفال خلّفتهم الحرب في سوريا

06 يوليو 2020
06 يوليو 2020

دمشق - عُمان - بسام جميدة:

من بين مفرزات الحرب الكثيرة، سنتوقف عند واحدة من أهم هذه المشكلات، وفي مختلف مناطق النزاع. أطفال خلفتهم الحرب، مجهولي النسب، وأطفال آبائهم معروفين لكنهم مفقودين، واطفال غير مسجلين في السجلات المدنية لغياب ثبوتيات الزواج. ماهو مصير هؤلاء الأطفال، وماهو تعدادهم، وأي حال ينتظرهم وأغلبهم لازال ضمن مناطق النزاع أو في المخيمات، بعضهم اصبح عمره الان يقارب الثامنة، ويحتاج للعناية والتوعية، والتأهيل النفسي. كيف تقوم الأمهات بتأمين الرعاية والدعم المالي لأطفالهن، وماذا سيجيبن لو سألوهم ذات يوم، من هو والدنا وأين هو.. ولماذا نحن هنا..؟ وهل سيصبح هؤلاء الأطفال أسوياء أم قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة بسبب مايعانونه... دعونا نتابع: قصص مأساوية بحسرة بالغة تروي جميلة (أسم مستعار) 25 عاما، من ريف الرقة، قصتها، "في لحظة ما كنا بمواجهة داعش الذين احتلوا القرية والمدينة، تقدم احد رجالاتهم ليخطبني من ابني ولم أكن قد تجاوزت الـ17عاما، فما كان من أبي إلا أن زوجني منه، وانجبت طفلين، ولكن فجأة فقدته ولا أدري أين ذهب، هل مات أم سافر، وزواجي غير موثق، ماذا سأقول لأطفالي وهم يكبرون، ومن المسؤول عن هذا الخطأ الذي ارتكب بحقي وحق الأطفال.. هذه قصة من بين عشرات القصص المشابهة لجميلة، وكلهن فتيات صغيرات في السن ومن قرى وبلدات عصفت بها الفصائل الإرهابية المسلحة التي تناوبت على استباحتها كل حسب قدومه وهزيمته، بعض هؤلاء النسوة لايزالون مع اهاليهم والبعض الاخر في مخيمات النزوح، مع اطفالهم داخل أو خارج سوريا ودون الزوج المزعوم. برزت ظاهرة الزواج من الإرهابيين الأجانب الذين جاؤوا للقتال وهم مجهولي الهوية ويلقبون فقط بـ (أبو كذا) وزادت مع سيطرة التنظيمات الإرهابية على مناطق في سوريا، أما بالترغيب او بالترهيب، او بدافع الفقر حينا، أونشر بعض المعتقدات في أحيان كثيرة، وربما بسبب العنوسة وهجرة الشباب، أو قلة عددهم بسبب نتائج الحرب. حالة أخرى يقول أبو سعيد 55 عاما من ريف دمشق، كنا في قرية معارضة، زوجت ابنتي لشاب تقدم لخطبتها من قرية مجاورة لقريتنا، ولكن بسبب ظروف الحرب عقدنا الزواج بطريقة بدائية وبوجود شاهدين، ولم نوثق الواقعة افي المحكمة، وأصبح لدى ابنتي ثلاث أطفال، ولكن والدهم ذهب ولم يعد، ولم نعرف عنه شيئا، ولا حتى اهله، وبعد أن هدأت الحرب حاولنا تسجيل الزواج والأولاد في المحكمة ودخلنا في دوامة لعدم وجود مايثبت الزواج. في مكان بعيد هناك في اقصى الشرق في ريف الحسكة، وداخل مخيمات النزوح أكثر من ألفي طفل، بعضهم معروف النسب واخرون مجهولي النسب، بعضهم أمهاتهم سوريات وآخرون امهاتهم أجانب، يطلق عليهم "أطفال داعش"، وهؤلاء في قبضة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وحاولنا من خلال معارفنا، التواصل مع قيادات قسد لمعرفة العدد التقريبي ومايتم من إجراءات لاحتواء هؤلاء الأطفال ولكن لم نفلح، بسبب التعتيم وعدم التعاون مع الاعلام. "قسد" أرسلت عدد من الأطفال المعروف نسبهم لدولهم، فيما ترفض بعض الدول الاوربية إعادة الأطفال الذين يثبت انهم من رعاياها مثل هولندا وفرنسا وبلجيكا . البيانات الرسمية بحسب سجلات القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي، أن دعاوى تثبيت الزواج وإثبات النسب ارتفعت أكثر من عشرة أضعاف في سوريا، بمقارنة عامين ماقبل الحرب عام (2009) وخلالها عام (2015). ويرى المعراوي، أن الأزمة السورية فرضت على القضاء السوري ظروفاً استثنائية فيما يخص قضايا تثبيت الزواج والنسب، وأنه لا بد من إيجاد لجنة قضائية مختصة تعمل على حفظ حقوق الأطفال غير المسجلين والزوجات، وقال"مع الأسف نشهد تشدداً في تعليمات وزارة العدل، من شأن هذه التعليمات عرقلة سير عملية تثبيت النسب، كطلب وزارة العدل وجوب وجود شهادة ميلاد مصدقة من مشاف حكومية حصراً، لكننا نعلم أن العديد من النساء مازلن يلدن أطفالهن لدى قابلات أو أطباء في عيادات خاصة، أو حتى في منازلهن". رأي قانوني يقول المحامي مجد خفاجي في حديثه لعُمان: أفرزت الحرب الدائرة في سوريا منذ مطلع عام 2011 ومازالت العديد من الإشكالات التي تتعلق بالأوضاع الأسرية والقوانين الناظمة لها والتي استبعدت من تطبيق آثارها القانونية لصالح الفوضى وخاصة في المناطق التي خرجت عن سلطة الدولة، وذلك لا يعني بأن التي لم تخرج لم تطالها تلك الإشكالات وإن بنسبة أقل، ومنها عدم توثيق عقود الزواج وفقا للقواعد الناظمة لقانون الأحوال الشخصية، والأسوأ هو موضوع حفظ النسب للأطفال الذين ولدوا عن تلك الحالات، وخاصة أن عدد لا بأس به من الأزواج قد قتلوا أو فقد أثرهم بالحرب، أو تم ترحيلهم لمناطق أخرى أوتهجيرهم، أو هجرتهم شبه الطوعية هربا من ويلات الحرب، ناهيك عن حالات الزواج القسري التي نجم عنها أطفال لم تتلق أمهاتهم بآباءهم إلا لساعات أو أيام. وفي حالة معرفة الزوج، وعدم التمكن من الوصول إليه لفقدانه أو احتمال موته أو التأكد من موته، فيتم إثبات الزواج عن طريق الدعوى القضائية وإثبات نسب الأولاد إليه، وتوجد مئات الدعاوى أمام القضاء وربما آلاف في عموم سوريا ثبت أغلبها القضاء وثبت نسب أولئك الأطفال، ورفض بعضها لعدم اكتمال الدليل على وقوع الزواج أو صحته. وفي حال عدم معرفة الأب بالنسبة للأطفال المولودين سواء أكان ذلك بعقد زواج عرفي صحيح ام فاسد أو عن طريق الزواج القسري، أو ما يسمى ملك اليمين (باعتبار أن بعض الجماعات المسلحة كانت توزع النساء كسبايا أو ملك يمين في حالة يندى لها جبين البشرية جمعاء في القرن الواحد والعشرين) أو حالات الاغتصاب الناجمة عن الحروب، فيتم وفقا للقانون تثبيت نسب الأطفال الناجمين عن تلك العلاقات جميعها لامهاتهم فقط دون تسجيلهم على اسم أب، وذلك عن طريق حكم قضائي ايضا، وقد نص القانون على أن آمين السجل المدني في معرض تنفيذه للحكم القضائي الذي ثبت نسب الطفل لامه فقط أن ينتحل له اسم أب وهمي، كي لا يشعر لاحقا ذلك الطفل بأن لا أب له ويحرجه ذلك أمام باقي الأطفال عند دخوله المدرسة. ارقام وفق أرقام وثقتها حملة محلية جرت في إدلب الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وحملت عنوان "من زوجك؟" توصل الفريق إلى أنّ عدد السوريات المتزوجات من أجانب قد وصل إلى 1735 امرأة، 193 منهن أرامل ومطلقات، و165 أزواجهن مفقودون، و1124 منهن لديهن أولاد. وقدّر القائمون على هذه الحملة الأعداد بأكثر من ذلك بكثير لاسيما في محافظات أخرى مثل دير الزور والرقة، حيث تحول عوامل اجتماعية دون الإفصاح عن وضعهم. نسبة عالية حسب عدد من المحامين المتخصصين بقضايا الأسرة وقانون الأحوال الشخصية السورية أنّ دعاوى إثبات النسب ارتفعت لتشكل 80% من القضايا التي ترافعوا بها خلال السنوات الخمس الأخيرة، رغم أن نسبتها لم تزد عن 9% قبل الحرب. وأن نسبة دعاوى تثبيت الزواج بين الدعاوى التي يترافعون بها ارتفعت بنسبة 500% خلال الحرب وأن غياب الزوج العائق الأهم في قضايا تثبيت النسب. ويظهر تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في أواخر 2015 ان هناك أكثر من 65 ألف شخص معظمهم من المدنيين اختفوا قسراً بين مارس 2011 وأغسطس 2015. بينما وصل عدد المخطوفين في سوريا نحو 20 ألف مواطن مدني وعسكري منذ 2011 حتى 2019، بحسب رئيس هيئة المصالحة الوطنية السورية علي حيدر. وفي مسح أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا OCHA عام 2015، وجد أن نقص أو فقدان الوثائق الشخصية، يشكل تحدياً أساسياً للأشخاص في 91% من 262 ناحية شملها المسح. وقال 81% إنّ قانون الأحوال الشخصية بصورته الحالية غير قادر على مساعدة النساء لتثبيت زواجهن ونسب أطفالهن. وفي المناطق التي تقع خارج سلطة الحكومة، لاتحظى الأوراق الثبوتية الصادرة عن المعارضة ومحاكمها بأي اعتراف دولي بما فيه الحكومة السورية.