الاقتصادية

الدكتور صالح البراشدي: قانون الاستثمار الأجنبي يسهل الإجراءات ويقلص مدة استصدار الموافقات

05 يوليو 2020
05 يوليو 2020

المستثمر يبحث عن نصوص واضحة .. وهذا ما يسعى إليه القانون ولائحته التنفيذية

حوار: أمل رجب

يُعد الاستثمار الأجنبي أحد أهم أدوات التنمية الاقتصادية إذ يمثل وسيلة مهمة لتشجيع تدفق رأس المال الأجنبي وتمويل المشاريع التنموية بمختلف الدول؛ وأولت السلطنة اهتماماً واسعاً بتحديث منظومة القوانين من أجل تهيئة مناخ استثماري مناسب وجاذب للاستثمار الأجنبي، ويمثل صدور قانون استثمار رأس المال الأجنبي في يوليو 2019 خطوة مهمة نحو زيادة جاذبية الاستثمار في السلطنة، وخلال الأسابيع الماضية صدرت اللائحة التنفيذية للقانون وتم بدء العمل بها اعتباراً من منتصف يونيو الماضي..

في هذا الحوار يقدم الدكتور صالح بن حمد البراشدي، أستاذ القانون التجاري المشارك بكلية الحقوق، جامعة السلطان قابوس، رؤيته للتأثيرات الإيجابية المتوقعة للقانون ولائحته التنفيذية وما يوفرانه من حوافز وضمانات واضحة تشجع المستثمرين.

أشار الدكتور صالح البراشدي إلى مجموعة من العوامل التي تحدد قرارات المستثمرين الخاصة بمكان وحجم ونوع الاستثمار وما إذا كان الاستثمار في بلد ما ملائما أم غير ملائم، وهي العوامل السياسية، والإدارية، والقانونية، والاقتصادية، وعند النظر للعوامل السياسية، تتمتع السلطنة بالاستقرار السياسي الداخلي والخارجي الذي يمثل حافزاً للمستثمر الأجنبي على اتخاذ قرار الاستثمار في السلطنة، حيث أكد النظام الأساسي للدولة على أن الدولة تكفل العدل والطمأنينة والمساواة بين المواطنين، وتضمن احترام النظام العام ورعاية المصالح العليا للوطن، هذا في الشأن الداخلي. أما في الشأن الخارجي فإن السياسة الخارجية للسلطنة مبنيّة على ثوابت راسخة، قوامها التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، واحترام سيادة الدول، والالتزام بعلاقات الصداقة والتعاون مع الجميع، واحترام المواثيق والقوانين والاتفاقيات التي أمضتها مع مُختلف الدول والمنظمات، ومثل هذا الاستقرار السياسي يعد جاذباً ومحفزاً للاستثمار الأجنبي، وكذلك الحال في الحماية التي تقررها السلطنة للشركات الأجنبية من المصادرة أو التأميم حيث أكدت المادة (11) من النظام الأساسي للدولة على أنه لا ينـزع عن أحد ملكيته الخاصة إلا بسبب المنفعة العـامـة في الأحـوال المبينة في القـانـون، وبالكيفيـة المنصوص عليها فيـه، وبشرط تعويضـه عنها تعويضاً عادلاً. وبأن المصادرة العامـة للأموال محظورة، ولا تـكـون عقوبـة المصـادرة الخاصة إلا بحكم قضـائي في الأحوال المبينـة بالقانون. وهذا ما أكدت عليه المادتان (23) و(24) من قانون استثمار رأس المال الأجنبي وقد حظرتا على الجهات المختصة مصادرة أي مشروع استثماري إلا بحكم قضائي، وعدم الحجز على أمواله أو تجميدها أو التحفظ أو فرض الحراسة عليها إلا بحكم قضائي. وعدم جواز نزع ملكية المشروع الاستثماري إلا للمنفعة العامة طبقاً لقانون نزع الملكية للمنفعة العامة، ومقابل تعويض عادل يقدر وقت نزع الملكية، ويجب دفع التعويض المستحق دون تأخير.

وأوضح الدكتور صالح البراشدي أن العوامل الإدارية تكتسب أهمية كبيرة في قرار المستثمر الأجنبي بمدى ملائمة الاستثمار في دولة ما من عدمه، حيث تُشير الدراسات المختلفة إلى أنه كلما كانت الإجراءات اللازمة لبدء نشاط استثماري جديد في بلد ما تتسم بالبساطة والسرعة في الإجراءات، كلما كان ذلك حافزاً للمستثمرين على الاستثمار في هذا البلد. ولذا حرصت السلطنة- ومن خلال نصوص صريحة واردة في قانون استثمار رأس المال الأجنبي ولائحته التنفيذية– عن البعد عن البيروقراطية الإدارية وتسهيل وتسريع الإجراءات وذلك من خلال تقليص المدة اللازمة لاستصدار الموافقات والتصاريح والتراخيص. حيث ألزمت المادة (5) من القانون مركز خدمات الاستثمار بوزارة التجارة والصناعة على تيسير وتبسيط إجراءات استخراج جميع الموافقات والتصاريح والتراخيص اللازمة للمشروع الاستثماري الأجنبي، واعتبرت انقضاء مدة الحد الأقصى المشار إليها في اللائحة دون رد بمثابة قبول للطلب. وحددت المادة (11) من اللائحة التنفيذية مدة أقصاها (14) يوماً لدراسة الطلبات المتعلّقة بالمشاريع الاستثمارية، ولذا على الجهات المختصة إبداء رأيها في الطلب خلال هذه المدة، وانقضائها دون رد يعد بمثابة قبول للطلبات المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية، بل وألزمت المادة الجهات المختصة تبرير سبب رفضها للطلبات في حالة ما إذا كان ردها خلال المدة المنصوص عليها في المادة المشار إليها آنفا سلبيا، وتحدد المادة (12) من اللائحة أن الترخيص الاستثماري يجب استصداره في حد أقصاه ثلاثة أيام عمل من تاريخ استيفاء جميع الموافقات المطلوبة، وفي حالة عدم قيام الجهات المختصة بالبت في طلبات الحصول على الطلبات المتعلقة بالمشروع الاستثماري خلال 14 يوماً من تاريخ تقديمها، فإن الطلب يعد مقبولاً، وتلتزم الجهة المختصة باستصدار الترخيص الاستثماري خلال (3) أيام عمل، بمعنى أن المستثمر الأجنبي سيكون قادراً على الحصول على الترخيص الاستثماري خلال مدة لا تتجاوز 20 يوماً من تاريخ تقديمه للطلب، ما لم تقرر الجهة المختصة رفضه بناءً على مبررات خلال 14 يوماً المحددة لدراسة طلبات الحصول على الموافقات والتصاريح والتراخيص اللازمة للمشروع الاستثماري.

ومن باب تبسيط الإجراءات الإدارية، وحرصاً على عدم إضاعة وقت المستثمر الأجنبي، منحت المادة (15) من اللائحة التنفيذية للسلطة المختصة (وزارة التجارة والصناعة أو الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات) صلاحية استيفاء الموافقات، والتصاريح، والتراخيص اللازمة لإقامة المشروعات الاستثمارية بشكل مسبق، وذلك قبل الإعلان عنها وطرحها على المستثمرين الأجانب كفرصة استثمارية، وألزمت الجهات المختصة موافاة الوزارة أو الهيئة بتلك الموافقات، والتصاريح، والتراخيص، خلال 30 يوم عمل من تاريخ طلب الاستيفاء، وفي حالة عدم الرد خلال هذه المدة يعد الطلب مقبولا. بحيث تقوم بعد ذلك الوزارة أو الهيئة بالإعلان عن هذه المشروعات الاستثمارية وطرحها على المستثمرين الأجانب، على أن يتم سداد رسوم إصدار هذه الموافقات والتصاريح والتراخيص لصالح الجهات المختصة من قبل المستثمر الأجنبي عند تقديم طلب الحصول على الترخيص الاستثماري. ومن جانب آخر، وللتيسير على المستثمر الأجنبي، فإن المادة (7) من اللائحة التنفيذية للقانون أتاحت له أن يعهد إلى أحد المصارف، أو المكاتب المرخص لها في السلطنة، كمكاتب الاستشارات القانونية والإدارية والمالية، فحص طلب الترخيص الاستثماري، وطلبات الحصول على الموافقات أو التصاريح أو التراخيص اللازمة لإقامة المشروع الاستثماري، لبيان مدى استيفائها جميع الشروط والمتطلبات المقررة قانوناً لإصدارها، ويتم إصدار شهادة بذلك من المكتب، وتكون صالحة لمدة 6 أشهر من تاريخ إصدارها على أنه يحق للسلطة المختصة الاعتراض على ما ورد في هذه الشهادة، وذلك خلال 10 أيام من تاريخ تقديمها، ويجب أن يكون الاعتراض مسببا.

وتوقع الدكتور صالح البراشدي أن تبسيط الإجراءات والبعد عن البيروقراطية الإدارية سيكون حافزاً لاستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، مشيرا إلى أن هذه المرونة تواكب التوجه السامي لجلالته- حفظه الله ورعاه-، الذي أكد عليه في خطابه السامي في فبراير 2020: «ومن أجل توفير الأسباب الداعمة، لتحقيق أهدافنا المستقبلية فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات، وحوكمة الأداء، والنزاهة، والمساءلة، والمحاسبة، لضمان المواءمة الكاملة والانسجام التام مع متطلبات رؤيتنا وأهدافها».

وإضافة إلى تبسيط الإجراءات، أكد الدكتور صالح البراشدي أن العوامل القانونية لا تقل في الأهمية عن العوامل السياسية والإدارية كونها تمثل معياراً أساسياً يعتمد عليه المستثمر الأجنبي في اتخاذ قرار الاستثمار من عدمه، فتهيئة المناخ القانوني الواضح والمستقر في كافة المجالات التي تهم المستثمر يُعدُّ من العوامل الجاذبة للاستثمار الأجنبي؛ لذا سعت الحكومة إلى تحديث منظومة التشريعات بما يتماشى- قدر الإمكان- وطموح المستثمر الأجنبي، ونعرف أنه من أهم ما يحدد قرار المستثمر الأجنبي هو وجود قوانين تحتوي على نصوص واضحة لا لبس فيها، وهذا ما سعى إليه قانون استثمار رأس المال الأجنبي ولائحته التنفيذية. حيث أنه على سبيل المثال عندما تطرق القانون في المادة (18) منه على جواز أن يقوم مجلس الوزراء بتقرير منح مزايا إضافية لمشاريع الاستثمار التي تؤسس في المناطق الأقل نمواً في السلطنة، جاءت المادتين (17) و (18) من اللائحة التنفيذية للقانون ببيان واضح للمزايا التي من الممكن منحها لهذا النوع من المشاريع والتي من بينها الإعفاء من القيمة الإيجارية أو مقابل حق الانتفاع بالأراضي أو العقارات اللازمة للمشروع الاستثماري لمدة لا تزيد على 5 سنوات من تاريخ التشغيل الفعلي للمشروع، والاستثناء من نسب التعمين المحددة لمدة سنتين من تاريخ التشغيل الفعلي للمشروع. والإعفاء من جميع الرسوم أو بعضها. فقد بينت اللائحة التنفيذية أن منح هذه المزايا مشروط بأن يكون المشروع الاستثماري قد تم تشغيله فعليا، وأن يعتمد في تمويله على النقد الأجنبي المحول من الخارج، بالإضافة إلى توفر شرط واحد في المشروع من بين عدة شروط هي أن تكون نسبة 40 بالمائة على الأقل من منتجات المشروع –إن وجدت- عمانية، وقيام المشروع بتصدير ما لا يقل عن 30 بالمائة من إنتاجه إلى خارج السلطنة، وأن يسهم المشروع في نقل الخبرة والتكنولوجيا الحديثة والمعرفة إلى السلطنة.

وأوضح الدكتور صالح البراشدي أن وجود منظومة تشريعية متطورة ومتكاملة يعد أمرا شديد الأهمية في تشجيع الاستثمار، وفي محاولة لتحفيز جذب الاستثمار الأجنبي إلى السلطنة، صدرت على مدار السنوات الماضية عدة قوانين تضم في طياتها حزمة من الحوافز والضمانات التي وبلا شك ستؤدي إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للسلطنة كونها توفر بيئة مناسبة لجذب الاستثمار. ومن تلك القوانين قانون حماية الملكية الصناعية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 67/ 2008، وقانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 67/ 2014، وقانون الشركات التجارية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 18/2019، وقانون الإفلاس الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 53/ 2019، الذي بمقتضاه أصبح لدى المستثمر الأجنبي الحق لطلب إعادة هيكلة مشروعه الاستثماري في حالة تعثّره نتيجة أزمة اقتصادية، وتتم إعادة الهيكلة عبر لجنة مشكلة من الخبراء المختصين يتولون إعداد خطة تساعد المستثمر على خروجه من مرحلة الاضطراب المالي والإداري. وكذلك الحال مع قانون استثمار رأس المال الأجنبي الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 50/ 2019. فكما أن هناك تشريعات تسهّل من عملية دخول المستثمر الأجنبي للسوق العماني، فإن هناك تشريعات تكفل خروجه من السوق بكل سلاسة ويسر، وهذا أمر مهم يعول عليه المستثمر الأجنبي عند اتخاذه لقرار الاستثمار، وكافة هذه التطورات الإيجابية في بيئة الاستثمار، تساعد المستثمر الأجنبي في تحديد مكان وحجم ونوع الاستثمار، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية المشجعة مثل توفر الخامات والثروات الطبيعية اللازمة للاستثمار بأقل كلفة، وتقدم التنمية الاقتصادية وكفاءة البنية الأساسية من شبكة طرق حديثة وشبكة اتصالات رقمية وتقنية متطورة.