أعمدة

بالقمع أو بالردع نتجاوز كورونا؟!

04 يوليو 2020
04 يوليو 2020

عاصم الشيدي

في النصف الثاني من شهر أبريل، شاركت أحد الأصدقاء مقالا مترجما عن مجلة "ذا أتلانتك" الأمريكية بعنوان "هكذا نستطيع التغلب على فيروس كورونا" وجاء في المقال: (يستطيع نهج التخفيف أن يشتري لنا الوقت، لكن القمع "ترجمة عن كلمة suppression بالضبط" وحده هو الذي يمكن أن يقودنا إلى حيث يجب أن نكون) قال لي الصديق الذي أعتد دائما بآرائه وتبهرني أفكاره: لو استخدم الكاتب كلمة "الالتزام أو الردع" بدل القمع كان سيكون موفقا في المصطلح أكثر من استخدام مصطلح القمع، خاصة أن كلمة القمع لها إيحاءات سلبية جدا في اللغة العربية. لكن الالتزام لم يتحقق بعد أكثر من أربعة أشهر من بدء الوباء في السلطنة، وصارت أعداد الإصابات اليومية مخيفة جدا. حتى الردع، إذا ما اعتبرنا الغرامات المالية نوعا من أنواع الردع، لم تأتِ بنتيجة مرضية، وتكشف الصور التي يتم تناقلها للتجمعات العائلية أو العامة أن الكثير من الناس لا يقيمون لفكرة الردع أي اعتبار، ناهيك عن الوباء نفسه.

وهذا أمر يحتاج إلى تفسيرات، خاصة في مجتمع يعتد كثيرا بتوجيهات الدولة، ويحترمها، فكيف عندما ترتبط تلك التوجيهات بوباء قاتل ويضاف لها أساليب ردع معتبرة!

لم نعتد من الحكومة في السلطنة تضخيم الأمور، تعودنا أن تنزل الأمور منازلها دون أي تهويل، ولكن في هذا الوباء ضخم الأمر من البدايات الأولى، وكانت الدولة تتعامل مع الموضوع على أنه يمس أمنها الوطني حتى قبل أن يتفضل جلالة السلطان ويشكل لجنة عليا للتعامل مع الآثار الناتجة. كان تشكيل اللجنة حينها يشكل علامة على أن الدولة تستشعر الخطر، وأننا لسنا بمعزل عن الوباء وتأثيراته.

رغم ذلك فلا أعتقد أن أحدا، من غير المتخصصين في علم الأوبئة ربما، كان يذهب به الخيال في شهر مارس الماضي أن تصل أعداد إصابات الفيروس التاجي "كورونا المستجد" المسجلة في السلطنة إلى الرقم الحالي، سواء الرقم التراكمي أو الرقم المسجل بشكل يومي. كانت الأرقام تسير ببطء شديد، رغم ذلك كانت هناك إجراءات احترازية رأها البعض صارمة؛ فالدراسة علقت، على سبيل المثال، في جميع المؤسسات التعليمية في السلطنة عند الحالة رقم 19! حتى أن النموذج الإحصائي الذي أعدته وزارة الصحة وأظهرت معطياته تسجيل 1500 إصابة في يوم الذروة؛ وسبب حينها رعبا للبعض عندما نشرنا في جريدة عمان بعض تفاصيله، قال المتخصصون في وزارة الصحة إن هذا الرقم "كنا" سنسجله فيما لو لم تتخذ الحكومة أية إجراءات احترازية، ولكنّ الإجراءات وعمليات الغلق وإعفاء الموظفين من الذهاب إلى مقرات عملهم خفضت الرقم بنسبة 60%. وكان في هذا الحديث الكثير من التفاؤل حيث يعني أن 600 إصابة في اليوم كان هو الرقم الجديد ليوم الذروة، رغم ذلك كان الرقم مخيفا أيضا. لكن الذروة لم تأت والأرقام تجاوزت كل الحدود.

الأرقام الحقيقية المعلنة يوميا من وزارة الصحة تقول إننا تجاوزنا أكثر توقعات النماذج العددية تشاؤما. وبحسبة بسيطة فإن الأعداد المسجلة منذ الأحد الماضي حتى أمس 8088 إصابة، و44 حالة وفاة. والرقم الإجمالي لعدد المصابين بلغ 45106، وهذه أرقام كارثية جدا إذا ما قورنت بعدد السكان في السلطنة. ما يعني إصابة حوالي 10 آلاف شخص من كل مليون من سكان السلطنة، وبالتالي نسبة الإصابات في السلطنة بلغت 1% تقريبا بعد فحص 4.4% من إجمالي سكان السلطنة. وهذه الأرقام تضعنا في مرتبة متقدمة جدا بين أكثر الدول إصابة بالفيروس مقارنة بعدد السكان. لكن الكثيرين لا يعتبرون، ولا يلتزمون رغم الردع الذي يقول البعض إنه خافت جدا، ويحتاج إلى تفعيل. والمصلحة العليا للدولة أهم بكثير من الرغبات الشخصية خاصة إذا كانت بلا جوهر، ولا مبرر. وشخصيا لا أرى فرقا بين إذا كانت الدولة تخوض حربا عسكرية أو تخوض "معركة" صحية مع وباء قاتل. الالتزام بالتعليمات واجب في المعركتين، والمخالفة هنا أو هناك تعرض أمن الوطن للخطر؛ لأن صحة المواطن جزء أساسي من أمنه.

في دول كثيرة من العالم، ومن دول العالم الأول وليس الثالث، كان المواطنون يتمنون أن يحصلوا على جزء بسيط مما تقدمه السلطنة للمواطن والمقيم، جزء بسيط جدا، ربما ليس أكثر من فحص مجاني، أو الحصول على كمامة طبية يستخدمها عندما يخرج للتسوق، كمامة يدفع ثمنها لا أن يحصل عليها مجانا. وقد أخبرني أحد الأصدقاء الصحفيين في بريطانيا أنهم لا يجدون الكمامات في لندن أبدا. وفي أمريكا شاهدنا كيف كانت الطواقم الطبية ترتدي أكياس القمامة لحماية نفسها من خطر العدوى.

في السلطنة، رغم كل شيء، ما زالت الخدمات الصحية متماسكة، وما زالت الدولة تقدم العلاج مجانا للجميع، وما زالت تعتني بجميع المرضى المحتاجين للرعاية من الأمراض الأخرى وتفعل الكثير من أجل تسهيل وصول الدواء للمرضى في بيوتهم. وتفعل الكثير من أجل ألا نصل إلى ما يسمى طبابة الحرب، حيث تختار الطواقم الطبية لمن تقدم العناية والعلاج. كل هذا يحدث في ظروف اقتصادية صعبة جدا جدا.

ما زلت معتدا برأي صديقي أن القمع ليس هو الكلمة الفضلى في ذلك المقال إنما "الالتزام أو الردع" لكن هل يعي الناس الفرق!