salimm
salimm
أعمدة

إضاءة : عين الحقيقة

02 يوليو 2020
02 يوليو 2020

سالم الحسيني -

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وكرّمه أيَّما تكريم وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وهيأ له على هذا الكوكب المسبّح بحمده والسابح في ملكوته أسباب العيش الكريم، وأرسل إليه الرسل وأنزل معهم الكتب، ليبيّن له سلوك الطريق المستقيم، ووصاه باتباعه ونهاه عن غيره: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ).. وبيّن له فضل اتباعه ومغبة الزيغ عنه: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)، ومنحه كامل الحرية في اختيار طريقه، مبينًا له أن هذه الدار هي دار ابتلاء وامتحان، وأن طريق الخير والسعادة محفوفة بالمكاره ومغالبة النفس والهوى والشيطان، وطريق الشر مفروشة بالزهور ومقرونة بالملذات إذا ما أطلق لنفسه العنان. وحذره من عدوه الأزلي الذي لا يزال يتربص به ليخرجه من النور إلى الظلمات، كما اخرج أبويه من قبل من الجنان.. (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)، ومع ما منحه له خالقه العظيم من الفضل والتكريم ومع علمه بضعفه أمام نفسه الأمارة بالسوء ومغريات الشيطان الرجيم فتح له باب التوبة والغفران، ووعده إذا ما اتقاه وغالب هواه بالهداية والإحسان (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ). والناظر بعين البصيرة يدرك أن الحق سبحانه لم يخلق هذا الإنسان ليعذبه.. (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)، وإنما خلقه لعبادته وعمارة الكون، فإذا ما استكبر واستعلى وآثر الحياة الدنيا، وتكبّر وطغى، وأعرض عن خالقه وعبادة ربه، وسعى في الأرض ليفسد فيها ويسفك الدماء، تعهّد بأن يأخذه أخذ عزيز مقتدر.

فبعد هذا النهج الواضح المبين لم يبق لابن آدم من حجة في اتباع نهج الله القويم وصراطه المستقيم، والسعي الحثيث نحو تحقيق الغاية العظيمة من خلقه، وليعلم أن الخروج عن ذلك هو نشاز، يظن صاحبه بجهله المركّب، وبما له من أعوان ومناصرين أنه قادر على إدارة هذا الكون وفق هواه، فيطلق لنفسه العنان ليعمل ما يشاء دون حسيب ولا رقيب، فيعيث في الأرض فسادًا.. يظلم ويفسق ويسفك الدماء وينتهك الأعراض، ولا يقيم لتعاليم الدين ولا للمثل والقيم الإنسانية وزنًا أو اعتبار، مغرورًا بمنصبه وصحته وجاهه وعشيرته، بل ويسعى لمناصرة القوم الظالمين، ولم يعتبر بمن سبقه من الأقوام البائدين الذين (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فمثل هؤلاء القوم يستدرجهم سبحانه ويمهلهم (حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) فنعوذ بالله من أحوالهم.