أفكار وآراء

ليبيا.. الشعب ضحية الصراع الدولي

16 يونيو 2020
16 يونيو 2020

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي -

الباعث الأساسي على تكالب القوى الاجنبية على ليبيا خلال السنوات التي تلت سقوط نظام القذافي هي الثروة خاصة النفط والغاز وموقع ليبيا الاستراتيجي على البحر المتوسط ومن هنا بدأ الصراع من خلال دعم قوات حفتر في شرق ليبيا من عدد من الدول الخارجية بهدف إقامة الدولة الليبية الجديدة التقليدية المركزية ذات الطابع العسكري من خلال قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر والذي كان أحد قادة الجيش خلال فترة حكم القذافي وشارك في الحرب بين ليبيا وتشاد، وتم أسره ثم تم إطلاق سراحه في إطار تبادل أسرى الحرب.

ليبيا ومنذ عام ٢٠١١ تعيش أوضاعا صعبة ومعقدة بعد سقوط نظام معمر القذافي وبدلا أن تدخل البلد في مرحلة سياسية تستند على الأمن والاستقرار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وان تستغل الثروة للشعب الليبي اتضح أن هناك من يتربص بهذه الدولة العربية ذات الموقع الفريد على سواحل البحر المتوسط وذات الثروات الطبيعية الكبيرة، ومن هنا بدأت المشاريع في الظهور من خلال اندلاع الحرب الأهلية بين الشرق الليبي والغرب وهو الصراع الذي دخل مرحلة خطيرة تهدد بتقسيم ليبيا بشكل صريح خاصة وان التدخلات الإقليمية والدولة شكلت منعطفا لانزلاق ليبيا إلى منعطف يهدد وحدة واستقرار ليبيا.

الثروة والحرب

الباعث الأساسي على تكالب القوى الأجنبية على ليبيا خلال السنوات التي تلت سقوط نظام القذافي هي الثروة خاصة النفط والغاز وموقع ليبيا الاستراتيجي على البحر المتوسط ومن هنا بدأ الصراع من خلال دعم قوات حفتر في شرق ليبيا من عدد من الدول الخارجية بهدف إقامة الدولة الليبية الجديدة التقليدية المركزية ذات الطابع العسكري من خلال قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر والذي كان أحد قادة الجيش خلال فترة حكم القذافي وشارك في الحرب بين ليبيا وتشاد، وتم أسره ثم تم إطلاق سراحه في إطار تبادل أسرى الحرب.

ومن الجانب الآخر في غرب ليبيا هناك حكومة الوفاق التي يرأسها فايز السراج وهي الحكومة المعترف بها دوليا وأيضا تحظى بدعم إقليمي ودولي ومن هنا فإن الصراع العسكري أصبح الآن في مفترق طرق بعد الانتصارات المتتالية لقوات حكومة الوفاق بعد الدعم العسكري الهام من قبل تركيا حيث لا تخفى هذه الأخيرة ذلك الدعم بعد توقيعها عدة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع حكومة طرابلس. وهناك روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث ينظر الكل إلى مصالحه في ليبيا بشكل مستقل وأصبح الشعب الليبي الشقيق هو ضحية هذا الصراع المعقد من خلال ضياع المقدرات الليبية خاصة صناعة تصدير النفط والتي تأثرت كثيرا بالحرب المتواصلة.

ويبدو لي أن الطريقة المثلى لحل الأزمة الليبية هو الحوار كأداة وحيدة إذا كان هناك حرص من السياسيين في ليبيا، وإذا كان النموذج السابق لليبيا لم يعد يصلح لدولة ليبية مدنية ذات دستور واضح يستطيع من خلاله أن ينعم الشعب الليبي بثروات بلاده.

إن التدخلات الخارجية لا تهدف إلى مصلحة الشعب الليبي بل تهدف إلى مكاسب اقتصادية وتقاسم الكعكعة الكبيرة بدليل أن هناك صراعات عديدة في عدد من أقاليم العالم وهي شبه منسية، لان تلك الدول التي تدور فيها الصراعات لا تملك موارد وثروات كما هو الحال في ليبيا وقبلها العراق. ومن هنا فإن الحرب الأهلية سوف تقسم في نهاية المطاف ليبيا إلى دويلات وكانتونات وهذا الأمر ينطبق أيضا على اليمن الشقيق الذي يعاني الأمرين خلال أكثر من أربع سنوات بفعل التدخلات الخارجية والصراع الداخلي.

إذن ثروات ليبيا هي الباعث الأساسي على التدخلات الخارجية كما أن النظرة المحدودة لبعض القوى الليبية والتطلع إلى السلطة والنفوذ هو الذي أدى إلى مرحلة خطيرة في تاريخ ليبيا الحديث أي ما بعد الاستقلال من الاستعمار الإيطالي.

مسار الحرب

الحرب المتعددة الأطراف في ليبيا تدخل مرحلة حاسمة خاصة معركة سرت ومن خلالها الصراع على الهلال النفطي المهم، ومن هنا فإن مسار الحرب سوف يتوقف على مصالح الدول الكبرى خاصة روسيا والولايات المتحدة، فإذا حدث اتفاق روسي أمريكي وأيضا تركي قد تتجه مسار الحرب نحو الحوار لإيجاد مقاربة سياسية جديدة، من أهمها إيجاد مرحلة سياسية جديدة بين الشرق والغرب الليبي، وهو الأمر المرجح لإنقاذ ليبيا من التدحرج اكثر نحو التقسيم.

وقد يلعب برلمان طبرق من ناحية الذي يرأسه عقيلة صالح وأيضا البرلمان الموازي له في طرابلس دورا في إطلاق حوار ليبي ليبي من أجل قيام دوله مدنية من خلال دستور موحد وانتخابات تشريعية وتنفيذية تخرج ليبيا من المازق السياسي الحالي.

ويبدو لي أن هذه المقاربة السياسية هي الأكثر ترجيحا لان الخيار الآخر هو اتجاه ليبيا نحو التقسيم والتشزذم لان الحسم العسكري لأطراف الصراع يبدو صعبا في إطار التوازن الإقليمي والدولي في ليبيا.

كما أن مسار الحرب سوف يعتمد على الحوار التركي الروسي لأن ذلك قد يعطي مرونة اكبر على مسار الصراع وطالما أن الحسم العسكري يبدو صعبا فإن المسار سوف يتجه إلى الحوار ولكن لابد من تنازلات حاسمة في المشهد السياسي وهذا الأمر هو الأكثر ترجيحا خاصة وان بعض الأطراف أدركت بأن الحسم العسكري أصبح صعب المنال.

من هنا فإن إيجاد مسار تفاوضي جديد يقوم على مرجعية مؤتمر برلين وموسكو واتفاق الصخيرات وأيضا مرجعية الأمم المتحدة سوف يكون الخطوة الأكثر عقلانية، كما أن الشعب الليبي يتطلع إلى حياة مستقرة ودولة مدنية يتم من خلالها تداول السلطة.

كما أن الدول المجاورة بليبيا يمكن أن تلعب دورا محوريا خاصة مصر وتونس والجزائر لان هناك مسارات مشتركة أمنية واقتصادية، وأيضا في مجال محاربة ظاهرة الإرهاب في شمال إفريقيا وعلى ضوء ما يحدث من مسار الحرب فإن الآثار المدمرة لتلك الحرب وسقوط المدنيين واكتشاف المقابر الجماعية في مدينة ترهونة والأوضاع المعيشية للليبيين تفرض على السياسيين دورا إيجابيا لإنقاذ ليبيا من انزلاق الصراع العسكري إلى مسارات يصعب السيطرة عليها وان المسؤولية الوطنية تتطلب إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية بعيدا عن المصالح الخاصة والنفوذ.

غياب الدور العربي

سجلت الجامعة العربية تراجعا كبيرا في دورها القومي لإيجاد حلول واقعية للأزمات العربية، ولعل نموذج سوريا واليمن يعد أمثلة على عجز الدور العربي في ملف المشكلات العربية، ومن هنا فإن الشعب الليبي يشعر بالإحباط من دور الجامعة العربية ويرى التدخلات الخارجية الأمر الذي أدى إلى مشكلات متعدده للشعب الليبي وانزلاق البلد إلى الحرب الأهلية المشتعلة التي تهدد وحدة واستقرار ليبيا.

في خضم الصراع الحالي في ليبيا وحتى في اليمن فإنه يصعب الحديث عن دور عربي حتى لو كان في أدنى مستوياته بل هناك شعور عربي عام بأن الجامعة العربية أصبحت في حالة صعبة ولا تستطيع فعل الكثير في ظل الاستقطاب الحاد لعملها من قبل الدول الأعضاء وفي ظل البيروقراطية والترهل الذي تعيشه خلال العقود الأخيرة، هنا فإن الدور العربي الفردي خاصة من الدول المجاورة بليبيا قد يكون أكثر أهمية، لكن يبقى الدور الدولي هو الأكثر فعالية خاصة من قبل واشنطن وموسكو والى حدما أنقرة والتي أصبحت لاعبا مهما في ليبيا.

إن الأزمة الليبية تدخل مرحلة خطيرة في ظل شبح التقسيم وفي ظل الدعم الإقليمي لأطراف الحرب وفي ظل اعتقاد طرفي الحرب بأنه قادر على حسم الحرب لصالحه وهو أمر لا يمكن تحقيقه لأسباب إقليمية ودولية.

وفي ظل الترقب لمعركة سرت فإن مسار تلك المعركة سوف يكون لها تداعيات عسكرية قد تقود إلى مسار سياسي يتم التوافق بشأنه بين الأطراف الدولية التي تسعى إلى تحقيق مصالحها في ليبيا، وهذا هو الهدف الأهم من هذا التدافع من القوى المختلفة في الصراع في ليبيا ويبقى الشعب الليبي في المحصلة الأخيرة هو الخاسر الأكبر خلال العقد الأخير من الصراع في ليبيا ويبقى الأمل في الحوار بين القوى الليبية لإخراج ليبيا من المأزق الذي يتعمق بشكل يهدد الأمن والاستقرار والوحدة الليبية.