أفكار وآراء

اللامساواة العرقية وراء احتجاجات أمريكا

14 يونيو 2020
14 يونيو 2020

الإيكونومســـــــت - ترجمة:قاسم مكي -

في اليوم الثامن من الاحتجاجات على مقتل جورج فلويد تباهى دونالد ترامب بسجلِّهِ في خفض فقرِ وبطالةِ السود الأمريكيين والقبولِ بإصلاح العدالة الجنائية. كتب مغردا «حققت إدارتي لمجتمع السود أكثر مما حققه أي رئيس منذ أبراهام لينكولن».

هل ذلك صحيح؟ هل الأمريكيون الأفارقة أفضل حالا تحت حكم ترامب؟ وما علاقة ذلك بالاحتجاجات؟

حسب مكتب الإحصاءات الأمريكي، الأمريكيون من أصل إفريقي بالكاد يكسبون ثلاثة أخماس ما يكسبه الأمريكيون البيض من غير الأصول الإسبانية. ففي عام 2018، بلغ دخل العائلة السوداء في المتوسط 41400 دولار مقارنة بـ 70600 دولار للعائلة البيضاء. تلك الفجوة (بين الدخلين) واسعة. ففي بريطانيا، حيث يمكن أن تكون العلاقات العرقية متوترة أيضا، يكسب السود ما يساوي 90% من دخل البيض.

الفجوة الأمريكية الحالية أضيق قياسا بما كانت عليه في عام 1970. وقتها كان الأمريكيون الأفارقة يحصلون فقط على نصف ما يكسبه البيض. لكن كل ذلك التحسُّن حدث في الفترة بين عامي 1970 و2000. فمنذ ذلك الحين ساءت الأمور مجددا. نعم تقلصت فجوة دخل السُّود بعض الشيء بفضل الزيادات في إنفاق الحكومة الفيدرالية بعد تفشي جائحة كوفيد-19. لكنها ربما تتسع مرة أخرى لأن الأمريكيين الأفارقة يعملون في العديد من المهن المتدنية المهارة أو غير الماهرة والتي يمكن أن تكون أكثر تأثرا بأي انكماش اقتصادي يتسبب فيه فيروس كورونا.

تقلل الأرقام الخاصة بالدخل من تقدير التفاوتات الاقتصادية لأنها تشير فقط إلى من يعملون. وجدت دراسة أجراها باتريك بايير من جامعة ديوك وكيروين شارلس من جامعة شيكاغو أن حوالى 35% من الشباب الذكور السود أو ما يساوي ضعف أندادهم من البيض إما بدون عمل أو أنهم خارج القوة العاملة تماما. ويبدو أن هذا الرقم الكبير والمذهل مرتبط بالمعدلات المرتفعة بأحكام الحبس (السجن) القضائية الصادرة بحق الأمريكيين الأفارقة. وإلى جانب مَن يوجدون وراء القضبان، تخلى العديدون منهم عن البحث عن عمل لأن المخدِّمين لا يوظفون من سبق لهم أن أدينوا في جرائم. وهكذا تعزِّز اللامساواة «القضائية» التي تتموضع في قلب الاحتجاجات ضد مصرع فلويد من أوضاع انعدام العدالة في الدخل والتوظيف.

أما الفجوة في الثروة بين السود والبيض فأكثر اتساعا من الفجوة في الدخل. وفقا لمسح أجراه مجلس الاحتياط الفيدرالي في عام 2017 يساوي صافي قيمة الثروة الوسطية للأمريكيين الأفارقة 10% فقط من صافي قيمة الثروة الوسطية للأمريكيين البيض من الأصول غير الأسبانية أو 17600 دولار مقابل 171100 دولار. (صافي قيمة ثروة الفرد يعني قيمة ما يملكه من نقد وأصول ناقصا ما عليه من خصوم وديون. وكلمة الوَسَطِيَّة تشير إلى صافي القيمة الذي يقع في الوسط تماما ما بين أعلى وأقل صافي قيمة- المترجم).

هذه الفجوة في الدخل هي الفجوة نفسها التي كانت سائدة في عام 1990. إنها تتخلل التجربة المالية اليومية للعائلات الأمريكية السوداء. فمن يساوي صافي ثروتهم صفرا أو أقل من الصفر (ديونهم أكبر من أصولهم) من السود ضِعْف نظرائهم من البيض. وكذلك أيضا مَن ترفض الجهات المقرضة إقراضهم أو من تأخروا في السداد في الشهرين الماضيين. ومن لا يستطيعون دفع فواتيرهم في أي شهر من الشهور من السود أكثر من ضعف البيض. كما يقول 43% فقط من السود أنهم، عند الحاجة الطارئة، يمكنهم اقتراض 3000 دولار من عائلاتهم أو أصدقائهم مقارنة بـ 71% من البيض. ومن الناحية المالية يعيش عدد أكبر من الأمريكيين السود، مقارنة بالبيض، قريبا من حافة الكارثة وعلى مَبعدة «راتِبٍ» واحد فقط منها.

كوفيد -19 كارثة. والأمريكيون الأفارقة هم الأكثر تضررا منها. فالسود وذوو الأصول الإسبانية من سكان نيويورك يموتون من الجائحة بمعدل اثنين إلى واحد مقارنة بالبيض. وفي شيكاغو يموت خمسة من السود مقابل كل واحد من البيض. أحد أسباب ذلك أن الوظائف التي يشغلها السود تتركز بشدة في المهن التي تستلزم مواصلة العمل أثناء الجائحة مثل التمريض وسائقي توصيل المشتريات. أيضا لأنهم على الأرجح أقل امتلاكا لوثائق التأمين الصحي من البيض (12.2% غير مؤمنين صحيا مقابل 7.8% من البيض في عام 2018). أما السبب الثالث والأهم فهو أن السود يعانون من المزيد من المشاكل الصحية المزمنة والتي في العادة تجعل الناس عُرضة للإصابة بكوفيد- 19.

ترى مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن الأمريكيين الأفارقة في الفئة العمرية من 18 إلى 49 سنة أكثر احتمالا من البيض في أن يموتوا بأمراض قلبية. أيضا من المرجح أن يصاب منهم ما يزيد بحوالي 50%عن نظرائهم البيض بضغط الدم وضعف هذا العدد تقريبا بداء السكري.

في خٍضَمِّ هذه الاحتجاجات، اعتبر باراك أوباما أن معالجة مشكلة العدالة غير المتساوية (عدم الإنصاف في المعاملة أمام القضاء) الخطوةَ الأولى نحو التغيير الاجتماعي الأوسع نطاقا. إلى ذلك، هنالك أدلَّة على وجود اللامساواة القضائية وأيضا على وجود صِلة أو رابط بينها وبين المكانة الاقتصادية.

فحسب مكتب العدل الأمريكي، معدل أحكام السجن الصادرة ضد السود أعلى بحوالي 6 أضعاف في عام 2016 مقارنة بالبيض. والعجيب أن هذا المعدل يعتبر أفضل. ففي عام 2006 كان حوالي سبعة أضعاف. حقا يرتكب الفرد من الأمريكيين السود الذين يقطنون في مناطق فقيرة وموبوءة بالجريمة جرائم أكثر مقارنة بنظيره الأبيض. لكن ليس بهذه النسبة المرتفعة «6 أضعاف».

من جهة أخرى، وجدت دراسة أجراها باحثون من جامعتي ميشيجان وبريتيش كولومبيا أن الأمريكيين من أصول إفريقية وإسبانية تصدر ضدهم أحكام بالسجن لفترات أطول في الجرائم نفسها. وتعزو دراسة أخرى ذلك إلى عدم اعتقاد القضاة بقدرة السود المدانين على دفع غرامات عِوَضا عن الذهاب إلى السجن. ويخشون من أنهم إذا أطلقوا سراحهم قد لا يحصلون على عمل ويعودون إلى الإجرام. بكلمات أخرى، يجعل الفقرُ والبطالة الأحكامَ أكثر تشددا للسود. هذه الممارسات القضائية تزيد بدورها من صعوبة حصولهم على عمل.

لذلك ليس مدهشا اعتقاد أعداد غفيرة من المتظاهرين أن الأمريكيين السود ليسوا متساوين أمام القانون وأيضا في الدخل وفي الحصول على عمل والرعاية الصحية. كما يعتقد هؤلاء المتظاهرون أن وضعهم في عهد ترامب تحسَّن بقدر ضئيل، هذا إذا شهد تحسنا أصلا.

نعم «حان الوقت في أمريكا لدراسة فشلنا المأساوي»، كما قال جورح دبليو بوش في اليوم ذاته الذي غرد فيه خلفه الجمهوري في الرئاسة مفاخرا.