Screen Shot 2020-04-18 at 5.41.22 PM
Screen Shot 2020-04-18 at 5.41.22 PM
أعمدة

الإدارة الإنسانية

14 يونيو 2020
14 يونيو 2020

د.يسرية آل جميل

إن الحديث عن نماذج الإدارة في المؤسسات والهيئات الحكومية لهو حديث طويل وذو شُجون، والذي ينبغي أن أبدأ به قبل أي شيء هو تعريف الإدارة التي لربما لا يُدركه البعض، والمتمثل كما تُشير الأدبيات الحديثة في أنه علمٌ من العُلوم الإنسانية.. وهنا أقف عند كلمة إنسانية وأضعُ تحتها ألف خطٍ أحمر ..

أذكرُ أني في أول تعيينٍ لي كمُعلمة بإحدى مدارس مسقط تلقيتُ فنون الإدارة الإنسانية والأخلاقية من أستاذتي ومُديرة مدرستنا آنذاك وهي التي تشهد لها الساحة التربوية حتى اليوم بالتفاني والكفاءة والإخلاص في العَمل.

علمتني وفريق المدرسة بأكمله آنذاك معنى الانضباط.. معنى أن تأتي إلى الدوام مُبكراً.. تقف في الطابور.. تلتحق بالحصة الأولى.. تؤدي رسالتك كمعلم.. تحمل هموم طُلابك.. تسعى إلى إنجاحهم.. تقف إلى جانبهم.. علمتني أن أكون إنسانة في مهمتي قبل أن أكون مُعلمة.. فكان لذلك أثرٌ كبير جداً في نمط أدائي المِهني وتعاملي مع الطالبات.. بدأت أنظر إلى كل طالبة على أنها أختي أو صديقتي لأن فارق العُمر بيني وبينهم آنذاك لم يكن كبيراً جداً.. فبدأت الطالبات بالاقتراب مني كثيراً، وهذا دفعهم إلى حب المادة والحرص على التفوق فيها على امتداد العام الدراسي.. مع أن اللغة العربية بقواعدها ونحوها وصرفها ليست بالمادة السهلة إطلاقاً.. لكن كسب القلوب قادر على إعادة تشكيلها فيما بعد كما تشاء. والتعامل بالأخلاق يفرض احترام الآخرين لك بدون جهد أو عناء..

عملتُ بعدها كإدارية مع إحدى مُدراء العموم بالوزارة.. والذي أقترح عليه أن يقدّم دروساً ومحاضرات في هذا المجال الحيوي والمهم والمُتشعب كثيراً.. لما لمسته وزملائي فيه من رُقيٍ في التعامل الإداري النَاجح مع موظفيه بدون تمييز.. مما أكسبه قلوب المُحيطين به.. للحد الذي كان يدفعنا إلى الرغبة في منحه الأكثر دائماً دونَ طلبٍ منه.

كان الجميع منضبطاً.. دون الحاجة إلى بصمةٍ تثبت الحضور والانصراف.. الكُل يَعمل.. دون الحاجة إلى فرض.. الكل ملتزم دون الحاجة إلى مراقبة.. الكل يعطي دون الحاجة إلى مكافأة أو انتظار تكريم.. لأن الكل كان في سفينة واحدة.. على قلب رجلٍ واحد، وهذا هو ما نريده.

تعلمّت معنى أن تكون إنساناً بمعنى كلمة إنسان.. وهذا من النادر أن تجده في أي ممن يتولون بعض المناصب الإدارية العُليا هذه الأيام.. ممن يفترضون دائماً أنهم وحدهم القائمون على العَمل.. ووحدهم ومن يلونهم الحريصون على الانضباط بمواعيد العَمل والقيام بتفاصيله ومهامه..

أذكرُ أني ذات يوم وصلت إلى المكتب بعد السابعة والنصف بقليل.. ووجدتُ اتصالاً هاتفياً منه لمراجعته في بعض الأمور.. ذهبتُ إليه وأنا في قمة خجلي على التأخر.. قدَّمتُ اعتذاري.. وأبديتُ أسفي على التأخير.. فقال لي بلهجة الأب الحاني..والأخ الرؤوم: (أبداً ما في أي مُشكلة.. المرء أحياناً قد تطرأ له ظروف تجبره على التأخُّر مرة أو مرتين في العام.. وكُلنا بشر.. ومعرضون لأي ظرف.. أبسطها على الإطلاق.. «»أن تأخذك  نومة.. مثلاً " هذا طبيعي).

وفعلاً هذا شيء طبيعي جداً جداً.. لكن ليس لدى جميع المسؤولين.. لإن الإدارة بالأخلاق.. وصبغها بالطابع الإنساني هذه ميزة منحها الله تعالى للخواصِ من عباده كما أرى..

وهذا ما نفتقده كثيراً جداً في هذه الأيام.. وهذا ما يؤدي إلى خسارة الكثير من القيم الجميلة في العَمل مع بعض المسؤولين الذين حوَّلوا مواقع العَمل إلى مواطن للصراع.. الذي يكون البقاء فيه دائماً.. للأقرب وليس الأكفأ!!