Untitled-1
Untitled-1
إشراقات

أحمد خشبة: الدعاة يجب أن يكونوا على قدر كاف من العلم والفهم والتأهيل وإخلاص العمل لله

11 يونيو 2020
11 يونيو 2020

توحيد الصف والابتعاد عن أسباب التفرق والاختلاف أهم واجباتهم -

لقاء: سالم بن حمدان الحسيني -

«من أوجب واجبات الدعاة اليوم الدعوة إلى توحيد صفوف المسلمين ولزوم جماعتهم والابتعاد عن أسباب التفرق والاختلاف وتقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة بما يحقق التعاون على البر والتقوى واجتناب الإثم والعدوان.. ذلك ما أوضحه الشيخ أحمد محمد خشبة في هذا اللقاء.. مؤكدا أن الدعاة يجب أن يكونوا على قدر من العلم والفهم والتأهيل وقبل ذلك الإخلاص في توجيه العمل لله سبحانه وتعالى».. المزيد من ذلك نقرأه في اللقاء التالي:

■ ما هي أهم المرتكزات اللازمة لتأسيس فقه حضاري من اجل النهوض بالأمة لمواكبة الركب الحضاري العالمي؟

الفقه في أصله هو الفهم وهو استنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية وقد قال الله سبحانه وتعالى: (قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون)، ويقول سبحانه: (أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون)، والفقه في الدين هو فقه الحياة وبالتالي فهو فقه الحضارة التي دعا إليها الإسلام ومن أهم أسس هذا الفقه، أولا: استيعاب الإسلام لكل القضايا الحاضرة والمستقبلة استيعابا حضاريا للقضايا والقيم والأفكار من جميع جوانبها وأصولها وأهدافها بما يحقق الرشد والسلامة في هذه الحياة.

ثانيا: النظر الحضاري للأمور وهو اخص وأدق من مجرد الاستيعاب الذي تكلمنا عنه سابقا حيث يدعونا الإسلام إلى السير والنظر ورؤية الآفاق للتعمق والتنور والترشيد والجمع بين الشمولية والدقة والفهم العميق مما يؤدي إلى ضمان الصحة والسداد في تناول الأمور.

ثالثا: من أهم أسس الفقه الحضاري في الإسلام الإدراك الحضاري وهو حصيلة الأساسين والعنصرين السابقين الاستيعاب والنظر لوضع القضية المدروسة في سلمها الصحيح ومرتبتها اللازمة.

رابعا: السلوك الحضاري لإخراج الفقه الحضاري من حيز البحث النظري وتكوين الخبرة والملكة الشخصية إلى حيز الإفادة العملية فرديا وجماعيا وبالتالي وضع المناهج الحضارية لسلوك الأفراد والجماعات والأمم مستمدة من معطيات التجارب وعبر الماضي ومكابدة الحاضر وذلك ليكون المستقبل مشرقا بأمر الله سبحانه وتعالى كما يقول الأستاذ الكبير عمر بهاء الدين الأميري.

■ مبادئ الإسلام مبادئ إنسانية عامة قادرة على الجمع بين البشر وتحقيق مصالحهم.. كيف لنا معالجة المعوقات التي تقف في طريق الانتماء إلى الأمة بهدي من القرآن الكريم والتوجيه النبوي الشريف؟

الإسلام دين عالمي وأكرم الناس في الإسلام عند الله أتقاهم والله سبحانه وتعالى جعل الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا وجعل للإنسان مكانته في هذه الدنيا فحرره من عبودية الخلق إلى توحيد العبودية للخالق سبحانه وتعالى وصان كرامته وسخر له الكون كله لخدمته كل ذلك من أجل أن يجعل انتمائه لهذا الدين العظيم الذي لا يفرق بينه وبين غيره ويجعل الأفراد فيه في إطار من الحقوق المتساوية والواجبات التي تكون بينهم فلا يفرق بينهم على أساس من الجنس أوالعرق أوالغنى أوالفقر أوالنسب إنه منهج ودين قضى على العنصرية والكبر والخيلاء وعلى التفاخر بالأحساب والأنساب وكل ذلك جعل الانتماء لهذا الدين ولهذه الأمة أساس انطلق منه بلال الحبشي إلى جوار أبي بكر القرشي حتى قال عمر بن الخطاب: «سيدنا أعتق سيدنا» -رضي الله عنهم جميعا- فكان هذا المنهج من العدالة والمساواة وتقديم أهل الخير وأهل الفضل هو ما حقق لهذه الأمة انتماء أفرادها وسيادتها وريادتها في بداية عهدها ولن تعود إلى سابق عهدها إلا بمثل هذا المنهج الأصيل القائم على مبادئ وأسس هذا الدين القويم.

■ هناك تيار من الدعاة ابتعدوا كثيرا عن المنهج الوسطي الذي دعا إليه الإسلام الحنيف.. ما سبب ذلك في نظرك؟ وما هي النصيحة التي تقولها لهم؟

أعتقد أن أهم سبب في وجود مثل هذه التيارات في حقل الدعوة الإسلامية هو عدم المعرفة وقلة العلم وسوء الفهم وضيق الأفق و تضخيم الخلافات وسوء الظن وقلة الاعتذار للمخالف وضعف استشعار نتائج التفرق والبغي وحب الظهور وكلها أسباب إن اجتمعت في شخص فلا يصلح بحال أن يطلق عليه داعية بل هو مصيبة لأن هذه الصفات إن وجدت في شخص فهي تؤدي إلى إنتاج خطاب تفريق وكراهية بل يؤدي إلى أمر خطير وهو التفرق في الدين مع أن الدعاة جميعا يعلمون أن الدين الإسلامي ما أتى إلا ليجمع الأمة على الحق فالإسلام دين اتفاق وائتلاف، لا تفرق واختلاف يقول تعالى: (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، و يقول سبحانه: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم). والبغي والظلم إضافة إلى قلة العلم هو من أهم أسباب الخلاف: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)، والكبر من البغي وهو من أهم أسباب الفرقة والاختلاف: (كل حزب بما لديهم فرحون)، إننا نحتاج إلى المعرفة والتعارف والاعتراف وهذه من أهم مشكلات الدعوة خاصة في هذه الأيام فقلة المعرفة وعدم التعارف تؤدي إلى عدم الاعتراف وقد رأيت ذلك بنفسي عندما كنت في ندوة علمية وجلست إلى جوار شيخ له كثير من الأتباع يصفونه بأنه من أهل العلم لكني وجدت الرجل يسألني منتقدا وغير معترف بأحد المذاهب الإسلامية فقلت له ماذا تعرف عنه؟ (المعرفة) فوجدته لا يعرف عنه شيئا فأحضرت له أحد شيوخ هذه المدرسة الفقهية فسمع منه وتعارفا ببعضهما (التعارف) ثم بعد يومين جاءني وقد قرأ بعض العناوين الخاصة بهذا المذهب وتلك المدرسة الفقهية وهو يقول لقد كنت أحكم على هؤلاء الأخوة دون أن أعرفهم الآن تغير هذا الأمر (الاعتراف) والحق.. أننا نحتاج إلى هذا الفهم وإلى هذا الوعي بين الدعاة.. المعرفة والتعارف والاعتراف وأن نتعاون فيما بيننا على المتفق عليه وأن يعذر بعضنا بعضا في المختلف فيه. وأن نفهم أن الاختلاف تنوع وسعة وفتح لأبواب الفكر والاجتهاد في إطار النصوص الشرعية الثابتة.

■ ما هو الدور المنتظر من علماء الأمة اليوم في رأب الصدع وتوحيد الكلمة؟

لا شك أن جمع الكلمة والاعتصام بحبل الله من أهم مقاصد الشريعة يقول سبحانه: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، ويقول سبحانه: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ)، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يدعونا إلى الاعتصام بحبل الله كما قال في الحديث الشريف: «إن الله يرضى لكم ثلاث ويكره لكم ثلاث فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال».

ويقول صلى الله عليه وسلم: (من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع)، و(يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار)، ولذا فإن من أوجب واجبات الدعاة اليوم الدعوة إلى توحيد صفوف المسلمين ولزوم جماعتهم والابتعاد عن أسباب التفرق والاختلاف وتقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة بما يحقق التعاون على البر والتقوى واجتناب الإثم والعدوان وهذا مرتبط كما قلت سابقا بأن يكون هؤلاء الدعاة على قدر من العلم والفهم والتأهيل وقبل ذلك الإخلاص في توجيه العمل لله سبحانه وتعالى.

■ الأسرة كما يقال هي نواة المجتمع بصلاح أفرادها تسعد المجتمعات وبخلاف ذلك تشقى وتنحط إلى الحضيض.. هلا أوضحت لنا حقوق الأبناء على الوالدين في تنشئتهم النشأة الصالحة؟ وما هي عاقبة التقصير في هذا الجانب؟

إن نعمة الأبناء من أجل النعم والتي هي من زينة الحياة الدنيا: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنغام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب)، و(المال والبنون زينة الحياة الدنيا)، ومن أهم حقوق الأبناء على الآباء حقوق تكون قبل ولادتهم وذلك باختيار الأرض الطيبة التي يضعون فيها بذرتهم نعني اختيار الأم الصالحة التي تعرف حق ربها وحق زوجها وحق أبنائها وتعرف رسالتها ووظيفتها في هذه الحياة: «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وكذا على المسلمة أن تختار لنفسها وأن تقبل لنفسها الزوج المناسب صاحب الخلق والدين ليكون أبا يشعر بمسؤوليته وأمانته ويقوم بواجبه نحو زوجته وأولاده وعلى الأولياء إذا جاءهم من يرضون دينه وخلقه أن يزوجوه كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى لا تكون فتنة ويكون الفساد الكبير، ومن حقوق الأبناء أن تغذى الأم من حلال فكل جسم نبت من سحت وحرام فالنار أولى به وبعد الولادة فإن للأبناء حقوق منها التسمية بالأسماء التي يحبها الله ورسوله بحيث تكون محفزة ومشجعة ونافعة ورافعة للأبناء، و لهم حق الرضاعة وحق العقيقة التي قررها الإسلام حق النفقة بالمعروف وتوفير كل ما يحتاجون إليه وحقوقه في الرفق واللين ومعاملتهم بالمعروف وعدم التفريق بينهم أومحاباة بعضهم على بعض لكن أهم الحقوق تعليمهم أصول دينهم وعقيدتهم وتعريفهم بربهم ونبيهم وكتابهم و تنشئتهم على الصلاح والهداية والخير «رب اجعلني مقيم الصلاة و من ذريتي ربنا و تقبل دعاء» و (اذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا)، ومن أهم حقوق الأبناء تنقية فطرتهم التي يولدون عليها وذلك بغرس الفضائل والتأكيد على القيم والمثل العليا والآداب في الطعام والشراب والتعامل مع كل الخلق ومع الحياة والأحياء هذا ما يجب على الآباء نحو أبنائهم والتقصير في ذلك يؤدي إلى ضياع الأبناء وضياع الأسرة التي هي المكون الأساسي للمجتمع واللبنة الأساسية في بناء الأمة.

■ الإسلام الحنيف عدّ حرية التفكير من العبادات ومن صميم العقيدة.. لماذا يحث الإسلام على هذا النهج؟

أمر الإسلام بالتفكيربل إن التفكير في نظر الإسلام يعد فريضة دينية لا يجوز للمسلم أن يتخلى عنها بأي حال من الأحوال فالعقل أساس النقل وقضية وجود الله قامت بإثبات العقل وقضية نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ثبتت أيضاعن طريق العقل أولا ثم دلت المعجزات على صحة نبوته والقرآن يدعو إلى السير والنظر والتفكر في الكون والنفس وكان مبدأ الاجتهاد الذي دعا إليه الإسلام من أهم ما يمثل حرية التفكير حيث كان للاجتهاد اثره العظيم في إثراء الدراسات الفقهية وإيجاد الحلول السريعة للمسائل التي لم يكن لها نظير في العهد الأول للإسلام وما وجود المذاهب الإسلامية الفقهية المشهورة والمعروفة إلا نتيجة لهذه الحرية في التفكير التي دعا إليها الإسلام وهكذا كان اعتماد المسلم على عقله وتفكيره فيما يشكل عليه من أمور الدين والدنيا مما لم يرد به نص في الشريعة هو الدعامة الأولى في الموقف العقلي الراسخ للإسلام وكان هذا الموقف من حرية التفكير بمنزلة الأساس الذي بنى عليه المسلمون حضارتهم الزاهرة على امتداد تاريخ الإسلام.