المنوعات

سواعد أبناء الوطن تعيد الحياة في عين وكهف "شيرات" بولاية صلالة

10 يونيو 2020
10 يونيو 2020

  • في رحلة مليئة بالمشقة تكسرها أحاديث الماضي ومناظر الجمال
  • - سعيد الكثيري: من الطرق القديمة التي استخدمت لكسر الصخور إشعال النار تحتها ثم سكبها بالماء لتتفت أجزاء كبيرة منها

صلالة - أحمد بن عامر المعشني

أسباب عديدة تدفع بالأفراد أن يكونوا متطوعين في مشاريع عديدة، ومن تلك المشاريع ما تسعى إلى ابراز جماليات السلطنة ومخابئ الجمال فيها والابداع الاهلي والنعم الربانية، جمال طبيعي يعكس روعة الخالق في أرضه في مواقع قد تكون صعبة الوصول وتحتاج شيئا من الجهد والعناء للوصول إلى كنز من كنوز الطبيعة البكر لتكون في مستقبل قريب موطئ قدم للسياح والزوار للاستمتاع بمناجاة الطبيعة والتناغم مع تفاصيلها وموردا معينا على الزراعة والحياة، من هذا المنطلق قام عدد من المتطوعين من أبناء محافظة ظفار بتنفيذ مشروع ترميم وتوسعة عين ماء وكهف "شيرات" بوادي "رشم" في نيابة "حجيف" التابعة لولاية صلالة.

سعيد الكثيري[/caption]

"عمان" قامت بزيارة للموقع، وعلى الأقدام ولمسافة ٦ كيلومترات ذهابًا وايابًا ولمدة ثلاث ساعات متواصلة قطعنا من خلالها وادي "رشم" الذي يحتوي على العديد من العيون المائية والكهوف الجبلية، برفقة سعيد بن مسعود رياس الكثيري أحد ابناء المنطقة والمتطوعين في إقامة المشروع، ووجدنا بالفعل الطريق الذي تم انجازه مؤخرا قد تأثر جدا من الحالة المدارية الأخيرة حيث جرفت السيول والأمطار الغزيرة الأتربة وأحدثت العديد من الشقوق والفوالق العميقة على مسار الطريق الذي قد تم تحسينه وكبسه من قبل المواطنين.

لم تخلُ الرحلة من استذكار ماضي المنطقة، المرتبطة بطفولة مرافقي، الذي بدأ حديثه أولا عن قصته في أول عام دراسي هنا، حيث قال: "كنا نسكن على حافة هذا الكهف قديما وأذكر في عام ١٩٧٦م تم إنشاء أول مدرسة باسم (جحنين) وهي عبارة عن خيم والتحقت بها في نفس العام، وكنت أبدا يومي الدراسي السبت في الصباح الباكر واقطع المسافة من البيت إلى جحنين مشيا على القدمين للمدرسة وسط كثافة الأشجار وعمق الأودية المخيفة المحفوفة بالعديد من المخاطر، ولكن كانت لدي الرغبة والعزيمة الصادقة والتشجيع من والدي، فكان أبي رحمة الله عليه يراقبني حتى أظهر له من الجهة الشرقية من الوادي ويتأكد بأنني قد اجتزت عبور الوادي بسلام، وبالفعل لا أخفيك سرا أخي احمد فقد كنت أثناء عبوري لهذا الوادي ينتابي الخوف فلا ألتفت يمنة أو يسرة على طول الطريق".

وأضاف بأن الحكومة كانت قد وفرت سكنًا للطلاب الذين يأتون من مسافات بعيدة، قائلا: "نبقى في السكن الذي يقاس بالسكن الداخلي الحالي، وكنت أقيم فيه حتى يوم الخميس وهو موعد الاجازة الاسبوعية وزيارة الأهل، وكما أسلفنا فالسكن كان عبارة عن خيم تستوعب مجموعة محدودة من الطلاب".

وبينما نتجه نحو الموقع ينسال شريط الذكريات، لأغير دفة الحديث إلى أهمية المشروع، فقال: "أتت هذه الفكرة من قبل مجموعة من أهالي المنطقة في أواخر عام ٢٠١٦ م وبالتحديد في شهر ديسمبر، وانتهى العمل فيه في بداية هذا العام حيث كان العمل فيه متقطعا واثناء الاجازات الرسمية ونهاية الاسبوع، وبدأ العمل أولا في فتح طريق حتى يستطيع الناس المشي عليه، ويبلغ هذا الطريق حوالي ٣ كليومترات ذهابًا إلى عين وكهف شيرات، فقد تم نقل جميع المعدات لفتح هذا الطريق على أكتاف وظهور المواطنين، والتي تمثلت في الهيب والمطرقة وبعض المسامير الحديدية والحفار الكهربائي والمؤن الغذائية، وكما ترى الطريق شاق ووعر جدا، ولكن عزيمة المواطنين كانت ولا زالت أقوى من أن يثنيهم شيء عن تنفيذ هذا المشروع".

وأضاف سعيد الكثيري فقال: "لما وصلنا إلى الموقع المشروع كانت العين والكهف شبه متدمرة من الأعاصير والمنخفضات الجوية التي تعرضت لها محافظة ظفار في السنوات الماضية، فشرع المواطنين بتوسعة الكهف الذي أصبح الآن يتسع بفضل الله لحوالي ٣٠٠ شخص، وإعادة المكان كما كان جميلا، فكان ومن هنا بدأ العمل الشاق والمكلف جدا حيث تم كسر الأحجار الكبيرة بالطرق التقليدية وبسواعد المواطنين من خلال استخدام الهيب والمطرقة بالإضافة إلى استخدام الحفار الكهربائي في تكسير الصخور الكبيرة والذي نقل بالطبع على ظهور المواطنين، كما تم كذلك استخدام بعض الطرق القديمة في كسر هذه الصخور الكبيرة وهي جمع حطب يابس من الأشجار ويتم وضعها على الصخور وبعدها تحرق ولما ينتهى اشتعال الحطب يوضع على الفور كمية من الماء على الصخور فتتفت أجزاء كبيرة منها".

وأشار سعيد الكثيري إلى أن العمل لم يغفل جانب الأمان، فقد تمت إقامة العديد من الحمايات للعين والكهف من خلال بناء أسوار كبيرة من مواد المحلية وهي الأحجار وتم تثبيتها من خلال مادة الإسمنت وعمل مبنى صغير كذلك لحماية منبع العين من الانهيارات الصخرية والطينية.

متطرقا إلى دور بعض الجهات الحكومية والتي كانت لها مساهمات كبيرة في تنفيذ هذا المشروع ومن بينها وزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه ممثله بدائرة موارد المياه بمحافظة ظفار وذلك من خلال دفع مبلغ مالي خمسة آلاف ريال عماني، مؤكدا بأن هذه المساهمة عززت كثيرا من تنفيذ هذا المشروع بالإضافة إلى تقديم بعض الاستشارات الفنية، ومن الجهات كذلك سلاح الجو السلطاني بنقل كميات كبيرة من مواد الإسمنت والرمل والجرجاره من خلال الطائرة العمودية وإنزالها على قمة الكهف، كذلك مكتب نائب الوالي بنيابة حجيف ومكتب مساعد نائب الوالي بمركز جحنين فقد سهلا العديد من الامور الادارية وقدما مخاطبات للعديد من الجهات الحكومية لتقديم يد العون والمساعدة، وقدم الكثيري شكره لكل القائمين على المشروع.

واسترسل الكثيري بقوله: "إن الهدف من هذا المشروع هو الحفاظ على هذه العيون والكهوف الجبلية من الاندثار حيث كانت هذه العيون المائية في السابق هي المورد المائي الوحيد للمواطنين في أرياف جبال محافظة ظفار أي قبل عهد النهضة المباركة، بالإضافة إلى هذه الكهوف التي قد لعبت ادوارًا مهمة ورئيسية في حماية المواطنين هم وحيواناتهم من الأمطار الغزيرة أثناء مواسم الخريف ومن الشتاء القارس ومن حرارة الشمس الحارقة في فصل الغيظ، بالإضافة إلى أنها تعتبر في حالات الأعاصير التي تأتي وبشكل مفاجئ ملاذا آمنا للمواطنين هم ومواشيهم، وفي هذا الوقت أصبحت هذه الكهوف مقصدا لكثير من أبناء المحافظة والسياح على حد سواء مواقع سياحية هامة للرحلات الخلوية، وأما العيون المائية فما زالت تلعب دورا مهما، وهي منقذة في حال انقطاع اتيار الكهربائي عن الآبار الارتوازية، فقد برهنت لنا الحالات المدارية التي تعرضت لها المحافظة وتم فيها قطع التيار الكهربائي عن التجمعات السكانية أهمية ذلك، وعلى سبيل المثال اعصار مكونو عام ٢٠١٨م الذي أحدث أضرارا كبيرة واستمر انقطاع التيار الكهربائي على بعض المناطق الريفية لمدة اسبوعين فأكثر".

واثناء عودتنا من المشروع وقبل وصولنا إلى مركبتنا نزلنا في ضيافة عزبة سعيد بن عوقب الكثيري الكائنة في أحد الأودية في منطقة جحنين، فلما اقبلنا عليه مع غروب الشمس وكعادة أهل عمان يرحبون بالضيف فقد قال "توبذحاي باغاج"، يعني يا حي وسهلا بالرجال، فبعد أن آخذ علومنا وأخذنا قسطا من الراحة قدم لنا حليب النوق الصافي الذي يعتبر من افضل حليب الحيوانات يروي الظامي وبالفعل كنا في ظمأ شديد بالرغم من حملنا علب مياه معدنية صغيرة ولكن كان الجو شديد الحرارة ولا تكاد تحس بأي هواء على الإطلاق لعمق الوادي.

انتهت تلك الرحلة المحملة بالذكريات والاهداف والعزيمة والاصرار، تاركة وراءها توثيقا بالصور والحكايات ومشاهد رائعة تسر بها العين وتكسر مشقة الوصول.