salim
salim
أعمدة

نوافذ: مـواطنـة كـونـية

08 يونيو 2020
08 يونيو 2020

سالم بن حمد الجهوري -

[email protected] -

ما يحدث اليوم في العالم من تقلبات اقتصادية وصحية واجتماعية وأمنية وعسكرية، هي نتاج لكل الأحداث التي مرت على هذا الكوكب خلال الخمسين عاما الماضية، ما يستدعي التفكر في العديد من الأسباب التي أدت للوصول بنا إلى هذه النتيجة، التي يدفع فيها برغبة المواطنة الكونية التي لابد أن تتحقق من خلال أدوات حديثة تم تهيئتها عبر عقود من الزمن وبنفس طويل لاستيعاب المتغيرات المقبلة.

قد نكون قد ساهمنا بأنفسنا كأفراد من خلال صمتنا في دفع الأحداث تلك إلى نتائج اليوم، حيث لم تكن كل تلك الأحداث قد جاءت بالصدفة، بل كان مخططا خلال الـ 75 عاما الماضية لأمور كثيرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي انتصرت فيها كل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من أوروبا على ألمانيا واليابان ومن معهما أيضا، وبات العالم أمام خيارات صعبة أولها تكريس الرأسمالية المتوحشة التي تزيد الأغنياء غنى والفقراء فقرا، واستحداث أقطاب دولية تقود العالم إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية لتدخل ما يسمى بعد ذلك الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي وهي الأقطاب نفسها التي انتصرت وتقاسمت الفيتو في الأمم المتحدة، وهي نفسها التي تقود التغيير الكوني اليوم.

العالم كان يسير وفق خطوات معروفة منذ تلك السنوات ولم يأت شيء بالصدفة كما يعتقد البعض، بل برزت الحروب الإقليمية التي افتعلت وأشعلت وانطفأت دون معرفة أسبابها، ودعم إنشاء كيان غريب في الشرق الأوسط الذي أنهى أي محاولة عربية للتقدم العلمي والسياسي والعسكري في الشرق الأوسط، وإجهاض حلم الوحدة العربية التي كانت أكبر التحديات، ثم الإفراج في مطلع الثمانينات عن اختراع الإنترنت والاتصالات اللاسلكية اللذين أحدثا طفرة كبيرة في التواصل بين البشر ليبدأ التلصص على حريات الناس في مطلع الألفية التي نودي بها وأصبح كل إنسان اليوم تحت المراقبة في كل ما يتعلق بحياته المتنوعة المالية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

وفي الطريق هناك المزيد من موجات التقنيات التي تتم فيه تهيئة العالم المنقاد برغبة الكبار إلى عالم مجهول المصير بالنسبة للمواطن البسيط في أي بقعة من العالم الذي أصبح الآن غير قادر على التغيير، لتدخل موجة الجيل الخامس وإنترنت الأشياء، لتضيف المزيد من التقنيات القادمة التي سيتحول فيها دور الإنسان إلى الآلة التي ستتحكم بنسبة 80% من حياتنا خلال المرحلة القريبة، إلى جانب تفعيل «البلوك تشين» الذي يعني سلسلة الأشياء التي ستلغي أدوار المرافق المحورية والمؤسسات كالبنوك التي كانت تمر بها التعاملات المالية، وإلغاء العملات الورقية والتواصل عبر الحزم الضوئية التي كنا نشاهدها في أفلام الخيال العالمي، إلى جانب استحداث لغة التخاطب بين الأشياء والتفاعل والتفاهم فيما بينها دون أي تدخل للإنسان لنسلم رقابنا طوعا.

سيصبح مع واقع هذا الحال الكثير من مواطني العالم غير قادرين على استيعاب هذا التطور التقني في كل شيء وسيمثلون عبئا على أوطانهم وتقدمها وسنحتاج إلى جيل يتربى على الواقع الجديد، لأن هذه الأوطان تحتاج إلى من يستطيع استيعاب هذه المتغيرات التي ستكون عالما مختلفا عن سابقه وستكون هناك فجوة معرفية غير قابلة للمعالجة إلا بتنشئة جيل آخر.

هذا التغير المتسارع المتوقع في العالم سيواجه بالعديد من التحديات، لعل أبرزها أن من يدرك خطورة ذلك التغير هم من سيقودون ذلك الرفض لاطلاعهم المسبق على الأهداف البعيدة المراد تحقيقها، التي تتلخص في المواطنة الكونية التي تسعى إليها مبادئ العولمة وأيقونتها، وهي إنشاء حكومة عالمية واحدة تقود هذا الكون من خلال مواطنة الأفراد فيها بأقل عدد من سكان العالم الذي يقترب من الـ 7 مليارات إنسان حاليا، والهادفة إلى زرع شريحة في جسد كل واحد منا والتي بدأت بالفعل بتتبع أنفاسنا ولها مالها من تبعات، ليبقى تحت المراقبة على مدار الوقت، من هنا عليك أن تتخيل في قادم الأيام كيف ستبدو الحياة؟!