أفكار وآراء

هل تتجه الولايات المتحدة تكتيكيا نحو روسيا؟

07 يونيو 2020
07 يونيو 2020

ديفيد إجنيشس - واشنطن بوست - ترجمة - قاسم مكي -

بعثت الولايات المتحدة برسالة مزدوجة بوضوح حول الحد من التسلح هذا الشهر. فقد أعلنت عن خطة للتخلي عن اتفاقية الأجواء المفتوحة مع روسيا فيما صرحت في الوقت ذاته بتلهفها للانخراط في عملية ضبط تسلح أوسع نطاقا تشمل كلا من روسيا والصين.

ركز محللون عديدون على الانسحاب من الاتفاقية بوصفها علامة على سوء العلاقات مع روسيا. لكنني أعتقد أن ثمة شيئا يحدث. وهو أكثر تعقيدا وأكثر إيجابية بالنسبة للعلاقات الأمريكية-الروسية. ففي وقت يشهد تصاعدا في المواجهة الكلامية مع الصين تعزز الولايات المتحدة من ارتباطها بموسكو حول ضبط التسلح والمساعدات الإنسانية لروسيا بخصوص جائحة (كوفيد-19) وأيضا بشأن قضايا أخرى ذات اهتمام مشترك.

وكما هي الحال دائما مع إدارة ترامب من المؤكد أن هنالك أصواتا متنافرة داخليا. فبعض المسؤولين لا يحبون ضبط التسلح ويرغبون في التخلص من كل الاتفاقيات التي تضع حدودًا لخيارات الولايات المتحدة. لكن، في المقابل، هنالك معسكر ظل يفضل دائما التعامل مع موسكو. وهو بقيادة الرئيس ترامب نفسه وأظن أنه هو الذي يقود السياسة الأمريكية في هذا الجانب. لا يقول مسؤولو الإدارة الأمريكية علنا أن هنالك «انعطافا» تكتيكيا نحو روسيا. لكنني أخمّن بأن تصرفات الإدارة الأمريكية هذا الشهر تشير في محصلتها إلى ذلك.

لقد ظلت المفاوضات الاستراتيجية على مدى نصف قرن «فعلا توازنيا» من ثلاثة اتجاهات يشمل واشنطن وموسكو وبكين. وكان انفتاح الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون نحو الصين عام 1972 في جزء منه مسعى لتقوية الموقف الأمريكي في المساومة مع الاتحاد السوفييتي. وعلى نحو مماثل ربما أن تقارب إدارة ترامب الجديد دافعه الخوف من الصين الصاعدة.

واقع الحال أن ديناميكية النفوذ تتبدل. فقبل عقد مضى كان يُنظر إلى الصين باعتبارها بلدا يسعى فقط إلى الحصول على رادع نووي محدود، مثلها في ذلك مثل بريطانيا وفرنسا. لكن لم يعد الأمر كذلك حسبما يعتقد المسؤولون الأمريكيون. فالصين الآن تبحث عن التكافؤ النووي وربما تشاطر روسيا الولايات المتحدة اهتمامها بوضع حد لتنامي قوة بكين.

ذكر بومبيو أن الإدارة الأمريكية تنوي الانسحاب من معاهدة الأجواء المفتوحة. وهي اتفاقية عقدت في عام 1992 وتسمح لطائرات البلدان الموقعة عليها عليها (34 بلدا) بعبور أجواء بعضها البعض. وتزعم الولايات المتحدة أن روسيا تنتهك الاتفاقية. لكن بومبيو قال: إن بلاده قد «تعيد النظر» في انسحابها إذا احترمت روسيا الاتفاقية.

استراتيجية الإدارة الأمريكية الأوسع نطاقا شرح خطوطها العريضة يوم الخميس (21 مايو) مارشال بيلينجيسلي، مبعوث وزارة الخارجية الخاص للحد من التسلح. فقد ذكر في مخاطبة بمعهد هدسون أنه يخطط لمقابلة سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي بأسرع ما يمكن لمناقشة سلسلة من قضايا ضبط التسلح بما في ذلك احتمال تمديد أو توسيع معاهدة ستارت الجديدة والتي سينتهي سريانها في العام القادم.

يقول بيلينجسلي «اتفقنا على وجوب اللقاء والحديث حول مشاغلنا وأهدافنا وإيجاد سبيل يقودنا إلى الشروع في المفاوضات». ويضيف»لدينا أفكار ملموسة لتفاعلنا القادم. ونحن نستكمل التفاصيل في هذه اللحظة».

وعبر بيلينجسلي عن اعتقاده بأن ريابكوف يشاطر الولايات المتحدة رأيها بوجوب أن تكون الصين جزءًا من الاتفاقيات المستقبلية حول الحد من التسلح النووي. كما نقل عن مسؤول روسي تصريحه بأن «جعل نزع التسلح النووي عملية متعددة الأطراف بات أولوية»، وترك بيلينجسلي الباب مفتوحا أمام احتمال تمديد معاهدة ستارت الجديدة مع روسيا مؤقتًا أو لفترة خمسة أعوام أخرى فيما يجري ضم الصين إلى المفاوضات.

تأتي خطة محادثات الحد من التسلح على خلفية جهود أوسع للتعاون. يتمثل أوضح مسعى في هذا الجانب في تقديم المساعدات الإنسانية لروسيا في مواجهة التفشي الحاد لجائحة (كوفيد-19) حيث بلغ إجمالي الإصابات بالمرض 32 ألف حالة مما يضعها في المرتبة الثانية من حيث العدد بعد الولايات المتحدة.

وذكرت إدارة ترامب هذا الشهر أنها تخطط لإرسال 200 جهاز تنفس كمساعدة طارئة لروسيا. لكن حتى هذا العون الطبي الطارئ صار إشكاليا. وهذا يدلل إلى أي حد صارت روسيا مثار نزاع في السياسة الأمريكية. فرئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي هاجمت الحكومة الأمريكية لتقديمها منحة أجهزة التنفس بحجة أن روسيا «قادرة جدا على سداد ثمنها».

هذا إفراط في الحرب الكلامية من جانب بيلوسي. فأمريكا بحاجة إلى تواصل أكثر وليس أقل (مع الآخرين) في هذه الأزمة الدولية. والجائحة فرصة مفيدة لكل البلدان لإدراك المصالح المشتركة حتى في ظل التدخل الخفي للكرملين (في السياسة الداخلية الأمريكية).

عكف المسؤولون الأمريكيون والروس على إعداد الطاولة في الأسابيع الأخيرة للمزيد من المحادثات الجادة. وناقش ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الشهر مجالات التعاون الممكن في مكالمة هاتفية لم يعلن عنها. جاءت هذه المكالمة في أعقاب محادثة هاتفية يوم 6 مايو بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ونظيره الروسي سيرجي لافروف ناقشا في أثنائها»الخطوات التالية حول ضبط التسلح» وأيضا القضايا «ذات الاهتمام المشترك».

الحد من التسلح الآن طريق يقود إلى ثلاثة اتجاهات. أوضح ذلك بيلينجسلي بقوله» نحن ندرك أننا نتجه نحو تنافس نووي ثلاثي الأطراف... نعتقد أن ضبط التسلح ينطوي على إمكانية الحد من هذا التنافس. نحن ننوي محاولة ذلك».

هذه الجهود معقولة.

لكن العدد» ثلاثة» متقلب بطبعه. وكما لاحظ هيرمان كاهْن الأب الروحي للاستراتيجية النووية قبل عقد فإن «العالم الثنائي (القطبين) مستقر. والعام المتعدد الأقطاب يمكن أن يكون مستقرا في نهاية المطاف. لكن المرحلة الانتقالية بين الاثنين خطرة».