عبدالرزاق
عبدالرزاق
أعمدة

هوامش ومتون:وجبة شهيّة بنكهة كورونا!

20 مايو 2020
20 مايو 2020

عبدالرزّاق الربيعي

لـ"كورونا" نكهة، تتجاوز الشعور بالمرارة، والألم، والحمى، والسعال، وبقية الأعراض المعروفة التي يشعر بها المصاب، فقد تصل المضاعفات إلى الموت، والموت في زمن "كورونا" يختلف عن الموت في الأزمنة التي سبقته، فهو موت يتمّ بلا مشيعين، ولا مأتم، ومع ذلك ما زال الكثيرون يتعاطون بعدم شعور بالمسؤوليّة، والجدّيّة المطلوبة مع الفايروس الذي سبّب خسائر كثيرة بالأرواح في العالم، إلى جانب الخسائر الاقتصاديّة، والشلل الذي أحدثه في أنشطة الحياة، وهو شلل سيظلّ سكّان الكوكب ينوؤون بحمل ثقله، وتبعاته الجسيمة!!

ولأجل توفير هذه الجدّيّة، والتذكير بخطورة الوضع" وذكّرْ فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين"، ورفع مستوى الوعي المجتمعي، قامت وزارة الصحّة بنشر عدد من القصص الواقعيّة لحالات أصيبت بفايروس" كورونا"، ومن خلال متابعتها، لاحظت أنّ القاسم المشترك فيها هو الإهمال، واللامبالاة، هذه القصص لا يد للخيال في صنع أحداثها، فأبطالها كانوا يعيشون بيننا، يشربون، ويأكلون، ويحبّون مثلنا الحياة الاجتماعية، والجلوس على مائدة واحدة ، والأكل من طبق واحد، والمشاركة في جلسات الإفطار مع الأهل، التي افتقدناها في رمضان الحالي، كما جرى مع أبطال واحدة من تلك القصص، التي حملت عنوان" الحالة رقم3008" ولا غرابة في العنوان، هناك قصص، وروايات عالمية كثيرة حملت أرقاما في عناوينها، لعلّ أبرزها رواية الكاتب البريطاني جورج أورويل " 1984"، وروايةُ "السّاعة الخامسة والعشرون" للكاتب الروماني "جيورجيو فرجيل قسطنطين"، أمّا عن كاتبها، فليست (وزارة الصحة)، فهي اكتفت فقط بصياغتها، ونشرها، أمّا كاتبها، فهو الواقع، ومكانها في السلطنة، وزمانها " كورونا"، أو "الزمن صفر"، كما يحلو للكاتب المسرحي الصديق علي عبدالنبي تسميته، إشارة إلى الحدث المفصلي الذي نعيشه، بما يشير إلى بدء زمن جديد، زمن ما بعد "كورونا"!

وبعد أن انتهينا من هذه العتبات، ندخل في المتن وقراءة أحداثها، التي لاتقلّ غرابة عن قصص الخيال، لأنها تنطلق من أرضية، غرائبية، تتصل باللامبالاة، والخروج من المنطق، واليكم ما ورد في المتن نقلا عن صحيفة " أثير" الإلكترونية "تبدأ القصة عندما قرّرتْ عائلة( ع. س) التجمّع في بيت العائلة على إفطار جماعي، واختاروا يوم الجمعة لتكتمل الفرحة بوجودهم جميعا" وبقيّة القصّة معروفة، فقد انتهت بمأساة بعد "تأكيد تشخيص عشر إصابات من العائلة نفسها، بينهم مسنٌّ، وحفيد لم يتجاوز عمره خمسة أشهر، فكان الإفطار الجماعي بنكهة كورونا السبب وراء الإصابة"

الغريب في القصة، والقصص الأخرى الكثيرة التي نشرتها الوزارة في حملتها التوعويّة، أنّ الجميع في العالم صار على علم بأن هذا الفايروس ينتشر سريعا بالتخالط الاجتماعي، وكثيرا ما تنصحُ منظمة الصحة العالمية بالتباعد، وكذلك الأطباء، ووسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، والشخصيات العامة من نجوم المجتمع، والكلّ يطرح ثقته بالوعي المجتمعي، ويراهن عليه، فالإنسان يمتلك عقلا يمكّنه أن يميز ما بين الذي في صالحه، فيختاره، ويتجنب الضرر، وفي ذلك يقول ابن الرومي:

أمامك فانظر أيَّ نهجيك تنهجُ

طريقان شتّى مستقيمٌ وأعوجُ

لعلّ قلوبا قد أطلتم غليلها

ستظفر يوما بالشفاء فتثلجُ

وكثيرا ما حذّرت اللجنة العليا المكلّفة ببحث آليّة التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار "كورونا" من الاختلاط، وأعلنت عن إجراءات صارت معروفة للجميع، فالمصاب لا يؤذي نفسه فقط، بل يمتدُّ الضرر لمَنْ حوله، ونتائجه وخيمة، وقد يصل إلى أرقام كبيرة، فهناك من نقل الفايروس إلى(350) شخصا، وآخر لمن حضر حفل العرس، ووصل العدد إلى (150) شخصا!!

هذه اللامبالاة تصل بأصحابها، إلى نتيجة مؤسفة، تطال المسنّ، والرضيع، كما في قصّتة الحالة(3008)، وقد تنقله العوائل بدورها إلى عوائل أخرى، بسبب الإصرار على عدم الإلتزام بآليّة التباعد الاجتماعي، وتعطيل العادات التي كنّا نأنس بها في الظروف العاديّة، لكنّها أصبحت ذميمة، وضارّة، كجلسات الإفطار الجماعي التي تحمل نكهة " كورونا"!!