646546465
646546465
روضة الصائم

اتباع الأسباب المعينة على غياب البلاء وذهابه وقطع أواصره وعدم الذهاب إلى منابعه

18 مايو 2020
18 مايو 2020

عدم دفعه يؤدي إلى استقرار المصائب -

أجرى اللقاء -  سيف بن سالم الفضيلي -

دعا كل من سيف المبيحسي وناصر السليماني المجتمع إلى أن يعمل على دفع البلاء وأن لا يستكان له، فالإنسان إذا لم يدفع البلاء استقرت عليه المصائب والفتن وصار غريقا بها. وأكدا أن دفع البلاء يكون بالصبر وباتباع أوامر الله ونهجه والرجوع إليه سبحانه وتعالى، والدعاء لله بأن يرفع البلاء ثم بالتقوى واتباع الأسباب المعينة على غياب البلاء وذهابه، وقطع أواصره وعدم الذهاب إلى منابعه خاصة ونحن في هذه الأيام نعيش هذا الوباء، ومن أهم الأسباب المعينة على كشف الغمة أن نتبع إرشادات اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع هذا المرض، وأن يحتسب الإنسان الأجر عند الله.

وأشارا إلى أن من معالم التربية النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام غرس اليقين بالآخرة في النفوس والتذكير بها وجعلها هي الهمّ والغاية التي يسعى إليها المسلم.. وإلى التفاصيل....

سيف بن ناصر المبيحسي الواعظ الديني بولاية بركاء تحدث بداية عن أخذ الإنسان بالأسباب التي تعينه على دفع البلاء كما أمر الله: قبل سنوات مضت وأنا أطالع كتابًا لأكتشف من خلاله الفرق بين الابتلاء والفتنة والمصيبة، فتبين لي بعد إعادة نظر وتفكر أن هناك تداخلا بين هذه المصطلحات والنتيجة الأخيرة التي وصلت إليها أن الابتلاء: هو ما يصيب الإنسان من أذى في ماله، أو نفسه، أو عرضه في الحياة التي يعيشها، ويكون البلاء حسنا عادة حسب مفهوم القرآن الكريم، ولا يكون البلاء إلا للمؤمن ليمحّصه الله ويرفع درجته وليختبره، (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا)، والفتنة: هي الابتلاء والاختبار والصد عن سبيل الله، ولها معانٍ أخرى في القرآن الكريم حسب السياقات القرآنية، والمصيبة: هي كل ما يؤذي المؤمن ويصيبه، إذًا من خلال السابق يتبين أن المصيبة تشمل الابتلاء وأن الفتنة تكون بلاء بعض الأحيان.

روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكانت خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرًا له)، إن الابتلاء سنة من سنن الله على عباده، فالابتلاءات والمحن والشدائد لها أثر في صقل الشخصية المسلمة ولا تتأتى هذه الآثار إلا لمن صبر عند البلاء، والمسلم لا يسأل الله البلاء أن ينزل به لكنه يسأل الله العافية، فإذا نزلت الشدائد والمحن والابتلاءات على المسلم ففي طياتها خير عظيم، وفوائد جمة ومنها، تذكر الله والتقرب منه سبحانه: لقد خلق الله الخلق لعبادته فقال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، وإن أشرف مقام هو مقام العبودية لله تبارك وتعالى، فوقوع الابتلاء على المسلم يزيده قربا من الله سبحانه وتعالى، ويزيده إيمانا به تعالى ويزيد العبد الصالح قوة وعزة وصلابة، لأنه يعلم أن الخير والنفع والضر والرفع إنما هو من الله وحده، ثم إن نزول البلاء بالمؤمن بعدما كان مطمئنا سعيدا معافى يورث في قلبه تعظيم الله عز وجل ومعرفة قدره وقهره وحكمته وعدله، وأنه يغير كل شيء من حال إلى حال، والذي أنزل البلاء يرفعه بحوله وقوته قال تعالى (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم)، ويقول تعالى مبينا الثواب بعد الابتلاء (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).

وأيضا التوبة النصوح والإنابة وتصحيح المسار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من يرد الله به خيرا يصب منه) فإذا تغير الإنسان وتبع الدنيا ونسي ما عند الله فمن رحمة الله عليه أن يصيب منه ويبتليه، ليذكره به وأنه تعالى مطلع على أمره وأنه تعالى بيده العطاء والمنع، فيتذكر الإنسان ويرجع إلى الله وينيب ويخبت لله تعالى.

كذلك محو الذنوب ورفع الدرجات: أن هذه الثمرة من دواعي الصبر عند البلاء لما يعلمه المسلم أن الابتلاء يكفر السيئات ويرفع الدرجات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

ومعرفة قدر نعمة العافية والتوجه لشكرها، فإنه لا يعرف قدر النعمة عادة إلا عند فقدها، ونحن نعيش في هذه الأيام ومع انتشار هذه الوباء نتذكر نعم الله تعالى علينا في خروجنا من بيوتنا ورجوعنا بكل أريحية، ونتذكر نعمة الأمن في الطرقات وفي المحلات وفي أفراحنا وفي أتراحنا، كلها نعم فقدناها بسبب هذه الوباء، الذي أرسله الله فنشكر الله على نعمه ونصبر وندعو إلى أن يزيل الله هذه الغمة.

كذلك تذكر أحوال المبتلين من المسلمين والدعاء لهم ومساعدتهم، فقد يكون بلاؤهم أشد، بسبب الحروب وبسبب الظلم الواقع عليهم من أعدائهم فإذا وقع البلاء على المسلم تذكر إخوانه فساعدهم أو على الأقل دعا لهم.

في الابتلاء تربية على التوكل، ولنا في غزوة أحد عبرة لمن أراد الاعتبار، فبعد الهزيمة والقتل والجراحات التي أصابت الرسول والصحابة رضوان الله عليهم، جاءت الأخبار أن قريش جمعت مرة أخرى الجموع لحرب النبي ومن معه، فقال الله مبينا ذلك (إن الناس قد جمعوا لكم- أي: أن الكفار قد جمعوا لكم- فاخشوهم- فماذا حصل- فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل).

والابتلاء يصقل الشخصية، فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر الناس بلاء، فقد بلي صلى الله عليه وسلم باليتم ثم موت الأم ثم موت الجد المعتمد عليه والفقر كذلك فكانت البلاءات تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ليصقل الله شخصيته وليجعله قادرا على حمل الرسالة، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الذي رواه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء، قال: الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة).

يقول سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي: (المسلم دائما حساس عندما تصيبه مصيبة يراجع نفسه، المسلم لا تستفزه النعمة، ولا تقنطه المصيبة من روح الله ومن رحمته، وإنما هو دائما حريص على محاسبة النفس، عند الضراء وعند السراء، فعندما يمد الله تعالى عليه بالسراء لا يخرج عن حدود الاعتدال إلى الاغترار والنظر إلى النفس فربما تكون هذه السراء ابتلاء من الله سبحانه وتعالى فإن الابتلاء بالشر والخير (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)، وقد يكون ذلك من باب الاستدراج، كما يقول تعالى «سنستدرجهم من حيث لا يعلمون»، وكذلك عندما يصاب بأي مصيبة في ماله أو في ولده، أو في أهله أو في نفسه أي مصيبة تصيبه يحرص على محاسبة النفس ولا تجعله هذه المصيبة يقنط من رحمة الله سبحانه وتعالى).

وأخيرا على المسلم أن يدفع البلاء ولا يستكين له، فالإنسان إذا لم يدفع البلاء استقرت عليه المصائب والفتن وصار غريقا بها، فالمسلم يدفع البلاء بالصبر أولا، واتباع أوامر الله ونهجه والرجوع إليه سبحانه وتعالى، والدعاء لله بأن يرفع البلاء، ثم التقوى فبالتقوى يرفع البلاء (ومن يتق الله يجعل له مخرجا)، وأيضا اتباع الأسباب المعينة على غياب البلاء وذهابه، وقطع أواصره وعدم الذهاب إلى منابعه، ونحن في هذه الأيام ونحن نعيش هذا الوباء من أهم الأسباب المعينة على كشف الغمة أن نتبع إرشادات اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع هذا المرض، وأن يحتسب الإنسان الأجر عند الله، ولنتدبر قول الله تبارك وتعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُون * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون * فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون).

النشء واليقين

وحول اليقين الذي يجب أن يكون عليه المسلم يقول ناصر بن محمد السليماني: اليقين هو ملاك الأمر والحاجز دون تردي النفس في مهاوي شهواتها لأن فيه ربط العمل بالجزاء ووصل المبدأ بالمصير وما قبل الموت بما بعده. ولأن اليقين بالحياة المطلقة الأبدية بعد هذه الحياة المقيدة الفانية هو مفترق الطرق بين أولئك الذين يعيشون في مضيق الحس لا يعرفون وجودًا إلا هذا الوجود المحسوس ولا متعة إلا هذه المتعة الفانية ولا هدفًا إلا ما يخص بحياة الأرض.

وأولئك الذين تفتحت مداركهم واتسعت آفاق أفكارهم فأيقنوا أن المحسوس ليس كل شيء في الوجود وأن هذه الحياة ليست هي كل وجود الإنسان وأن متعتها الفانية ليست هي كل شيء بالنسبة إلى منافعه ومصالحه وأن أهدافها يجب أن تكون وراءها أهداف أسمى منها قدرًا وأغلى منها قيمة فإن شأن هذا الإيقان أن يدفع بصاحبه إلى التفكر في العاقبة والجزاء على الأعمال وتكييفها بحسب رغبته في نوع الجزاء.

ولذا كان من معالم التربية النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام غرس اليقين بالآخرة في النفوس والتذكير بها وجعلها هي الهمّ والغاية التي يسعى إليها المسلم.

ولهذا نجد أن الله سبحانه وتعالى جعله من أهم صفات المؤمنين كما جاء في أول آيات الكتاب العزيز (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).

ونجد أيضًا القرآن الكريم لا تخلو صفحة من صفحاته من التذكير بالآخرة وما فيها وقد كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم ربط النفوس بالآخرة وبما فيها من النعيم المقيم وما فيها من الجزاء والعقاب الأليم لذلك قالوا: اليقين روحُ أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).

ومن هنا عندما يصل يقين الإنسان بالآخرة فإنه سيصلح لها العمل كما أنه سيسابق لنيل الفضائل وترك المنكرات.

وأيضًا يجعله شديد التعلق بالله سبحانه وتعالى فيعتقد أن ما يصبه من خير منه وحده وأن ما يصبه من شر فمن نفسه وأن الله قد قدر له كل شيء وقضى له بذلك فيحتسب الأجر بالشكر على النعمة والصبر على المصيبة.