١٣ق
١٣ق
المنوعات

نماذج عديدة محفوظة بقاعة "عظمة الإسلام" بالمتحف الوطني

11 مايو 2020
11 مايو 2020

إتقان وإبداع في خط وزخرفة المصاحف بأنامل الخطاطين العمانيين

- أقدم المصاحف العمانية بيد الناسخ الخطاط أحمد بن عبدالله الخليلي سنة 1028هـ

من المصاحب العمانية القديمة المكتوبة باليد[/caption]

العمانية: تزخر قاعة "عظمة الإسلام" بالمتحف الوطني بمسقط بالعديد من الكنوز التي تثري الزائر وتعرفه باسهامات العمانيين في العديد من مجالات العلوم، حيث تضم القاعة من بين المعروضات العديد من المصاحف العمانية المخطوطة التي أولاها النساخ والخطاطون العمانيون أهمية كبيرة، وتسابقوا في إتقانها وإبداعها وتتميز بجمال الخط، وحسن تجليدها وزخرفتها وتذهيبها.

وفي دار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة هناك عدد كبير من المصاحف المخطوطة تتجاوز 200 مصحف، يقول عنها محمد بن فايل الطارشي رئيس قسم تسجيل المخطوطات بالوزارة ان من بينها "مصاحف متميزة بطابعها الزخرفي واشكالها الهندسية والنباتية التي تتسم بالواقعية والتواضع وبالألوان الزاهية والتي حاول الخطاطون والنساخون العمانيون أن يبذلوا قصارى جهدهم في نسخ هذا النوع من المخطوطات بالخط العماني المميز والذي يجمع بين خط النسخ وخط الثلث الذي يعمد الى استخدام الخطوط المتشابكة في بداية المخطوط ونهايته".

وأضاف الطارشي الذي أعد بحثا في هذا المجال: "أن الخطاطين والنساخ العمانيين استخدموا في نسخ المصاحف العديد من الأدوات لرسم الاشكال الهندسية منها الدائري والبيضاوي والمستطيل والمربع وطغى على هذه العناصر الزخرفية الألوان والأحبار السائدة آنذاك مثل اللون الأحمر والأسود والأزرق والبني واستخدام الزخرفة بماء الذهب في أضيق الحدود، وتجلت تلك الزخرفة في اللوحات الفنية البديعة في أول المصحف وفي آخره والتي نطلق عليها الصفحة الاستهلالية أو الاستفتاحية وفي قيد الختام أو حرف المتن وأيضا في فواتح السور وأطر الصفحات وفي الحواشي والهوامش التي تضم علامات رؤوس الآيات والأجزاء والأحزاب ومواضع السجدات ويلي ذلك ويسبقه كثير من التقييدات كالوقف والتملك والشراء والإعارة إضافة الى العديد من الظواهر الكتابية في أول المصحف وآخره والتي تشكل لوحات فنية بديعة، فمثلا كتبت أبيات شعرية في آخر المخطوط خصوصا عندما تكون قيود الختام في المخطوطات منفصلة عن النص وهو ما يجعل بعض النساخ يزيدون بعض الأبيات في نهاية المصحف تعبر عن معاناتهم وما بذلوه من جهد. فمثلا:

(وما من كاتب إلا سيفنى *** ويبقي الدهر ما كتبت يداه)

وأيضا من الظواهر الكتابية الآيات القرآنية، فأحد المصاحف المشهورة وهو مخطوط "المصحف السندي" وهو للخطاط محمد بن فاضل السندي نسخ في سنة 1179 هـ ختمت نهايته بأية قرآنية من سورة الأنعام (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم)".

وبين الطارشي انه "لم تقتصر أيضا الزخرفة عن الظواهر الكتابية وأول المخطوط وآخره بل امتدت الزخرفة أيضا الى دفتي المخطوط وهو الجلد وأيضا الى لسانها وداخلها، فقد تم تبطين بعض المصاحف بقماش من الحرير، والتبطين هو نوع من الزخرفة بألوان الإبرو وهي زخرفة مستوحاة من مصاحف فارسية ظهرت في القرن العاشر".

وأشار الى أن "بعض المصاحف المحفوظة في مكتبة وزارة التراث والثقافة ورد بعضها الى الوزارة ومنها مصاحف عمانية كتبت بأيدي نساخ عمانيين، وبعضها مصاحف غير عمانية وهي مصاحف مغاربية فارسية وتركية، وعليها تقييدات ووفيات الملاك وواقفين عمانيين، وتم حصر وتوصيف وفهرسة المصاحف وقدرت بأكثر من 300 مصحف ومخطوط وربعة قرآنية ( الختمة، عدد أجزاء القرآن تجزئة 30 جزءا) وكان يقيد عليها كثير من تواريخ الوفيات، ويتضح من خلال هذه التقييدات ان هذه الختمة تقرأ على روح الاموات ويكتب خاتم القرآن هذا التقييد، وكانت أيضا هذا الختمة تؤجر لمن يقرأها على روح الميت، وقد وقفت على كثير من تلك التقييدات وبعضها به ثمن الاستئجار".

وأضاف " لقد قمت بدراسة مصاحف امتدت من القرن الحادي عشر الى الرابع عشر الهجريين، وأقدم المنسوخ من المصاحف العمانية المخطوطة في خزانة ابي الحكم أحمد بن عبدالله الحارثي ونسخ سنة 1028هـ بيد الناسخ الخطاط أحمد بن عبدالله الخليلي".

وقال إن دراسته "قسمت المصاحف موضوع البحث الى مصاحف تامة معروفة الناسخ بالتصريح أو القرائن ويقدر عددها بأكثر من 50 مصحفا، ومصاحف غير تامة مجهولة الناسخ والتاريخ وهي الاكثر ويقدر عددها بأكثر من 250 مصحفا".

وأوضح محمد الطارشي أن تلك المصاحف التي تتبع دراستها اتخذت شكلان وعائيان هي المصاحف والارباع حيث بلغ عدد المصاحف 260 مصحفا بالإضافة الى 40 ربعة قرآنية وختمة، وأغلب تلك المصاحف تأخذ الشكل العمودي".

وحول مقاس المصاحف العمودية بمكتبة وزارة التراث والثقافة قال الطارشي إن "أكبر مقاس وقفنا عليه 36 سنتم في 25 سنتم، وأصغرها 16 في 10 سنتم وهو عبارة عن ربعة قرآنية، وبين هذين المقاسين جاءت بقية المصاحف"، مشيرا الى اندر المصاحف المخطوطة والمحفوظة بمكتبة الوزارة مصحف القراءات السبع بخط الناسخ الخطاط الشيخ عبدالله بن بشير بن مسعود الحضرمي الصحاري في القرن الثاني عشر الهجري وهو يصنف من النساخ البارعين لروعة خطه، وهو أيضا عالما ومؤلفا وله تصانيف فقهية ومن آثاره العلمية "الكوكب الدرئ" و "النور المستبين" و " مختصر كتاب المصنف" وغيرها ، وفرغ الحضرمي من كتابة المصحف الشريف في السادس من محرم سنة 1253 هـ، وهو أحد مصاحف عديدة كتبها بخط النسخ الجميل.. وجعل اللون الأسود هو الأساس، ولون بالأحمر: السطر الأول من بداية كل جزء، أسماء السور، واسم الجلالة، والبسملة، وأول حرف من كل سطر، وكان الحضرمي بارعا في تنسيق الصفحات والأسطر؛ إذ تبدأ كل صفحة بأول آية وتختم بنهاية آية، والحرف الأول الذي يبدأ به السطر الأول هو الحرف نفسه الذي يبدأ به السطر الأخير في الصفحة، كما أن أول حرف من السطر الثاني من أعلى الصفحة هو أول حرف من السطر الثاني من أسفلها، وهكذا بقية الأسطر، ويستمر التنسيق بهذا التناظر في بقية الصفحات، أما السطر الثامن في وسط الصفحة اليمنى فإن أول حرف منه هو الحرف نفسه في أول السطر الثامن من الصفحة اليسرى.

ومن المصاحف العمانية بدار المخطوطات مصحف /الريامي/ الذي لا يجد المتصفح له أي نقش أو زخرفه وهو مصحف كتبه الأديب النسابة عامر بن سليمان الريامي من علماء القرن الثالث عشر الهجري وفرغ من كتابته في منتصف ذي الحجة 1240هـ ويجد القارئ التلوين والزخرفة في صفحتيه الأوليين فقط، ولكنها زخرفة هادئة كأنما هي قطعة نسيج من التراث العماني القديم أما خط الناسخ فغير مميز لكنه واضح ومقروء، متباعد الأسطر، ولا يجد المتصفح له أثر لزخارف تذكر، بل تخلو صفحات المصحف عادة من التأطير ولون الخطاط بالأحمر أسماء السور التي يحيطها بإطار أحيانا وأحيانا دونه.

ومن بين مصاحف الدار أيضا مصحف حمل اسم /مصحف الوايلي/ وهو من بين النماذج التي تظهر فيه بساطة مخطوطات المصاحف العُمانية وخط المصحف الناسخ سليمان بن مطر الوايلي وفرغ منه في يوم الاثنين 2 جمادى الأولى 1291هـ ولا يجد المتصفح لهذا المصحف أي زخارف تذكر سوى إطار من خطين متوازيين باللون الأحمر أحيانا وهذا النمط من المصاحف شائع بكثرة عند أهل عُمان، وهو ينطلق من مبدأ يعتبر مكمن الجمال ليس في الزخارف والنقوش والزينة، إنما في البساطة التي تكسب القارئ الراحة والسكينة وفي وضوح الخط وضبط الشكل الذي يعينه على قراءة صحيحة متقنة للقرآن الكريم وله أمثلة كثيرة في مخطوطات الدار.