117
117
روضة الصائم

غزوة بدر الكبرى .. غيّرت مجرى التاريخ وأظهرت انبلاج النور المحمدي بمكة المكرمة

10 مايو 2020
10 مايو 2020

حدثت بين فئتين متحدتين في الأصل والنسب مختلفتين في الفكر والهدف -

التقاهــــمــــا: سالم الحسيني -

غزوة بدر الكبرى.. حدث عظيم في سجل التاريخ الإسلامي، غيّر مجرى الأمور التي كانت تسير عليها الحياة بين العرب، وهي منعطف نحو تغيير خارطة الطريق الذي أظهر انبلاج النور المحمدي في أرض مكة المكرمة حرسها الله، ودار دورة في محيط الأرض المقدسة، بعد أن اشتد الظلم البشري على قائد الدين الجديد والرسول المؤيد بالوحي، حينها طار سابحا في الكون ليحط في أرض يثرب التي أصبحت الحصن الحصين والبلد المكين، التف حول النبي صلى الله عليه وسلم ثلة مهاجرة قابلتها ثلة مناصرة، فانطلقت نشأة الدولة الإسلامية من أرض يثرب.

حول هذا الحدث التاريخي العظيم الذي يصادف ذكراه السابع عشر من رمضان نستلهم منه بعض الأحداث والعبر لتكون نبراسا نستضيء به طريق العزة والكرامة ونستنشق من ذكراه عبق الماضي الجميل من خلال هذا اللقاء:

يقول بداية عامر بن سعيد السليمي: إن غزوة بدر الكبرى أو يوم الفرقان التي حدثت صبيحة السابع عشر من شهر رمضان للسنة الثانية للهجرة، الثالث عشر من مارس 624 للميلاد أي قبل 1439 عاما من الآن بماء بدر جنوب غرب المدينة المنورة بين فئتين متحدتين في الأصل والنسب مختلفتين في الانتماء والفكر والهدف في الحياة متضادتين في العقيدة الأولى الفئة الناشئة قليلة العدد والعدة صاحبة مبدأ وعقيدة والثانية صاحبة تقليد ورثته من الآباء والأجداد جاءت بقبليتها وعنصريتها البغيضة يجمعها الخوف من الفئة الناشئة أن يظهر أمرها ويعلو صوتها ظنًا منها أن ظهورها معناه أفول مكانتها بين العرب ولم تع أن هذه الفئة جاءت بدعوة هدفها وهمها إخراج الناس جميعًا من الظلمات إلى النور.

وكان سبب محاولة المسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم السيطرة على قافلة تجارية قادمة من بلاد الشام متجهة إلى مكة المكرمة تحمل على ظهرها تجارة كبيرة لأهل مكة المشركين الذين استحوذوا على دور المسلمين وأموالهم وجميع ممتلكاتهم في مكة، بل سوم بعضهم للسماح له بالهجرة مقابل التنازل عن أمواله فتركها للمشركين لينجو بنفسه مهاجرا إلى الله ورسوله. فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم العير من الشام خرج ليقطع الطريق عليها لأجل استعادة بعض من حقوق المهاجرين المسلوبة في مكة من قبل المشركين، ولما بلغ خبر خروج النبي صلى الله عليه وسلم لملاقاة القافلة قائدها أبا سفيان بن حرب الذي ما انفك يتحسس الطريق ذهابا وإيابا لأنه يعلم يقينا بأن المسلمين لا يمكن أن يتنازلوا دون استرجاع حقوقهم المسلوبة أرسل إلى قريش يستنجدهم بكل قوة ويحركهم بشدة، وقد جاءهم المستنجد بأسلوب قوي يطلب النجدة فاستشاطوا غضبا واجتمعوا لإنقاذ قافلتهم فخرجت بطون قريش كلها وانتدبت أكابرها لهذه المهمة ولما أصبحت القافلة الآن في منأى عن الخطر فأرسل أبو سفيان قائدها الخبر إلى المكيين وهنا بدأ صفهم يختلف فبعضهم رجع وبعضهم أبى إلا أن ينزلوا ماء بدر ويبقوا في أرضها ثلاثة أيام يرقصون ويغنون ويذبحون حتى تسمع بهم العرب بقيادة أبي جهل عمرو بن هشام.

وأضاف: ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم  وأصحابه رضوان الله عليهم بنجاة العير وقدوم قريش تدق طبول الحرب والقتال استشار أصحابه ماذا يفعل لجس النبض ومعرفة الموقف وبالأخص في وثيقة بيعة العقبة أن الأنصار يقاتلون مع النبي صلى الله عليه وسلم في حدود المدينة فقط فسمع صلى الله عليه وسلم من الأنصار والمهاجرين جوابا يدل على عمق تعلقهم بنبيهم الحبيب وتمكن العقيدة منهم وحب التضحية لدينهم وعلاقة قوية جدا بربهم، وكان الأرجح أن اللقاء سيكون في أرض بدر فسارع المسلمون إلى المكان فوصلوا قبل المشركين فاستحوذوا على الماء وغوروا الباقي حتى لا يشرب منه المشركون وأعد الرسول عليه الصلاة والسلام صفوف المسلمين بطريقة جديدة لا بطريقة الفر والكر المعهودة عند العرب، وبدأت المعركة بمحاولة الأسود بن عبدالأسد للشرب من حوض المسلمين فقتل ثم بالمبارزة بين أبطال الجانبين حسم بقتل المسلمين لخصومهم من المشركين فخر صريعًا الوليد بن عتبة وعتبة وشيبة أبنا ربيعة. فهجم المشركون على المسلمين مستخدمين أسلوب الكر والفر فكان لهم المسلمون بالمرصاد يرشقونهم بالنبال ويصدونهم بالرماح حتى حدثت فيهم مقتلة وحاولوا مرات لكسر سد المسلمين والمسلمون يستميتون للدفاع عن أنفسهم وهكذا حتى حدثت في المشركين مقتلة كبيرة فبدأوا بالتقهقر والهروب والمسلمون وراءهم يقتلون ويأسرون ويغنمون.

وقد انتهت المعركة وكانت نتائجها كبيرة مادية ومعنوية، أما المادية: فقد ارتقى من المؤمنين أربعة عشر شهيدا مرضي عنهم موفين بعهدهم مع ربهم ونبيهم مقبلين لا مدبرين ستة من المهاجرين الكرام وثمانية من الأنصار الأوفياء، وقتل من المشركين سبعون رجلا وهم من قادة وصناديد قريش على رأسهم فرعون هذه الأمة أبو جهل عمرو بن هشام قائدهم وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف، وغنم المسلمون غنائم كثيرة، وأسر المسلمون من المشركين سبعين رجلا.

أما الجانب المعنوي فقد ارتفعت معنويات المسلمين وشهدوا صدق ما وعدهم ربهم وما بشرهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم.

تجليات البشرى من غزوة بدر الكبرى

من جهته قال موسى بن قسور العامري: عُرفت معركة بدر على أنها أُولى المعارك التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وقبل وقوعها حدثت مجريات ساهمت بقدر كبير في إشعال فتيل الحرب، منها أسباب مباشرة تمثلت في القافلة التي خرج بها أبو سفيان والتي كان جزء منها من أموال المسلمين نهبت على يد المشركين، فأرادوا استردادها والاستيلاء على ما بقي من الأموال بحكم أنهم في حرب وأموال العدو مباحة، والسبب الآخر، عدم رجوع جيش قريش عن الحرب حتى بعد علمهم بنجاة القافلة.

وأضاف: إنه عندما قرر النبي صلى الله عليه وسلم الخروج، واستعد له خرج معه ثلاثة مائة وبضعة عشر رجلا، فكان معهم فَرسَان، فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد بن الأسود الكندي، وكان معهم سبعون بعيرا، يتعاقب عليه الرجلان والثلاثة على بعير واحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ومرثد بن أبي مرثد يتعاقبون بعيرا واحدا، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم القرشي العامري في البداية على الصلاة وإدارة شؤون المدينة، فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة واستعمله على المدينة. وتحرك النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش نحو ماء بدر وهو في الطريق بعث بسيسة ابن عمر الجهني، وعدي بن أبي الزغباء الجهني إلى ماء بدر لاستطلاع أخبار العير، فأدرك أبو سفيان بحنكته واستخباراته التي نقلت له الأخبار أن المسلمين أرسلوا من يتقصى أخبار قافلته، وحدث أن رجلا من المشركين أراد الخروج مع جماعة المسلمين وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاتل معه ولكن اعتزاز النبي صلى الله عليه وسلم بدينه رفض طلب الرجل ورده وقال له: (ارجع فإني لا أستعين بمشرك) فكرر الرجل المحاولة فرفض النبي قبوله حتى أسلم، فقتل بعد ذلك في جيش المسلمين، كما رد النبي صلى الله عليه وسلم صغار السن كالبراء بن عازب وعبدالله بن عمر وهذه تجليات الرحمة بالصغير الذي لا يطيق ولم يكلف بعد.

وأوضح العامري قائلا: وفي الخطة التحرك نحو ماء بدر وصل الخبر لأبي سفيان بقدوم جيش النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فأرسل ضمضم بن عمر الغفاري إلى قريش يستنفرها للخروج لحماية القافلة، فدخل ضمضم مكة بشكل مثير ملفت إذ حول رحله وَجَدَع أنف بعيره وشق قميصه من قبل ومن دبر وهو ينادي: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرضها محمد وأصحابه لا أرى أنكم تدركوها الغوث الغوث. ولما أَمِن أبو سفيان على القافلة أرسل رسالة لزعماء قريش وهو بالجحفة يخبرهم بنجاة القافلة ويطلب منهم الرجوع لكنهم أصروا على القتال، ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبر نجاة القافلة شاور أصحابه في الأمر فكان رأي بعضهم عدم القتال لأسباب منها: عدم التكافؤ وعدم الاستعداد، وقد صوّر القرآن الكريم هذا المشهد في قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ)، وفي مكان الاستراحة مع الصحابة أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف ما في أنفس المهاجرين والأنصار، وبعد أن تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من قوة أصحابه وشجاعتهم، على خوض القتال خرج هو وأبو بكر يستكشف المنطقة، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية، وفي جو مفعم بالتفاؤل والشجاعة والإقدام بدأت المعركة بداية بالمبارزة ثلاثة من المسلمين وثلاثة من المشركين وهم على التوالي: عبيدة بن الحارث وحمزة وعلي ومن جيش المشركين عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد فكان النصر للمسلمين واستشهد عبيدة حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (أشهد أنك شهيد)، وبعد مقتل الثلاثة ازداد غضب المشركين وهجموا على المسلمين مع صمود المسلمين وثباتهم على مواصلة القتال وتشجيع النبي لهم وكان شعارهم: «أَحَد أَحَد» ثم أمرهم بالهجوم المضاد واعدا من يقتل صابرا محتسبا بأن له الجنة ومما زاد في اندفاع المسلمين وحماسهم ونشاطهم سماع قوله صلى الله عليه وسلم يقول: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُر)، وكان قد رأى في منامه ليله اليوم الذي التقى فيه الخصمان عدد المشركين قليلا وقد قص رؤياه على أصحابه فاستبشروا خيرا قال تعالى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

مع المدد الإلهي ونزول الملائكة تقاتل في صفوف المسلمين في قوله تعالى: (إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا المدد من السماء الثالثة، بقيادة جبريل عليه السلام. وبذلك انتهت المعركة بانتصار المسلمين وهزيمة الكفار، ونتج عن ذلك عدة أمور منها: قوة شوكة المسلمين وذاع صيتهم بين القبائل، وتحقق البناء السياسي لدولة المسلمين الجديدة، واسترداد المسلمين لأموالهم المنهوبة من قريش ومعها نافلة وزيادة ثقة المسلمين بالله تعالى وبرسوله الكريم مما ساعد كثيرا من المشركين الدخول في الإسلام.