صضصي
صضصي
المنوعات

لقاءات وأمسيات عن بعد.. الفعاليات الثقافية الافتراضية والمشهد الثقافي بعد «كوفيد ١٩»

10 مايو 2020
10 مايو 2020

- مبارك الحمداني: الفعاليات الافتراضية حررت من قيود التنظيم الواقعي وبروتوكولاته

- حسن المطروشي: الفعاليات الافتراضية حلول مؤقتة للإبقاء على نبض الفعاليات

- هاجر السعدية: المشهد الثقافي الرقمي سيروق للنساء أكثر من الرجال.

- د. خديجة الشحية: التواصل عن بعد قلص كثير من التعقيدات والالتزامات المالية.

استطلاع: بشاير السليمية

لم يتوقف الأفراد والمؤسسات الثقافية منذ انتشار جائحة «كوفيد ١٩»، وما حدث احترازا من منع للتجمعات، من مواصلة إقامة الفعاليات الثقافية والفنية والأدبية، وحتى حلقات العمل والحوارات مع الفنانين والأدباء والشعراء، فأصبحت منصات التواصل الاجتماعي صالات ثقافية مفتوحة للجميع. فطرحنا سؤال «ما مدى تأثير الفعاليات الثقافية الافتراضية (عن بعد) في تغيير المشهد الثقافي بعد أزمة كورونا؟» على مجموعة من الكتاب والباحثين.

ثمار التحولات

مبارك الحمداني[/caption]

يقول مبارك الحمداني كتاب باحث في علم الاجتماع: «أعتقد أنه فعلياً أصبح هناك تأثير لجائحة (كوفيد 19) على المشهد الثقافي. ويمكن رصد هذا التغير ليس فقط على مستوى الكم في الفعاليات والمناشط الثقافية المقامة (عن بعد) وإنما أيضاً في تحفيز قدرة أفراد المجتمع على الفعل الثقافي».

وأضاف: «إلا أن رصد التفاعل المجتمعي مع مثل هذه الفعاليات يكشف لنا أنها أثمرت في عدة تحولات هي تقليص الحدود والتحديات الفيزيقية التي كانت تفرضها الفعاليات والمناشط المقامة على الواقع بما في ذلك تحديات الزمان والمكان وتحديات القدرة على الالتحاق. وزيادة مستوى الموصولية عن طريق المتابعة الافتراضية لمختلف الفئات وقد تكون في بعض الأحيان بهويات افتراضية وبالتالي تقليص أثر المحددات التي يفرضها الحضور الواقعي للتفاعل مع المشهد الثقافي. وظهور نماذج لتجارب جديدة في الحقل الثقافي أو ما يمكن تسميته فاعلون ثقافيون جدد وهم ليسوا من الأشكال المعتادة في المشهد الثقافي، وبالتالي اتساع لمفهوم الثقافة إلى أفقها الأوسع الذي يحتمل استيعاب كل أشكال التجربة الإنسانية الرائدة من الفعل البشري/الإنساني. والتحرر من قيود التنظيم الواقعي والحاجة إلى الموارد وبروتوكولات التنظيم التي غالباً ما تكون مقيداً لبعض الأنشطة والفعاليات الثقافية.

‏والتحرر من التراتبية المجتمعية والرمزية للفعل الثقافي بمعنى أن هذه الفعاليات تجعل الفاعلين والمتلقين في خط سواء. فليس هناك راعٍ للفعالية الثقافية وليس هناك صف أول في الحضور يفرض بروتوكولاً في التعامل معه ويفرض سلطة رمزية في توجيه الطرح، كما أنها وسعت أفق الطرح وإن كان يجري في غرف مغلقة. وتعدد المنصات يعني بالضرورة زيادة قدرة الأفراد على صنع منصاتهم الذاتية. فأصبح لكل فرد منصته الثقافية خاصته وروزنامته الثقافية التي يؤطرها خلال أيام/ أسبوع/ شهر.

‏عززت الفعاليات الافتراضية (عن بعد) أنماط ثقافة العزلة سواء من الناحية الأدبية أو الفنية فلن يكون من المستغرب أن غالبية النتاج في المرحلة اللاحقة يوسم تحت مسمى (أدب كورونا) أو (لوحات من زمن كورونا) أو (أفلام من حقبة كورونا) وبالتالي فإن هذه المرحلة ليست تأريخاً للمجتمع في سياسته أو اقتصاده أو اجتماعه وإنما أيضاً في ثقافته وفعله الثقافي."

إشكالات المشهد

‏وواصل الحمداني: «ولكن على الجانب الآخر لا يخلو المشهد من بعض الإشكالات التي قد تبدو عرضية في هذه المرحلة منها غياب الاحتكاك الثقافي المباشر الذي قد يكون مرتداً على جدلية الحوار والتفاعل والنقاش، أيضاً هناك بعض المنصات التي آثرت الاهتمام بالكم على الكيف فيما تقدمه من أشكال الفعاليات، إضافة إلى غياب التنسيق والتكامل في عمل بعض المنصات نتيجة بروز العامل الشخصي بشكل طاغٍ على مثل هذه المنصات. فتجد بعض الموضوعات مكررة خلال أيام متوالية أو بعض الشخصيات تقدم الطرح ذاته في منصات مختلفة خلال أيام متوالية. ولكن في تقديري أن هذا الأمر سيجد مع الوقت ضالته إلى التنسيق وترقية نوعية المحتوى والطرح المقدم».

ليست بديلا نهائيا للفعاليات الثقافية

حسن المطروشي[/caption]

وقال الشاعر حسن المطروشي: «لا أتوقع حدوث تحول كبير أو جذري في الفعاليات الثقافية بعد كورونا. الفعاليات الافتراضية تمثل نوعا من الحلول المؤقتة في لحظة طارئة للإبقاء على نبض الفعاليات حيا وساريا، فرضتها اشتراطات المرحلة وظروفها القاهرة. هي نوع من محاولات تكيف الكائن مع تحولات محيطه وتقلباته المتتالية، ولكنها لن تكون البديل النهائي للفعاليات الواقعية. الواقع سيبقى واقعا والافتراضي سيبقى افتراضيا، وبينهما برزخ عميق لا يبغيان ولا يلتقيان. قد تكون الخيارات الافتراضية جيدة ومفيدة لبعض النشاطات الرسمية كالاجتماعات واللقاءات النقاشية المحدودة، وربما المحاضرات للطلاب وغيرها. أما بالنسبة للفعل الثقافي فالأمر مختلف تماما».

وأضاف: «لا نقلل من قيمة النشاط الافتراضي وما يمكن أن يحدثه من تجديد وأفكار في النشاط الثقافي مستقبلا، وبكل تأكيد سيتعزز، وفقا لطبيعة الحياة وإيقاعها المتحول على الدوام. وقد بدأت العديد من المتاحف وصالات الفنون، منذ فترة، في عرض محتوياتها إلكترونيا، إلا أن ذلك لن يمثل بديلا عن الزيارة الحقيقية لهذه المتاحف والاطلاع على كنوزها عيانا. تماما مثل فكرة السياحة الافتراضية، إذ بإمكان المرء رؤية أجمل الجزر والتجول افتراضيا في أنقى الشواطئ والمشي في أشهر الشوارع والمدن، ولكن ذلك لا يمنحك صفة الزائر الحقيقي لهذه الأماكن، ما دمت لم تشم هواءها ولم تستظل بسمائها".

وواصل: "أعتقد أن الفعاليات الافتراضية لن تكون بديلا عن القاعة للأمسية الشعرية، أو بديلا عن صالة العرض أو المرسم أو الجالاري للفنون التشكيلية والتصوير الضوئي، أو بديلا عن الخشبة للمسرح، أو بديلا عن قبة الأوبرا للعروض الأوبرالية. ومع ذلك ستدخل التكنولوجيا كشريك في اقتسام المتعة».

التحول الرقمي نصير المرأة

هاجر السعدية[/caption]

وقالت هاجر السعدية، باحثة في علم الاجتماع: «لا يمكننا أن نستقرئ بالجزم عن صورة المشهد الثقافي ما بعد كورونا، لا سيما أننا ما زلنا في وقت الذروة لكوفيد ١٩، السبب يعود لارتباط هذا المشهد بالإنسان- الفاعل- وجميعنا نعلم أن الإنسان معقد التركيب، بيد أن يمكننا قراءة هذا المشهد استنادا على بعض المؤشرات التي تصف المجتمعات بعد كورونا إلى أنها ستتحول إلى الرقمية من باب رفع الفاعلية والكفاءة وتيسير الخدمات».

وأضافت: يبدو لي أن المشهد الثقافي الرقمي سيروق للمجتمع النسوي أكثر من الرجال من منطلق ارتباطات المرأة مع الأسرة والمنزل، فسوف تجد تحول المشهد الثقافي إلى الرقمية أفضل وأسهل، بينما الرجل بحكم قلة التزامه مع المنزل فيفضل الخروج واللقاء مع الأصدقاء واقعيا، فيبدو له الأمر ضرب عصفورين بحجر!

وتابعت: «هناك وجهة نظر تقول: إن كورونا سيكون من نصير المرأة، بعدما كانت تتعذر مشاركتها في المجتمع لأسباب أسرية، ففترة كورونا تبين أن المرأة الموصوفة أعلاه سوف تستطيع المشاركة بسبب التحول الرقمي، وكذلك على صعيد العمل والمشاركة الاقتصادية!»

فضاءات حوارية ثرية

د.خديجة الشحية[/caption]

وقالت الدكتورة خديجة الشحية معدة برامج إخبارية بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون: «ستؤثر بالقدر الذي نجحت فيه عن بعد. لم تعد الفعاليات الثقافية ناجحة فقط بوجود المتحدثين والجمهور عن قرب، بل بات بالإمكان التعاطي والتفاعل عن بعد، وهذا ما سيوجد فضاءات حوارية ثرية خلال الفترة القادمة بعد انحسار جائحة كورونا كليا.

وهذا ما أكدته جميع النشاطات والحراك الثقافي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فباتت محطات نشطة صنعت من المتابع العادي محاورا جيدا وإداريا فاعلا لكثير من الموضوعات واللقاءات في مختلف المجالات».

وأضافت: «التواصل عن بعد قلص كثير من التعقيدات والالتزامات المالية، وجعل المنصات الحوارية أمرا سهلا، وهذا ما سوف تعتمده بعض الجهات سواء الثقافية أو الاقتصادية مستقبلا».

إعادة النظر في المفاهيم

وتضيف الباحثة إيمان الحوسني: «أولا لا يمكننا الجزم بما سيحدث بعد كورونا من تغيير في المشهد الثقافي، ولكن يمكن أن نعطي رأينا الشخصي البسيط المبني على ملاحظات فقط. لن يحدث تغيير في المشهد الثقافي بعد كورونا دون إعادة النظر في بعض المفاهيم ومنها حرية الرأي والتعبير والمدى الذي يمكن أن تصل إليه في ظل القيود الأسرية والمجتمعية وغيرها، وذلك لأن الحديث عن التغيير يعني ارتباطه الوثيق بمدى حرية الفرد وأي جهود في التغيير دون النظر إلى هذا ستكون عبثية وتدور في دائرة مغلقة. وثانيا: في ظل بعض الآراء السلبية والمتعارضة حول الثقافة والمثقفين، لابد لنا من إعادة نظر أيضا في مفهمونا للثقافة ولماذا قمنا بتقسيم المجتمع إلى مثقفين وغير مثقفين. وحينما نصل إلى مستوى أوضح من الفهم، حينها يمكننا الحديث عن إمكانية التغيير. فضلا على أنه دون تطبيق فعلي لآرائنا وما نتناقش حوله فإنها لن تكون أكثر من حديث وفضفضة على مواقع التواصل الاجتماعي».