Screen Shot 2020-04-14 at 1.14.24 PM
Screen Shot 2020-04-14 at 1.14.24 PM
أعمدة

بين الـ «هوة الثقافية» وتكاملها

08 مايو 2020
08 مايو 2020

أحمد بن سالم الفلاحي

[email protected]

يطلق مصطلح «الهوة الثقافية»– حسب التعريف– على: «اختلال التوازن في سرعة النمو بين عناصر الثقافة، بحيث يتغير كل عنصر بسرعة متفاوتة عن العنصر الآخر، كأن يتغير أحد العناصر بسرعة، والآخر ببطء، أو لا يتغير إطلاقا، كتقدم الصناعة مع بقاء أوضاع الأسرة دون تغيير»- انتهى النص– بينما في التكامل الثقافي على العكس من ذلك تماما، حيث تتابع العناصر في تغيرها بصورة سلسلة متدرجة، ودون أية مطبات، وذلك؛ وحسب مفهوم التكامل الثقافي؛ فإنه عندما يسود المجتمع مستوى ما من الوعي، والمعرفة؛ المؤسسين للعناصر الثقافية، فإنه يفترض أن يسود التكامل الثقافي، ولا يكون للهوية الثقافية مساحة واضحة وملموسة، إلا في نطاق ضيق، وذلك وفق ما هو مقبول في كل مساقات الحياة اليومية لدى البشر.

ولذلك فوضوح الـ «هوة الثقافية» في مجتمع ما، يستدعي في المقابل حالة طارئة من شأنها أن تتقصى مناخات هذه المسألة، والوقوف على مظانها الصغيرة والكبيرة، لأنه تنبئ عن مشكلة ما، وتقيّم على أنها مشكلة كبيرة، لأنها تتقاطع تقاطعا مباشرا مع مستوى الوعي الذي يصل إليه أبناء المجتمع، وعند اكتشاف الخلل في عنصر ما، من عناصر الثقافة، عندها يبدأ العلاج، بمختلف الوسائل التي يرى فيها الخبراء أنها الأجدى والأكثر من غيرها، حيث يتم التركيز عليها، لأنه– يفترض دائما– على أن أفراد المجتمع حالة «خام» تنطلق من فطرتها الأولى، وبالتالي؛ وما دام الأمر كذلك؛ فهنا يستلزم الأمر أن تدخل العوامل المؤثرة في إرباك حالة الـ «خام» هذه وتطويعها بما يتفق مع ما وصلت إليه بقية العناصر الثقافية المؤثرة في المجتمع، مع الأخذ في الحسبان أن كثيرا من أفراد المجتمع ليس يسيرا تطويعهم بما تذهب إليه بقية العناصر الثقافية، أو الوصول به إلى ما وصل إليه غيرهم من الأفراد الذي يتقاسمون معهم نفس البرامج، والمغذيات، والدفوعات بالوسائل الأخرى، فحالة الفرد كما هو معلوم بالضرورة قائمة على المناكفة، وعلى العناد، وعلى التريث، وعلى التجربة، وعلى المقارنة، وهذه عوامل تؤخر كثيرا، وتؤثر على الرسائل الموجهة لتطويع الأفراد وفق سياق برنامج معين، وإن حُمّل، أو طعّم، أو غُذي بالمفاهيم الوطنية، أو الإنسانية، فـ «الفلترة» الفنسية الموجودة عند كل واحد منا، ليس يسيرا تمرير كل الموجهات والمغذيات والدفوعات من خلالها، فكل هذه لا بد أن تدخل في مساحة هذه «الفلترة» وتمكث فترة من الزمن لاستيعابها وهضمها، أو رفضها بالمطلق، وتكمن الصعوبة هنا في أن كل فرد من بيئة أسرية مختلفة، ومكّون من عوامل جينية ممتدة لأجيال مختلفة، ومن وعي مُحمّل بحمولة من المغذيات من بيئات اجتماعية متعددة، قريبة كانت أو بعيدة.

والخلاصة؛ أن مسألة تكامل العناصر الثقافية عند الفرد تعتريها الكثير من التحديات والصعوبات، ولذلك نرى عندما تسعى الحكومة؛ بشكل عام؛ إلى تبني برامج معينة، أو خطط معينة، وتريد أن يكون الفرد في المجتمع عنصرا مهما في تفعيل ذلك، ستجد أن ردة الفعل ليست متوافقة؛ فضلا عن أن تكون متساوية؛ وقد تكون صادمة، وتطويعها ليس يسيرا مطلقا، على الرغم من أن جل أبناء المجتمع قريبون جدا من كثير من التوجهات، وقد يكون كثير منهم من المشاركين في صنع برنامج ما، بصورة أو بأخرى، ولنا أكبر مثال الموجود في واقعنا الذي نعيشه اليوم، وهو التعامل «ثقافيا» مع جائحة العصر (كورونا – كوفيد19) فبالرغم من حملة البرامج التوعوية المكثقة التي تنفذها مختلف الجهات المعنية، ومن استيعاب أفراد المجتمع لخطورة الوباء، إلا أن مستوى الاستجابة للتوجيهات تكاد تكون أقرب إلى الضعف منها إلى القوة، انعكاسا للعوامل السابق ذكرها، وربما تكون الاستجابة قوية عندما يقع أحد الأفراد، أو أحد من أسرته في مطب الجائحة، عندها فقط يتحول الفرد إلى ناصح أمين.