ثثثثث
ثثثثث
أعمدة

هل يعيد زمن الكورونا «الأم الضائعة»؟

08 مايو 2020
08 مايو 2020

ديانا محمود

ليست كل المصائب سيئة، فحتى حمم البركان ذهب الأرض!

نعيش اليوم في زمن «نون النسوة»، حيث الناشطات والناشطين في المطالبة بحقوقها، أصبحوا أكثر من المطالبين بحقوق الإنسان!

لا أقصد الإساءة أو السخرية هنا، إنما بالفعل هو واقع وأنا أنتمي إليه. لطالما كانت المرأة في مجتمعاتنا العربية، فريسة الذكورية الرجعية وسبية العادات والتقاليد. وكان لا بد من رفع الصوت من أجل تغيير التفكير السائد والصورة النمطية الموجودة عن المرأة بالإضافة إلى نشر الوعي حول وجوب الارتقاء بثقافة هذا المجتمع البالية، الذي حد من آفاقها ومجالات تطورها وأطرها حسب ما تسمح الأعراف والتقاليد والعقلية الرجعية المجحفة بحقها.

وقد حققنا تقدماً بارزاً. لكن تبقى هناك الفئة المتطرفة في كل مجال. فقد تحول الشعار من «المدافعة عن حقوق المرأة» في المطلق ككائن بشري متشارك مع الرجل بالحقوق والواجبات على وجه الأرض وتحت سقف الإنسانية، إلى «المساواة مع الرجل» ما ظلم المرأة برأيي وذهب بها إلى علم منهك وتغير اجتماعي لا تستطيع المرأة نفسها نكران تداعياته.

إذا نظرنا إلى واقع الحال اليوم بعد وصول فيروس كورونا، هذا الزائر الثقيل إلى منازلنا وحياتنا، وبعد فرض الحجر الصحي والعمل من المنزل، ومع التسليم جدلاً أنه محنة على كل الشعوب، عادت المرأة الأم المتخبطة في ضوضاء المساواة وغياهب الحياة العملية وهواجس تحقيق وإثبات الذات إلى قدسية مهامها البديهية الطبيعية. لست أتكلم بلسان الذكورية العمياء، لكن فلنعترف أن المرأة ذهبت أبعد من تحقيق الذات وابتعدت عن جوهر كينونتها ودورها في هذه المنظومة الإنسانية.

عادت الأم اليوم إلى منزلها وعائلتها وأطفالها بعدما غابت في رحلة محاربة الأحكام المسبقة والإطار الموضوع لها ومسابقة الرجل، وتحقيق الذات والمثابرة والاجتهاد أكثر في مضمار العمل لتبقى في المراتب الأولى، لأنها إن لم تفعل، ستلام على ذلك لكونها «امرأة» وليس لكونها إنساناً قد يضعف أداؤه تارةً وينشط طوراً.

فأصبحت في دوامةٍ أصعب من تلك التي يدور فيها الرجل، مع أثقال أكثر على كتفيها. وبطبيعة الحال، لا بد في هذه الحالة من أن يكون كل ذلك على حساب شيءٍ ما، وقد دفع أولادها الثمن.

خلقت المرأة بقدرات كبيرة، وأهداها الله في عظمة تكوينه مواهب وقدرات ذهنية تنظيمية عالية، وهذا ما جعلها منافسةً شرسة في كثير من المضامير، لكن هذه القدرات كانت في الأساس لتنظيم العائلة والمسؤوليات داخلها فهي من اللحظة التي تصبح فيها أماً تتجند هذه القدرات لخدمة ذاك المخلوق الصغير الضعيف. فنمو الطفل وتطور قدراته الجسدية والمعرفية وصحته النفسية، كلها ترتكز على الأم. وجودها الفعال في جميع مراحل نموه، هو ضرورة وليس خيارا. ومع غيابها عن هذا الدور، اختلت هذه المنظومة العائلية التربوية الطبيعية، وبالتالي، فإن مجتمعاً بأسره تأثر بهذا الخلل.

فلا تكفي قضاء ساعات معينة مع الطفل، تأتيه فيها الأم كالزائرة المتملقة تتحبب إليه وتقدم له الرشاوى العاطفية تعويضاً عن غيابها وشعوراً منها بالتقصير. فالطفل شاعر حاد الذكاء ومفرط الإحساس والأم أمامه مكشوفة مهما حاولت عبثاً الاختباء.

شكراً للحجر الصحي، شكراً لهذا الفيروس الـ«ذكي» لاختياره هذا التوقيت وهذا العصر لإعادة الأمور إلى نصابها وطبيعة سيرها وإعادة الـ«أم» المفقودة منذ ضللتها شيطانية الشعارات، علها بهذه الفترة التي أمضتها قسراً مع أطفالها وبحكم الظروف، تعي قيمة وجودها في حياة أولادها وليس في المكتب ومكان العمل، فليس هناك مرشح أكثر كفاءة لشغل هذا المنصب الذي أسندته لها الطبيعة. لا بد أن تعي أنها جاءت بأطفالها إلى هذه الدنيا بشكلٍ آلي، لكن الأمومة لا يمكن أن تكون آلية، بل هي عملٌ حرفي بالغ الدقة.

تمام كالبركان كان هذا الفيروس انقلاباً لمجرى الأمور، لكنه ومن دون شك سيعيد لتربة الحياة خصبها وصحتها.