أفكار وآراء

المناعة المجتمعية .. أسئلة وأجوبة

06 مايو 2020
06 مايو 2020

جيبسيمبر ديسوزا - وديفيد داودي  -

مدرسة جون هوبكنز بلومبيرج للصحة العامة -

ترجمة: قاسم مكي -

يعمل العلماء بشدة على تطوير لقاح فعال. في الأثناء وحيث لا يزال معظم السكان غير مصابين بفيروس كورونا سيكون مطلوبا اتخاذ بعض الإجراءات لمنع أي حالات انتشار انفجارية مثل تلك التي شهدتها مدينة نيويورك.

عندما تكون لدى معظم السكان مناعة من مرض مُعْدٍ تتشكل حمايةٌ غير مباشرة تسمى أيضا حماية مجتمعية (الترجمة الحرفية مناعة أو حماية القطيع- المترجم) لأولئك الذين يفتقرون إلى المناعة من هذا المرض.

مثلا إذا كانت لدى 80% من السكان مناعة ضد فيروس ما، لن يصاب أربعة أشخاص من بين كل خمسة من الذين يخالطون شخصًا حاملًا للمرض وبالتالي لن ينشروه بأكثر مما هو منتشر أصلا.

بهذه الطريقة تتم السيطرة على تفشي الأمراض المعدية.

وفي العادة وحسب شدة العدوي، يلزم أن يتمتع حوالي 70% إلى 90% من السكان بالمناعة لتحقيق المناعة المجتمعية.

- كيف حققنا المناعة المجتمعية من الأمراض المعدية الأخرى؟

الحصبة والنُكاف وشلل الأطفال والجدري المائي كلها أمثلة للأمراض المعدية التي كانت معهودة جدا في الماضي لكنها الآن نادرة في الولايات المتحدة. لماذا؟

لأن اللقاحات ساعدت على تأسيس المناعة المجتمعية ضدها.

أحيانا نشاهد حالات تفشي لأمراض يمكن الوقاية منها بواسطة اللقاحات في مجتمعات يوجد بها مستوى منخفض من التطعيم والسبب في ذلك افتقار هذه المجتمعات إلى المناعة المجتمعية. مثال لذلك انتشار الحصبة في ديزني لاند بالولايات المتحدة عام 2019.

أما بالنسبة للأمراض التي لا يوجد لها لقاح، فحتى إذا حصل العديد من البالغين على مناعة منها بسبب إصابات سابقة من الممكن أن ينتشر المرض وسط الأطفال وأن يصيب أولئك الذين لديهم أنظمة مناعية ضعيفة. لقد لوحظ هذا في العديد من الأمراض المذكورة أعلاه قبل تطوير لقاحات لها.

هنالك فيروسات أخرى تتحوَّر بمرور الزمن مثل فيروسات الإنفلونزا. لذلك تتيح الأجسام المضادة التي سبق أن أنتجها جسمُ الشخص الذي أصيب بها في الماضي حماية لفترة قصيرة فقط. في حالة الإنفلونزا لا تزيد هذه الفترة عن سنة. إذ كان فيروس (سارس كو في- 2) المسبب لجائحة (كوفيد-19) مثل فيروسات كورونا الأخرى التي تصيب البشر في الوقت الحاضر يمكننا توقع توفر مناعة ضده لدى من أصيبوا به لفترة تتراوح بين أشهر إلى أعوام لكن ربما ليس طوال حياتهم.

- كم يلزم من الوقت لتحقيق المناعة المجتمعية ضد فيروس كورونا المسبب لوباء (كوفيد-19)؟

كما هي الحال مع أي مرض آخر هنالك طريقتان لتحقيق المناعة المجتمعية. فإما أن تصاب نسبة كبيرة من السكان بالعدوى أو أن تحصل على لقاح وقائي منه. وبناء على تقديرات سابقة لقدرة انتقال هذا الفيروس بالعدوى غالبا ما سيلزم أن تكون لدى 70% على الأقل من السكان مناعة كي نحصل على المناعة المجتمعية من المرض.

وفي أسوأ الأحوال (مثلا إذا لم نمارس التباعد البدني أو الاجتماعي بين الناس أو نطبق إجراءات أخرى لإبطاء انتشار كوفيد-19) يمكن أن يصيب الفيروس هذه النسبة من السكان خلال أشهر قليلة. من شأن ذلك أن يؤدي إلى عجز المشافي عن استيعاب الحالات المصابة وقد يقود إلى معدلات مرتفعة من الوفيات.

أما في أفضل الأحوال فسنحافظ على المستويات الحالية من الإصابة بالمرض بل حتى تقليلها إلى أن يتوافر لقاح له. وسيتطلَّب ذلك جهدا تعاونيا من كل السكان مع توفر قدر من التباعد البدني لفترة طويلة تمتد مثلا إلى عام أو أكثر قبل أن يكون في المقدور تطوير لقاح شديد الفعالية واختباره وإنتاجه بكميات كبيرة.

الحال التي يرجح جدًا أن تسود هي في الوسط (بين أسوأ الأحوال وأفضلها) حيث سترتفع معدلات الإصابة وتنخفض بمرور الوقت. وقد يمكننا التخفيف من إجراءات التباعد الاجتماعي عندما يقل عدد الإصابات ثم ربما نحتاج إلى إعادة تطبيق هذه الإجراءات مع ازديادها مرة أخرى.

سيكون مطلوبا بذل جهد مضاعف لمنع حدوث تفشي المرض بين الفينة والأخرى إلى حين تطوير لقاح. وحتى عندما يحدث ذلك من الممكن أن يصيب فيروس (كوفيد-19) الأطفال قبل تطعيمهم (تحصينهم) والبالغين بعد تلاشي مناعتهم.

لكن من المستبعد في الأجل الطويل أن يحدث الانتشار الانفجاري الذي نشهده الآن لأن أغلب السكان ستكون لديهم مناعة في المستقبل.

- ضرورة الإصابة بعدوى (كوفيد-19) حتى يمكن التخلص منه ليست فكرة جيدة- لماذا؟

في بعض الأمراض الأخرى، مثل جدري الماء قبل تطوير لقاحه، كان الناس أحيانا يعرِّضون أنفسهم عمدًا للفيروس كطريقة للحصول على المناعة ضده. قد تكون هذه المقاربة معقولة في الأمراض الأقل ضراوة. لكن الوضع مختلف جدا بالنسبة لفيروس كورونا (المسبب لمرض كوفيد-19). فمخاطر اشتداد العلة عند الإصابة به، بل حتى الوفاة، أعلى بكثير.

معدل الوفاة بالنسبة لـ(كوفيد-19) أكبر بعشرة أضعاف من الوفاة بالإنفلونزا. وهي أعلى وسط الفئات الأكثر تعرضا للإصابة بالمرض مثل كبار السن ومن لديهم أنظمة مناعة ضعيفة.

وحتى إذا أصيب العدد نفسه في النهاية بالعدوى فمن الأفضل أن تتباعد تلك الإصابات زمنيا (ألا تحدث في وقت واحد) لتجنب إجهاد الأطباء والمشافي. فالأسرع ليس دائما هو الأفضل كما لاحظنا في الأوبئة السابقة التي سجلت معدلات مرتفعة من الوفيات مثل جائحة الإنفلونزا في عام 1918.

- ما الذي يجب علينا توقُّعه في الشهور القادمة؟

يعمل العلماء بشدة على تطوير لقاح فعال. في الأثناء وحيث لا يزال معظم السكان غير مصابين بفيروس كورونا سيكون مطلوبا اتخاذ بعض الإجراءات لمنع أي حالات انتشار انفجارية مثل تلك التي شهدتها مدينة نيويورك.

قد تتنوع إجراءات التباعد البدني المطلوبة مع مرور الوقت ولا ينبغي أن تكون دائما صارمة مثل قوانين البقاء في البيت الحالية.

لكن ما لم نكن نرغب في أن يصاب مئات الملايين من الأمريكيين بالفيروس، وهو ما يلزم كي تتحقق المناعة المجتمعية في الولايات المتحدة، من المستبعد أن تعود الحياة إلى طبيعتها تماما إلى أن يتم تطوير لقاح وتوزيعه على نطاق واسع.


  • الكاتبان ديسوزا أستاذة وداودي أستاذ مشارك مختصان بعلم الوبائيات في مدرسة بلومبيرج