يص
يص
المنوعات

علي بن سيف الفهدي يفتقد العمرة في رمضان بسبب الجائحة

06 مايو 2020
06 مايو 2020

ذات مرة تأخر المبلغ فتفاجأت أخي يناديني من بعيد "علي تعال افطر .. اليوم عيد عيد"

- الآباء والأجداد يعرفون وقت الإمساك من خلال مطالع النجوم ومغاربها

حاوره: ماجد الندابي

يأكل من عمل يده، مزرعته الخضراء وارفة الظلال في قرية هصاص، هي متنفسه وراحة باله، قضى أيام طفولته في عمارة الأرض واستخراج خيراتها التي يتصدق ببعضها لينال أجر الآخرة ويبيع بعضها الآخر لينال أجر الدنيا، علاقاته الاجتماعية الممتدة تجعله رجلا محبوبا مع الجميع، الوالد علي بن سيف الفهدي من سكان قرية هصاص بولاية سمائل يروي لنا حكايته مع رمضان.

يقول بدأت الصيام وأنا في سن الثامنة وكنت أكبر إخوتي فلذلك كنت أحمل على عاتقي مسؤوليات المنزل، فكنا نعمل أنا وأبي في المزرعة، حيث تشتهر قرية هصاص بأنها قرية ذات تربة زراعية خصبة، ومياه عذبة، وكان أول صوم لي يشبه هذه الأيام من حيث الحرارة وهو بداية موسم القيظ، وكانت شدة الحرارة متعبة، ووسائل الزراعة ونقل وتحميل المحاصيل ليست متوفرة مثل اليوم، فبدأت في زراعة البطيخ ، والبرسيم، والخضار المختلفة، فكنت أنقل منتوج هذه المحاصيل على ظهر الحمار وأذهب بها إلى الأسواق المختلفة في ولاية سمائل وبدبد.

فلك أن تتصور طفلا في الثامنة من العمر صائما في رمضان في شدة الحر، يقوم بعد صلاة الظهر بتحميل محصول البطيخ الأحمر والأصفر على ظهر الحمار، ويمشي خلف ذلك الحمار حتى يبلغ سوق سرور، الذي يبعد عن القرية ما يقارب 7 كيلومترات، فقد كان يبلغ مني التعب والعطش مبلغه.

وكذلك في الأيام الأخرى أذهب إلى سوق سمائل وأخرج من الصباح الباكر، حتى أستطيع أن أصل إلى السوق قبل وقت "المناداة" في وقت الظهر.

أما عن دخول شهر رمضان فيقول الفهدي، كان أهالي القرية يجتمعون في وقت تحري دخول شهر رمضان، فكنا نحاول رؤية الهلال في الأفق، فإن تمكنا من الرؤية، نقوم بإرسال "الطارش" إلى القرى المجاورة، وإلى والي الولاية ليبلغهم أنه تمت رؤية الهلال في قرية هصاص، وهذا هو الحال المعمول به قديما في كل القرى العمانية، لم تكن وسائل الاتصال متوفرة، وإنما يتم إشاعة هذا الأمر والإخبار به من خلال أشخاص يوكل لهم نقل الأخبار، وربما يتأخرون وذلك لبعد المسافة التي يقطعونها لنشر الخبر.

أذكر أنني كنت صائما في نهاية شهر رمضان، وكنت أعمل في المزرعة في حدود الساعة التاسعة صباحا فأتاني أخي جمعة يناديني من بعيد "علي تعال.. اليوم عيد عيد".

أما عن قراءة القرآن فكنا نقرأه بين الأذان والإقامة في صلاتي الظهر والعصر، وقبل أذان المغرب، لأننا كنا نقضي سحابة نهارنا في العمل وكسب الرزق.

وقد تعلمنا القرآن في قريتنا مع المرحوم ثاني بن سعيد الفهدي، وعندما يكون عندنا سؤال فقهي فنقوم بسؤاله فإذا كان يعرف الجواب يخبرنا به، ويفسر لنا المسألة، ولكن إن أشكلت عليه فإنه يبعث أحدنا إلى أحد مشايخ العلم في ولاية سمائل، ليفتونا في المسألة، ومنهم الشيخ سعيد بن خلف الخروصي الذي كان يعمل قاضيا في الولاية، والشيخ موسى بن عيسى البكري، والشيخ عبدالله بن سالم الهاشمي، والشيخ أبو سرور الجامعي، والشيخ سالم بن حمود السيابي.

كنا في السابق نجتمع بعد صلاة التراويح في المسجد وذلك لتناول القهوة، وتبادل الأخبار والآراء التي وصلتنا وكان هذا الأمر يشكل ترابطا اجتماعيا قويا يسعى الجميع لحضوره ، وهذه أحد الأمور التي أصبحنا نفتقدها اليوم فيما يخص بالتزاور والتجمع بين أهالي القرية. وكان الناس يشاركون جيرانهم ما لديهم من طعام، فأذكر أنه في أحد الأيام اجتمعت معنا ستة أصناف من الطعام من بيوت الجيران.

أما ما يخص معرفة الأوقات فكان الآباء والأجداد يعرفون وقت الإمساك من خلال طلوع النجوم وغروبها، وكانت وجبة السحور المتعارف عليها في ذلك الوقت هو الأرز واللبن والتمر، فكان الأهالي يطبخون الأرز، ويذهبون في وقت محدد لإحضار اللبن في وقت محدد من بعض البيوت التي كان أصحابها يربون الأبقار، كان هذا الأمر يعزز الترابط الاجتماعي لما فيه من تعاطف وتعاون وتشارك في المأكل والمشرب.

أما عن ملابس العيد فلم تكن متوفرة مثل اليوم، وتندر الملابس الجاهزة، والأشخاص المقتدرون ماليا ربما يكون قد حصل على قطعة قماش فيقوم بخياطتها في المنزل، أو يخيطها له أحد الجيران، وكانت بعض الأسر لا يوجد لديها الملابس الجديدة، فيضطرون إلى غسل الملابس القديمة وتجهيزها لصبيحة العيد. وكان أصحاب الخير يمدوا أيديهم بقطعة من القماش على الفقراء.

من العادات القديمة التي بدأت تقل هذه الأيام هي عملية جمع الشوع الذي يستخدم في تغليف اللحم قبل إدخاله إلى تنور الشواء ، حيث كان في السابق يقوم أربعة أشخاص أو أكثر من المحلة يذهبون قبل العيد بخمسة أيام لجمع الشوع من بطون الأودية ومن الجبال، وكانوا يقومون بتقسيم تلك الكمية على البيوت في المحلة الواحدة، الآن استبدل الناس هذه العادة باستخدام أوراق الموز اليابس في تجهيز الشواء، مع محافظة بعض الأسر على استخدام الشوع.

كانت صلاة التهجد في السابق تقام بشكل فردي، فلم تكن هناك صلاة تهجد جماعي مثل هذه الأعوام، وكان الأهالي يتحرون ليلة القدر في الأيام الوتر من العشر الأواخر. ورمضان كله خيرات، فهو رحمة ومغفرة وعتق من النار.

وحول التغيرات التي أحدثتها جائحة كورونا يقول الوالد علي الفهدي بأننا فقدنا الكثير من الخيرات في هذا الشهر بسبب هذه الجائحة التي نسأل الله أن يزيحها عن البشرية، أكثر ما فقدته هو العمرة في هذا الشهر الفضيل، حيث تعودت أكثر من 10 سنوات أن أذهب كل رمضان إلى العمرة وذلك لأجرها العظيم وثوابها الجزيل، وفقدنا صلاة التراويح والجمعة في المسجد، وفقدنا زيارة الأرحام والأقارب والأصدقاء، ونسأل الله أن يكتب لنا أجر هذه الأعمال عن نياتنا.