Screen Shot 2020-04-14 at 1.14.24 PM
Screen Shot 2020-04-14 at 1.14.24 PM
أعمدة

نوافذ : أبناؤنا.. لا يشربون القهوة

05 مايو 2020
05 مايو 2020

أحمد بن سالم الفلاحي

لا أذهب هنا إلى التعريف بالقهوة؛ وهي المتسلسلة مكانتها عبر التأريخ الإنساني؛ ولا أهميتها كمشروب تقليدي يمثل مكانة خاصة عند كثير من الشعوب، ولا عن كيفية إعدادها المتقن؛ وهي التي تحتاج إلى حرفية شديدة الحساسية، فليس بمقدور أي فرد أن يأتي بمذاق لها على درجة كبيرة من القدرة على التمكن من الصناعة، فهناك روح تنفث في صناعتها تميز هذا الصانع عن ذلك، وإنما أذهب بكل هذه المناخات المتعلقة بالقهوة، وأسقطها على واقع الناس في مجتمعنا الصغير؛ على الأقل؛ الذي انتقلت فيه القهوة من الصناعة الحرفية التي يتبارى من خلال إتقانها أبناء المجتمع، إلى مجرد مادة؛ إن وجدت على مائدة الضيف، كان بها؛ وإلا فعدم وجودها لايشكل حرجا ما على المضيف، فقد حلت مشروبات كثيرة ومتنوعة، انتقلت بخيارات الناس، وأتاحت لهم التحرر من (الالتزام) بعمود الـ "ضيفة" القهوة، وإن ظلت تشكل هاجسا لا محيد عنه.

يعيش أبناء المجتمع؛ كحال كل المجتمعات؛ تبدلا وتغيرا يجري على كثير من أدوات الحياة اليومية من حيث التغيير، والتعديل، والتبديل، على مختلف القيم الاجتماعية السائدة، وهذا حال قانون الحياة، التي لا تقبل الثبات، وهذه الإرهاصات المستمرة تظل هي المعبرة عن حالهم الحقيقي، وعن طبيعة الحياة التي يعيشونها فيما بينهم، ولذلك عندما يأتي العنوان: (أبناؤنا .. لا يشربون القهوة) فإن هذا الجزم لا يذهب إلى النفي المطلق، وإنما إلى وجود قراءة تذهب إلى أن هناك حلحلة في مختلف القيم، ومنها تراجع الاهتمام بالأهمية السلوكية التي كانت تمثلها القهوة بين أبناء المجتمع، واعتمادها ضرورة إلزامية في صورة الضيافة المتبادلة بين أفراد المجتمع فيما بينهم، وفي استضافتهم للزائر القادم من البعيد.

وهنا المسألة تذهب إلى تغير الذائقة، أكثر من أنه عدم اهتمام، عند هذا الجيل، فلم تعد القهوة تمثل له تلك الذائقة المغرية لأن تكون أحد أهم المكونات للضيافة، بمعنى أن هذه القهوة لو حظيت بإعداد مسبق من قبل أحد أعضاء الأسرة الكبار، كان بها، وإلا لن تشكل هاجسا مقلقا لدى الصغار، وضرورة وجودها بين المكونات المقدمة للضيف، وهذا التراجع من المكانة التي تحتلها القهوة – كمشروب – يندرج على كثير من الوجبات التقليدية التي لم تعد مستساغة عند أغلب هذا الجيل، ولذلك تتوارى الكثير من الطبخات التقليدية؛ والتي عادة ما تعد في المنازل؛ عن المائدة، وينظر إلى وجودها بنوع من عدم الرغبة، بينما تحظى بما يسمى بـ "الوجبات السريعة" باهتمام غير عادي، وحتى لو اقتضى الأمر المفاضلة بين الوجبتين التقليدية والحديثة، لرجحة كفة الحديثة، على الرغم مما يثار حولها من مضاعفات صحية خطيرة.

"أوضحت دراسة؛ تم نشرها في مجلة الأغذية بتاريخ 14 أبريل الماضي في جامعة آرهوس الدانماركية؛ أن القهوة تجعل الشخص أكثر حساسية للأطعمة الحلوة المذاق، إذ تصبح أكثر حلاوة عند شرب القهوة. الآن، أصبح لدى محبي القهوة الذين يميلون إلى تناول الشوكولاتة الداكنة أثناء شربها تفسير علمي يوضح لهم أن الاثنين مثاليان مع بعضهما بعضا". وأضافت الدراسة أنه: "تم اختبار حاسة الشم والتذوق لدى 156 شخصا قبل شرب القهوة وبعده، ولم يجد الباحثون أي تغييرات في حاسة الشم لديهم، لكنهم وجدوا أن حاسة التذوق قد تأثرت بشرب القهوة." – حسب موقع الجزيرة نت، بتصرف -. يذهب الطرح هنا؛ أيضا إلى أنه لم تعد المنازل هي مكان الالتقاء بالضيف، حيث حلت المطاعم؛ وخاصة الحديثة منها؛ هي المكان المستحب لكثير من اللقاءات بين الناس، ولذلك تضرب مواعيد اللقاءات وتقديم الضيافة هي هذه الأماكن التي تغربت من خلالها قيم الضيافة المعهودة، من حيث حضور الضيف إلى منزل المضيف، وحتى إن حاولت هذه المطاعم التعويض بوجود دلة القهوة على موائدها، فإنها لن تستطيع أن توجد ذلك النفس الخاص في صناعة القهوة في كل منزل على حدة.