أفكار وآراء

عندما نفقد القدرة على الضغط.. لن يسمعنا أحد !!

04 مايو 2020
04 مايو 2020

د. عبد الحميد الموافي -

إن الصوت والتحذير العربي والاستغاثة العربية بالمجتمع الدولي تكاد تتبدد في الفضاء ولا يسمعها، أو بمعنى أدق لا يهتم بها كثيرون، لأنها لا تمتلك قوة التأثير الحقيقي في مصالح الطرف أو الأطراف الاخرى ومع التقدير لكل القرارات الجماعية العربية، باعتبارها الحد الأدنى، الا أنها وحدها لا تكفي.

مر يوم العاشر من رمضان في هذا الأسبوع، حاملا معه ذكرى عزيزة على قلوبنا جميعا، مصريين وسوريين وعربا، فيوم السادس من أكتوبر، وحرب أكتوبر 1973 حدث يظل قائما وحاضرا في عقول وقلوب، ليس فقط من خاضوا هذه الحرب على جبهاتها المختلفة، العسكرية وغير العسكرية، ولكن أيضا كل الأجيال المتتابعة من العرب المتطلعين الى حياة أفضل، والى بناء حياتهم ومستقبلهم على النحو الذي يريدون، وفي أمن وأمان وبدون تهديد أو تدخل مباشر أو غير مباشر من أي جهة أو قوة كانت.

ومن المصادفات، ذات المعنى والدلالة ان هذه الذكرى العزيزة، تزامن معها انعقاد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب برئاسة السلطنة، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، يوم الخميس الماضي، وإذا كان عقد الاجتماع في حد ذاته، برغم ما يفرضه فيروس كورونا من اعتبارات وقيود، يعبر عن الاهتمام العربي للاستجابة لطلب فلسطين من ناحية، ولمحاولة تعويق، أو على الأقل تحذير إسرائيل من مغبة خطواتها التي أعلنت عنها والمتمثلة في قضم، أو ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، حددت مرحلتها الاولى في ضم منطقتي غور الأردن وشمال البحر الميت، ومد السيادة الاسرائيلية على المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية.

من ناحية ثانية، فلعله من الأهمية بمكان الاشارة الى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

أولا: انه في الوقت الذي تبعث فيه الذكرى السابعة والاربعين لحرب أكتوبر المجيدة، الكثير من مشاعر الاعتزاز والثقة في قدرة المقاتل المصري والعربي، تخطيطا واداء عسكريا وسياسيا، تكتيكيا واستراتيجيا أيضا، فان الأعوام السبعة والأربعين الماضية، شهدت في الواقع العديد من التطورات والتغيرات، التي جعلت الواقع العربي الراهن مغايرا الى حد كبير، لما كان عليه قبل نحو خمسين عاما. واذا كان من المؤكد والطبيعي أن تتطور الأوضاع، وأن تطرأ الكثير من التغيرات، في المواقف والرؤى والحسابات – حسابات المصالح – على مستوى الدول العربية، فرديا وجماعيا، إلا أن الأمر يظل دوما، مرهونا أو محسوبا بمدى القدرة على حماية المصالح العربية، ليس فقط بالنسبة للقضية الفلسطينية، ولكن أيضا بالنسبة لمختلف القضايا العربية، بما فيها قضايا الغذاء والمياه وأسعار النفط، والقدرة على التعامل الفعال مع القوى الإقليمية والدولية، التي تتقاطع مصالحها مع المصالح العربية، فردية كانت أو جماعية، وذلك من منطلق أن المصلحة الجماعية العربية هي في النهاية محصلة المصالح الفردية للدول العربية في وقت وظروف وقضية محددة. وبعيدا عن الوقوع في مطب جلد الذات، أو حديث «الينبغيات»، فإنه يكفي أن نتوقف أمام القنوات والتلفزيونات العربية، وما تبثه من مسلسلات هللت الصحافة والخارجية الاسرائيلية لمعظمها، وأعربت عن رفضها واستنكارها لمسلسل واحد منها، لأنه يتنبأ بشكل افتراضي بإمكان زوال اسرائيل عام 2120، أي بعد مائة عام تقريبا. وبغض النظر عن أية اسقاطات، فإنه يمكن القول أن الأوضاع العربية الآن تعاني الكثير من الخلافات والتقلصات، المكتومة حينا والصريحة أحيانا، وأن مسافة شاسعة تفصل بين الوضع الراهن وبين ما كانت عليه الأوضاع العربية خلال وبعد حرب أكتوبر 1973. والمؤكد أن ذلك لم يحدث فجأة ولا بدون مقدمات، ولكنه كان محصلة لأحداث وتراكمات العقود الخمسة الاخيرة على الصعيد الجماعي العربي، سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، وعلى الصعيد الداخلي أيضا بالنسبة للكثير من أقطارنا العربية، ولكن المشكلة هي أن الأمر ليس بدون ثمن، وأن الثمن تدفعه الدول والشعوب العربية من حاضرها ومستقبلها، سواء بالنسبة لمصالحها في القضايا المختلفة، أو بالنسبة لعلاقاتها الاقليمية والدولية.

ثانيا: انه من المؤكد أن الصراخ ولطم الخدود وشق الجيوب، وإلقاء الاتهامات على الآخر، والاختباء وراء شعار ما، حتى ولو كان لا يصدقه احد، باتت اساليب مكشوفة ومفضوحة الى حد بعيد، خاصة وانها جميعها تدخل في اطار محاولات تنفيس شحنات الغضب أو امتصاصها من صدور الشعوب ومحاولات تغيير أو تعديل أولوياتها لتخدم متطلبات الحاضر، التي أصبحت مختلفة لدرجة كبيرة عما كانت عليه متطلبات ومنطلقات الأمس لأسباب كثيرة. ومع إدراك طبيعة وخصائص الواقع السياسي العربي والعلاقات بين الأشقاء، وما يؤثر فيها ويوجهها، فإنه يمكن القول أن السياسة العربية بوجه عام استكانت، لأسباب كثيرة على مدى السنوات الماضية، لازدواجية لايمكن إنكارها ولا تجاهلها، وهى استخدام جامعة الدول العربية، المنظمة العربية الأم، للتعبير عن الآمال والقواسم العربية التي تتطلع إليها الشعوب العربية وتتمناها من ناحية، وممارسة سياساتها الفردية الخاصة وفقا لرؤيتها وحساباتها الذاتية من ناحية ثانية، وهو ما أفرغ ويفرغ المواقف أو القرارات الجماعية المعلنة من تأثيرها وحتى معانيها أحيانا، والمشكلة أن الآخرين، أي القوى الاقليمية والدولية اعتادت التعامل مع الدول العربية على أسس ثنائية، بمعنى التعامل مع كل دولة عربية على حدة، بعيدا عن الاطار الجماعي، أيا كان نوعه أو نطاقه، وأصبح ذلك شائعا ومستقرا ومستمرا الى حد كبير، وهو خسارة عربية كبيرة، يصعب تغييرها الآن نظرا لأن الجانب العربي لا تتوفر له مقومات أو متطلبات هذا التغيير المنشود على الأقل مؤقتا.

ثالثا: أنه من غير المفيد أن نلعب دور الضحية، وأن نعزو مشكلاتنا الى التآمر الخارجي والى أمريكا وإسرائيل، صحيح انهما يتحملان قدرا من المسؤولية بحكم ان لكل منهما مصالحه التي يسعى لتحقيقها بكل السبل الممكنة، ولكننا في الواقع نتحمل الجزء الاكبر من المسؤولية، لأننا لم نستطع أن نحشد أو نوظف عوامل القوة التي نمتلكها كعرب، وهي عوامل متعددة ومؤثرة، وأثبتت التجربة فعاليتها في حرب أكتوبر عام 1973 عسكريا واقتصاديا أيضا. والآن وفي ظل الظروف العربية والاقليمية والدولية الراهنة، فإن اسرائيل تواصل مخططها لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وبمباركة أمريكية علنية وصريحة عبر عنها وزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو قبل أيام، بقوله أن ضم أية أراض فلسطينية في الضفة الغربية هي مسؤولية إسرائيلية في إطار صفقة القرن.

وقد جاء هذا التصريح المخالف لمواقف كل الادارات الأمريكية السابقة، بعد التوافق بين نتانياهو وجانتس على تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل ستكون أولويتها الاولى ضم منطقة غور الاردن وشمال البحر الميت وإعلان سيادة إسرائيل على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، وهو ما يعني ضم الأراضي التي أقيمت فيها تلك المستوطنات، وبعد أن كانت المستوطنات مخالفة للقانون الدولي، من وجهة نظر الادارات الأمريكية السابقة، أصبحت إدارة ترامب تعترف بالسيادة الاسرائيلية عليها عندما تعلن إسرائيل ذلك في الوقت المناسب لها، ولن يتأخر ذلك كثيرا، بسبب الظروف الداخلية في إسرائيل من ناحية، وبسبب ضعف الأوضاع العربية من ناحية ثانية.

وإذا كان من المعروف إن الحفاظ على المصالح، وطنية كانت أو قومية، يتوقف الى حد كبير على مدى القدرة على التأثير المضاد في مصالح القوى المعادية إو المناوئة أو الطامعة، فإن مشكلة العرب على امتداد السنوات الاخيرة تتمثل في عدم القدرة على حشد طاقاتهم في إطار أو على أرضية مؤثرة يمكنها التأثير في الخصم بشكل يردعه أو يحول دون تحقيقه لمطامعه، بل إن الاختراق للجانب العربي بلغ حدا غير مسبوق للأسف الشديد وبشكل عملي معروف.

وفي ظل هذا الواقع فإن الصوت والتحذير العربي والاستغاثة العربية بالمجتمع الدولي تكاد تتبدد في الفضاء ولا يسمعها، أو بمعنى أدق لا يهتم بها كثيرون، لأنها لا تمتلك قوة التأثير الحقيقي في مصالح الطرف أو الأطراف الاخرى ومع التقدير لكل القرارات الجماعية العربية، باعتبارها الحد الأدنى، الا أنها وحدها لا تكفي، أو لم تعد تكفي في الواقع، فلن يسمعنا احد اذا كنا لا نمتلك القدرة على التأثير الفعلي على مصالحه فهل آن الأوان لتغيير ذلك ؟