أفكار وآراء

مهام جديدة للاستخبارات الأمريكية بعد كورونا

29 أبريل 2020
29 أبريل 2020

جلين جيرستل ومايكل موريل - واشنطن بوست -

ترجمة: قاسم مكي -

مع اتساع نطاق الأمن القومي علينا إدراك أن المعلومات المتعلقة بالاقتصاد والصحة وسلاسل الإمداد والأنشطة العامة الأخرى سيتم الحصول عليها في الغالب الأعم من مصادر مفتوحة (علنية) وليست سرية، لقد أتاحت التكنولوجيا إمكانية الحصول على كميات ضخمة من المعلومات بصورة فورية.

لا يمكن لعشرات الآلاف من الرجال والنساء الذين يعملون بوكالات التجسس الأمريكية للحفاظ على سلامتنا أداء واجباتهم الوظيفية من بيوتهم. إنهم مكلفون بمهام حول العالم ويعالجون معلومات سرية في مكاتب خفية وأحيانا في بلدان توجد بها أنظمة صحية بالغة الضعف، وهم في مجال الأمن الوطني يؤدون مهام مكافئة لما يفعله المناوبون من أطبائنا وممرضينا الشجعان.

على موظفي الاستخبارات مواصلة العمل كالمعتاد في أثناء أزمة كورونا، لكن ما يفعلونه يجب أن يتغير في مرحلة ما بعد هذه الأزمة وذلك بأربع طرائق أساسية هي توسيع نطاق العمل الاستخباري والاعتماد أكثر على المعلومات العامة وتوظيف دولارات دافع الضرائب بفعالية أكبر وتكثيف جهودنا (معركتنا) ضد التضليل الإعلامي الأجنبي.

أولا، على مجتمعنا الاستخباري تبني تعريف أوسع نطاقا للأمن القومي يعكس نقاط الضعف الحقيقية للولايات المتحدة. (مصطلح المجتمع الاستخباري يعني في الولايات المتحدة مجموعة أجهزتها الاستخبارية التي تخدم سياستها الخارجية وأمنها القومي- المترجم).

بالطبع علينا أن نراقب بدقة الأنظمة المعادية المسلحة نوويا وبنفس القدر جماعة داعش والقاعدة رغم ضعف احتمال نشوب صراع نووي، أما تهديد الإرهاب الأكثر خطورة فقد تم التعامل معه بحيث صار من المستبعد أن يسبب خسائر في الأرواح على نطاق الولايات المتحدة.

بالمقارنة، فإن النتائج المترتبة عن المهددات غير العسكرية والسياسية مثل الاختلالات الاقتصادية والصحية والمناخية مهمة ويجب أن تحظى بأولوية قصوى.

فأزمة الصحة العامة والإغلاق الاقتصادي المدمر بسبب مرض كوفيد- 19 دليل على أن عافيتنا الوطنية تعتمد على ما يزيد عما كان يعتبر- تقليديا- قضايا الأمن القومي.

لقد ابتدع مجتمعنا الاستخباري طرقا معقدة لجمع المعلومات ويمتلك خبرة تحليلية عميقة لمسائل تمتد على نطاق واسع وتشمل الجماعات الإرهابية والمبادئ (العقائد) العسكرية والأنظمة التسليحية الصينية والإيرانية والكورية الشمالية.

لكننا، نسبيا، لا نعلم الكثير عن التقدم الذي حققته الصين في مجالات الهندسة الأحيائية والروبوتات وعلم المعادن وحوسبة «الكوانتم» أو الذكاء الاصطناعي.

كما لا نعلم ما يكفي عن مخاطر سلسلة الإمداد المتعلقة بعشرات الصناعات التي يمكن أن تؤثر على الأمن القومي الأمريكي، فنحن، مثلا، إلى أي حد نعتمد على المعادن النادرة أو المواد الصيدلانية التي تأتي من الخارج، كما لم نهتم بقدر كاف بالأزمات المستقبلية التي يتسبب فيها التغير المناخي.

هذا يقودنا إلى التغيير الثاني المطلوب، على وكالاتنا التجسسية الاعتماد أكثر على استخلاص استبصارات (أفكار صائبة) من كميات متزايدة باستمرار من المعلومات المتاحة في الفضاء العام، لقد تم تشكيل هذه الوكالات للحفر عن أسرار يحتفظ بها خصوم الولايات المتحدة، لذلك سيتطلب ذلك تغييرا مهما في ثقافة «العمل».

مع اتساع نطاق الأمن القومي علينا إدراك أن المعلومات المتعلقة بالاقتصاد والصحة وسلاسل الإمداد والأنشطة العامة الأخرى سيتم الحصول عليها في الغالب الأعم من مصادر مفتوحة (علنية) وليست سرية، لقد أتاحت التكنولوجيا إمكانية الحصول على كميات ضخمة من المعلومات بصورة فورية.

نعم، لا يمكن أن يحل تماما جمعُ المعلوماتِ من مصادر مفتوحة محلَّ جمعِها سرا، لكن يمكن أن يُثريها أكثر، بالطبع سيلزمنا استخدام البيانات العامة والخاصة على نحو ينسجم مع قيم الولايات المتحدة واحترام الحريات المدنية.

التغيير الثالث يتعلق بالموارد، فالمجتمع الاستخباري ليست لديه موازنة تمكنه من الوفاء بهذه المطلوبات الجديدة. ويمكن القول إنه يحصل على مخصصات مالية أقل مما يكفي لكل شيء يطلب منه القيام به، فمثلا زاد عدد موظفي وكالة الاستخبارات المركزية بقدر ضئيل جدا مقارنة بعام 1991 على الرغم من أن العالم صار أكثر تعقيدا الآن قياسا بفترة نهاية الحرب الباردة.

صحيح على مجتمع الاستخبارات العمل على توفير الأموال وإعادة تخصيصها لكن يجب أيضا مراجعة موازنة الأمن القومي ككل، فإعادة تخصيص 1% فقط من موازنة وزارة الدفاع لمجتمع الاستخبارات يمكن أن تزيد موازنته بنسبة 10%، ولا شك أن ذلك يحقق نتائج أفضل للأمن القومي.

أخيرا، أبرزت جائحة فيروس كورونا بوضوح وجوب إدراج فهم واستيعاب نطاق التضليل المعلوماتي الذي يمارسه خصوم الولايات المتحدة ضمن أهم الأولويات الثابتة، لا يمكن للاستخبارات الأمريكية الاقتصار على القلق من التأثير الروسي في انتخابات 2020، لقد سَرَّعَت أزمة فيروس كورونا من تبلور مستوى جديد من العداء الصيني، وكشفت عنه من خلال الادعاءات بأن الفيروس سلاح بيولوجي أمريكي خرج عن السيطرة وأن الحكومات المستبدة أفضل في التعامل مع الأزمة وأن الصين فقط هي التي لديها القدرة على مساعدة باقي العالم مقارنة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

هذا نذير بما سيكون عليه مستقبلنا من تضليل معلوماتي يحيط بكل حدث أو تطور، وفي ميدان محفوف بالتحديات سيكون على وكالات استخباراتنا العمل بتنسيق أوثق مع قوى تطبيق القانون والقطاع الخاص لمعاونة الولايات المتحدة في صد المحاولات الأجنبية الرامية إلى إضعاف نظامنا الديمقراطي ونفوذنا الدولي.

هذه ليست مناشدة لتخويل المزيد من السلطات لوكالاتنا التجسسية ولكنها دعوة لتبني طرائق جديدة مبتكرة من أجل تحقيق مطلب الدستور بأن «تفي الحكومة باحتياجات الدفاع المشترك»، من شأن التغييرات التي أوضحنا خطوطها العريضة هنا جعل مجتمعنا الاستخباري في وضع أفضل للوفاء بالمتطلبات الدستورية.


  • الكاتبان جيرستل مستشار أول بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، عمل مستشارا قانونيا لوكالة الأمن القومي في الفترة 2015-2020، موريل نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ومديرها بالوكالة مرتين في الفترة 2010- 2013.