عبدالرزاق
عبدالرزاق
أعمدة

هوامش...ومتون كُوى بجدارِ العزلة

29 أبريل 2020
29 أبريل 2020

كتب: عبدالرزّاق الربيعي

مسقط في 29 ابريل/ مع تفشّي فايروس (كورونا)، وإغلاق الناس أبواب بيوتهم على أنفسهم، بالشمع الأحمر!! تقيّدا بالإرشادات الصحيّة التي تدعو إلى الحدّ من المخالطة الاجتماعيّة، ضمانا للسلامة الشخصيّة، والعامّة، حتى زوال الغمّة، لم يطق الأدباء، والفنّانون الذين اعتادوا مخالطة جمهورهم، الابتعاد طويلا عنهم، لذا حفروا كوى في جدران عزلتهم، بالاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما اتّسعت تلك الكوى، فتحوّلت إلى جلسات تفاعليّة تعتمد البث المباشر (أون لاين) بالاستفادة من الإمكانيّات الهائلة التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي، ويوما بعد آخر تحوّلت تلك الكوى إلى ظاهرة، فالكثيرون أطلقوا برامج فنيّة، وثقافيّة عبر صفحاتهم، تقوم على البثّ المباشر، فلا يكاد يمرّ يوم دون أن نقرأ عن دعوات للحضور (الافتراضي بالطبع)، والمشاركة في ندوات، ومحاضرات، وجلسات شعريّة، وسرديّة، وورش عمل كالتي تنظّمها فرقة مسرح هواة الخشبة، وقد استضافت من خلالها كبار الأكاديميين، والمسرحيين العرب، بواقع جلستين كلّ أسبوع، والحفلات الموسيقيّة، كالتي أقامها الموسيقار نصير شمّه، مع مجموعة من العازفين في بيت العود بـ "أبوظبي" ناقلا "رسالة الحبّ، والسلام، مع صلاة للذين فقدوا أرواحهم في هذه الجائحة، ولتجاوز المحنة بأقلّ الخسائر"،

كما قال، ويوما بعد آخر بدأت الدائرة تتّسع، لدرجة أنّ الأمانة العامة لاتّحاد الأدباء والكتاب في العراق صارت تعقد جلستين، أو ثلاث جلسات تفاعليّة في اليوم الواحد! وهناك من بدأ التحضيرات لتقديم عروض مسرحيّة "أون لاين"، وهو الأمر الذي أثار جدلا بين المسرحيين، فانقسموا إلى فريقين: معارض يرى أنّ تلك العروض عندما تقدّم ستفتقد التفاعل الحيّ، والحميميّة بين الممثلين، والجمهور، وهو من الأساسيّات التي يرتكز عليها العرض المسرحي، ومن ذلك تأتي قوّة تأثيره في الجمهور! مؤيّد يرى ضرورة خروج المسرح من العزلة الإجباريّة، لتأكيد مشاركته المجتمع البشري في هذه الأزمة، ونحن مع هذا الفريق. وبالطبع هناك أسباب عديدة جعلت هذه الجلسات التفاعليّة تنتشر، لعلّ أبرزها وجود رغبة جماعيّة للخروج من دوائر الفراغ، والضجر، والسعي للاستفادة من الوقت في النافع، والمفيد، بدلا من تزجيته في التذمّر، و"لعن الظلام"، وكورونا، خصوصا أنّ هذه الأنشطة غير مكلفة للمنظّمين، ولا تحتاج سوى الحماس، والهمّة، وتعبئة بطاريّات الهواتف، وإرسال شهادات تقديريّة إلكترونيّا بضغطة زر، فلا حجز قاعات، ولا تذاكر لمن يفد من الخارج، واستخراج تأشيرات دخول، ولا تكاليف إقامة، أمّا بالنسبة للمشاركين، فهي تزيد من معارفهم، وتوسّع علاقاتهم، وتعزّز خبراتهم، وتمكّنهم من الاستفادة من وقت هو بحكم " الميّت" من ناحية مزاولة الأنشطة، وكذلك تؤكّد حضورهم في الأوساط الثقافيّة، والفنيّة، والإعلاميّة، لأنّها تحظى بترحيب، واهتمام جيّد، من قبل وسائل الإعلام، ومواقع التواصل، والأهمّ، ضمان سعة الانتشار، فكلّ جلسة من هذه الجلسات تعبر الحدود، وتكون متاحة لجميع المتابعين في أنحاء العالم مشاهدتها، وهم يقبعون في بيوتهم، ومن ثمّ تُحفظ، في ملفّات مرئيّة، تنتشر عبر وسائل التواصل بعد نشرها عبر اليوتيوب. ووصل الأمر إلى تخطيط البعض لتقديم عروض مسرحيّة من البيوت بالمقابل ظهرتْ أصوات رافضة لانتشار مسرح (أون لاين) واعتبره د.محمد حسين حبيب تخريبا للمسرح من حيث أن أساس المسرح هو التفاعل الحي بين الجمهور، والعرض المسرحي، بينما يوجّه د. جبار خماط دعوة مفتوحة" ليعمل الجميع ويجتهد لتجاوز الحجر المنزلي بما هو نافع فكريا، وفنيا، وقيميا " ومن المتوقّع استمرار مثل هذه الجلسات التفاعليّة بعد انجلاء غمّة الجائحة، لتكون من أبرز الدروس المستفادة منها، لتتّسع الكوى، وستصبح نوافذ مفتوحة على فضاءات أوسع، وأكثر إشراقا.