أفكار وآراء

اليمن وليبيا.. هواجس الانفصال والتقسيم والحاجة للوفاق الوطني

28 أبريل 2020
28 أبريل 2020

عوض بن سعيد باقوير /صحفي ومحلل سياسي -

الوضع في ليبيا أصبح منقسما في ظل الظروف المعقدة والتدخلات الخارجية والتي هدفها المصالح والنفوذ في دولة تمتلك ثروات كبيرة وسواحل طويلة ممتدة على شاطئ البحر المتوسط ، ولاشك أن الخاسر الأكبر هو الشعب الليبي الشقيق الذي يستحق ظروفا وحياة أفضل.

شهدت الساحة اليمنية والليبية حدثين مهمين ، الأول في اليمن، من خلال إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الحكم الذاتي للمحافظات الجنوبية وخاصة عدن في ظل الحرب الأهلية المشتعلة منذ أكثر من خمس سنوات ، وتواصل الحملة العسكرية من دول التحالف العربي ضد جماعة أنصار الله في صنعاء والمحافظات الشمالية، ومن هنا فإن إعلان الحكم الذاتي وتداعياته على المشهد اليمني يعطي للمرة الأولى هواجس الانفصال بشكل علني بصرف النظر عن بيان دول التحالف الذي يدعو إلى عودة الأمور إلى عدن كما كانت قبل إعلان الإدارة الذاتية لمحافظة عدن وبقية الجنوب اليمني.

الحدث الثاني في المشهد الليبي الذي شهد أيضا مقاربة سياسية من خلال إعلان اللواء المتقاعد حفتر موافقته على تفويض الشعب على قيادة ليبيا على حد قوله وأن اتفاق الصخيرات أصبح لاغيا، ومن هنا فإن هاجس التقسيم في ليبيا أصبح أكثر وضوحا، حيث المواجهة العسكرية الأهلية بين الشرق الليبي من خلال قوات حفتر ومن خلال دعم خارجي ، وهناك الغرب الليبي من خلال قوات حكومة الوفاق الوطني وأيضا بدعم خارجي، ونشير هنا إلى أن حكومة الوفاق هي الحكومة المعترف بها دوليا.

الأوضاع في اليمن

هناك شيء ما يدور خلف الكواليس منذ اندلاع الحرب في اليمن، حيث أصبح اتجاه دعم الشرعية يشوبه الكثير من الجدل ، وأصبح هناك صراع في الجنوب بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وبين المجلس الانتقالي الجنوبي وهو الصراع الذي أصبح يتصدر المشهد اليمني ، في حين أن الحملة العسكرية التي شنها التحالف العربي كان يستهدف منها عودة الشرعية وطرد أنصار الله من كل المحافظات اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء.

من خلال تتبع الأحداث العسكرية والسياسة واتفاق الرياض يبدو أن اليمن دخل نفقا مظلما وأن هاجس الانفصال أصبح يلوح في الأفق، من خلال بيان المجلس الانتقالي الجنوبي وكيف يمكن أن يصدر هذا البيان دون التنسيق مع دول التحالف، ومن هنا فإنه يبدو أن مجريات الأحداث في اليمن تتجه إلى مزيد من التصعيد والمواجهة، وإذا تواصلت تلك المواجهات في عدن وحتى المهرة وسوقطرة، فإن هذا الاتجاه قد يقود إلى حرب أهلية خطيرة تعصف بما تبقى من مقدرات الشعب اليمني.

المجلس الانتقالي الجنوبي ليس هو اللاعب الأوحد في الجنوب فهناك قيادات وتجمعات قبلية ضد توجه المجلس الانتقالي الجنوبي، كما أن تواجد المليشيات المسلحة والتي تقدر بأكثر من ١٠٠ ألف عنصر تجعل المشهد خارجا عن السيطرة، وهو الأمر الذي جعل تلك المليشيات تعمل خارج سيطرة الدولة اليمنية الشرعية، ومن هنا فإن لملمة المشهد اليمني في ظل التصعيد الحالي يبدو صعبا وربما تستمر الأحداث وتخرج عن السيطرة، حيث إن الوضع الآن أصبح مركبا من خلال المواجهة في الجنوب وهناك المواجهة مع الحوثيين في شمال اليمن، مما يجعل أي مراقب وحتى مارتن جريفيث يحذر من كارثة قد تنفجر في اليمن وعلى المجتمع الدولي أن يتدخل بفرض عملية سياسية تركز على إنقاذ اليمن من الأوضاع الكارثية التي يعيشها الشعب اليمني الشقيق.

فاليمن ومنذ الاستقلال -قبل عقود - وهو يعيش في دوامة الحروب الأهلية والحروب بالوكالة ومن خلال قيام الوحدة عام ١٩٩١ ، حيث كانت هناك آمال كبيرة في قيام دولة مدنية متطورة تستغل موارد البلاد الكبيرة لصالح الشعب اليمني، ولكن سلوك القيادات السياسية والتدخلات الخارجية جعلت اليمن ساحة للصراعات والحروب والتي نتج عنها تدمير البنية الأساسية وزيادة الفقر وتحول اليمن إلى «كانتونات» تتقاتل في ظل ضعف الشرعية وقيام أنصار الله بإعلان دولتهم في الشمال وان كانت بطريقتهم الخاصة، حيث لايزال المجتمع الدولي يعترف بحكومة هادي كدولة معترف بها دوليا ، كما هو الحال بالنسبة لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، لكن مثل هذا الاعتراف يتآكل بشكل متسارع مع التدخلات الخارجية والصراع على النفوذ والمصالح.

إن نغمة انفصال الجنوب ولو كانت خافتة أصبحت واضحة ورغم أن عددا من المحافظات الجنوبية رفضت إعلان الإدارة الذاتية للمجلس الانتقالي الجنوبي ، إلا أن تواصل عدم قدرة حكومة هادي على القيام بمهامها الوطنية من عدن وبقية المحافظات سوف يضعف من الشرعية تدريجيا ويدخلها في مناخ سياسي سلبي يحد من سلطتها وشرعيتها، لاسيما أن الأطماع لا تخفى على أي مراقب للشأن اليمني.

إن الخوف على اليمن كبير كدولة عربية شقيقة وجارة، حيث إن استقرار اليمن يعد من أولويات أمن المنطقة، ومن هنا فإن المشهد اليمني يحتاج إلى تكاتف اليمنيين كقيادات وشعب وان يكون الحوار هو الخيار الوحيد الذي ينقذ بلدهم بعيدا عن الحسابات الخارجية.

ويبدو لي أن حوار اليمنيين بصرف النظر عن خلافاتهم سوف يكون هو الحل الوحيد لإخراج اليمن من المستنقع الخطير الحالي وبدون ذلك سوف يشهد اليمن الكثير من المتاعب للشعب اليمني، وسوف يكون هاجس الانفصال هو الأمر المحتوم وقد تكون له تداعيات خطيرة على الأمن الوطني اليمني والعربي، والتاريخ يقول إن أخطر شيء على الأمن الوطني للدول هي التدخلات الخارجية وأن صمام الأمان هو الحوار المجتمعي والتوصل إلى حلول توافقية، وهو الأمر الذي يحتاجه اليمن، فجلوس كل الأطياف السياسية على طاولة الحوار هو المخرج الوحيد للأزمة اليمنية.

المشهد الليبي

الأزمة اليمنية لا تختلف كثيرا عن الأزمة الليبية، حيث إن هذه الأخيرة شهدت أحداثا دراماتيكية عام ٢٠١١ ومن خلال ثورة شعبية وتدخل خارجي من حلف الناتو ودعم من عدد من الدول العربية انتهى الوضع بسقوط نظام معمر القذافي، ومن خلال التعقيدات التي تكتنف ليبيا دخلت ليبيا في حرب أهلية بعد حكم مركزي استمر ٤٠ عاما، والتاريخ هو الذي سيحكم على مرحلة القذافي إيجابا أو سلبا، وكان المأمول أن تدخل ليبيا مرحلة جديدة يتم فيها استغلال الثروات الكبيرة لصالح الشعب الليبي وتنطلق ليبيا نحو التطور والرفاهية والسلام، ولكن المشهد الليبي دخل في مرحلة الصراع والحرب الأهلية وهو الأمر الذي حدث في الحالة اليمنية.

من هنا دخلت ليبيا في معترك الانقسام الفعلي من خلال وجود حكومة معترف بها في غرب ليبيا، وهناك وضع عسكري في شرق ليبيا ، يحاول استنساخ الحكومة المركزية السابقة بأدوات عسكرية، ومن هناك كان التدخل الخارجي لصالح هذا الطرف أو ذاك الأمر الذي جعل المشهد الليبي يدخل في نفق مظلم، ويبدو لي أن الانقسام في ليبيا أصبح أمرا واقعا على صعيد غرب ليبيا وشرق ليبيا مع وجود العمق القبلي الكبير في ليبيا وهو نفس الجذور القبلية في اليمن.

إعلان اللواء المتقاعد حفتر عن انسحابه من اتفاق الصخيرات يعد نكسة سياسية بلاشك، كما أن موضوع التفويض الشعبي لحفتر عليه يثير الاستفهام في ظل وجود حكومة الوفاق الوطني في العاصمة الليبية طرابلس، وحيث إن اتفاق الصخيرات هو الاتفاق الأهم لحل الأزمة الليبية، ومن خلال جهود الأمم المتحدة وعلى ضوء تواصل المعارك العسكرية فإن هذا الخيار لن يحسم الأمر لصالح أي الطرفين.

إن الوضع في ليبيا أصبح منقسما في ظل الظروف المعقدة والتدخلات الخارجية والتي هدفها المصالح والنفوذ في دولة تمتلك ثروات كبيرة وسواحل طويلة ممتدة على شاطئ البحر المتوسط ، ولاشك أن الخاسر الأكبر هو الشعب الليبي الشقيق الذي يستحق ظروفا وحياة افضل.

وعلى ضوء الأحداث في ليبيا وكما هو الحال في اليمن فإن هذين النموذجين يعبران عن أزمة حقيقية تتطلب الحكمة السياسية، ومن هنا فإن الخيار الأفضل هو جلوس الليبيين على طاولة الحوار والتوافق على كلمة واحدة لإنقاذ ليبيا كما هو الحال في اليمن، حيث إن الأوطان والمحافظة على أمنها واستقرارها ومقدراتها لابد أن تأتي من خلال إحساس قياداتها بخطورة الموقف، وبدون ذلك التوافق الوطني فإن خطر الانفصال والتقسيم سوف يكون عنوان المرحلة القادمة وهو الأمر الذي سوف يجعل البلدين في مهب الريح وهو الأمر الذي لا يريده أحد.

التوافق الوطني

لابد من لحظة تاريخية فارقة في فكر القيادات السياسية، ويبدو لي أن مرور سنوات على أي صراع محلي أو حتى إقليمي يكون كافيا لإعادة التقييم والمراجعة، ومن هنا فإن الأزمتين اليمنية والليبية تحتاج إلى مراجعة وطنية في ظل قناعة راسخة بأن الخيار العسكري لن يحسم المعركة في كلا الحالتين.

بهذا يظل التوافق الوطني بعيدا عن التدخلات الخارجية هو الضمان الوحيد للوصول إلى حل سياسي، ويمكن للأمم المتحدة أن تساعد الأطراف في هذا الإطار، أما إذا استمر التدخل الخارجي المدفوع بمصالح ونفوذ وإضعاف الدولتين، فإن مزيدا من العنف والمشكلات سوف تقود اليمن وليبيا إلى أتون صراع مزمن سوف يمتد إلى سنوات تضيع من خلالها المزيد من المقدرات الوطنية، حيث تخسر ليبيا - على سبيل المثال - مليارات الدولارات بسبب توقف معظم آبار النفط نتيجة الصراع العسكري وكذلك الموانئ اليمنية.

وفي المحصلة الأخيرة نقول: إن النظام العربي أصبح مركزا على مشاكله الداخلية في ظل مشكلات فيروس كورونا والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، لهذا فإن المسؤولية الوطنية تقتضي على قيادات البلدين في اليمن وليبيا أن تتدارك الوضع الخطير في بلديهما والتحرك بسرعة للتوافق السياسي ونسيان الخلافات حتى يمكن إخراج بلديهما من أوضاع خطيرة بدأت ملامحهما في الظهور على طريق الانفصال والتقسيم.