Untitled-1
Untitled-1
روضة الصائم

سلطان الحراصي: التجديد ضرورة إسلامية ويكون في المتغيرات لا في الثوابت المسلمون يتفقون في أركان الإيمان والإسلام ومصلحة الأمة فوق كل اعتبار

27 أبريل 2020
27 أبريل 2020

الإسلام يدعو إلى الفهم والتدبر ويحث على العلم والبحث والنظر -

ألتقاه: سالم بن حمدان الحسيني -

الإسلام دين علم ونظر وفهم وتأمل، يدعو أتباعه إلى الفهم والتدبر، ويحث على العلم والبحث والنظر، وهنالك توافق تام بين العلم والدين، وبين العقيدة والعقل، وقد حث النبي الكريم على الاستقلالية في الفكر، والإحسان في العمل، تحت ضوابط الشرع والدين، ليضمن لنفسه التميز والانسجام،.. ذلك ما أكده د. سلطان بن محمد بن زهران الحراصي خبير البحوث والدراسات بمكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية.. مؤكدا أن التطوير والتجديد يكون في المتغيرات لا في الثوابت، وهو ضرورة فطرية إسلامية في ظل التطورات التي يمر بها العالم اليوم.

وأكد الحراصي أن المسلمين يتفقون في أركان الإيمان والإسلام، وهي الركائز المهمة التي تقوم عليها أمة الإسلام، والمختلف فيه بسيط جدا مقارنة بالمتفق عليه، ويمكن معالجة المختلف فيه بهدوء وحكمة، وحسن ظن وروية، ولا بد من تقديم مصلحة الأمة على كل اعتبار.. نقرأ المزيد في اللقاء التالي:

❁ الإسلام الحنيف عد حرية التفكير من العبادات ومن صميم العقيدة.. لماذا يحث الإسلام على هذا النهج في نظرك؟

دعا الإسلام وحث الناس على حرية التفكير من أجل أن يصل الإنسان إلى تعظيم الله تعالى ومعرفته وعبادته وطاعته، ومن أجل أن يتمتع الإنسان بنعمة العقل والفكر، فكم من آية في القرآن الكريم تدعو الناس إلى منهج التفكير والنظر والتأمل، وتذم منهج التقليد والاتباع، فالله تعالى يقول: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)، ويقول سبحانه: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)، وبجانب هذه الدعوة إلى النظر والفكر ذم الله المقلدين التابعين لآبائهم لمجرد الاتباع من غير نظر وفكر، أو تأمل واعتبار فقال سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)، فالإسلام دين علم ونظر وفهم وتأمل، يدعو أتباعه إلى الفهم والتدبر، ويحث على العلم والبحث والنظر، فهنالك توافق تام بين العلم والدين في الإسلام، وبين العقيدة والعقل، ولا أدل على ذلك من أن الإسلام لا يقبل الإكراه في مجال التدين، بل لا بد من الاقتناع التام، يقول سبحانه: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، وهذا نفسه ما أكد عليه النبي الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ـ عندما حث الناس على الاستقلالية وأن لا يكونوا إمعة يتبعون الآخرين، بل حثهم على الاستقلالية في الفكر، والإحسان في العمل، وهذا ما أظهر لنا هذا الكم الهائل من المذاهب الفقهية والآراء والاجتهادية على مر الزمن، ولكن بجانب كل هذا نجد أن الإسلام الحنيف قد ضبط التفكير بضوابط محددة حتى لا يخرج عن حده المعقول إلى الضد، فيكون وبالا على صاحبه، فلا بد أن يكون التفكير في إطار ضوابط الشرع والدين، ليضمن لنفسه التميز والانسجام، فإذا خرج التفكير عن الشريعة والدين كان مرضا وداء، يضر بالأمة والمجتمع، فليس من حق المؤمن أن يحلل ما حرم الله أو يحرم ما حلل الله، وليس من حقه أن ينفي ما علم من الدين بالضرورة، وليس من حقه أن يتكبر على خالقه الذي منحه حرية التفكير، ووهبه العقل والإرادة الحرة.. هنا يختلف الوضع، إذ تكون حرية التفكير انتكاسة بكل ما تحمله الكلمة، فيمنع هنا من هذه الحرية حفاظا عليه وعلى أمته ومجتمعه.

❁ في هذا العالم المتسارع علميا وثقافيا ومعرفيا، هل هناك مبادرات يمكن تسليط الضوء عليها تدعو إلى تجديد الفكر الإسلامي وتطويره منهجيا ومعرفيا؟

تجديد الخطاب الديني ضرورة ملحة ومهمة، ولكن لا بد من التفريق بينه والوحي المنزّل أو ثوابت الدين المحكمة، فالتغيير والتطوير والتجديد إنما يكون في المتغيرات لا في الثوابت، أي في حدود العمل الاجتهادي كخطاب الدعاة والمصلحين والوعاظ، كما أنه لا يمكن تجديد هذا الخطاب من دوائر خارجية ومنطلقات غير دينية، فالتجديد ضرورة فطرية إسلامية في ظل التطورات التي يمر بها العالم، على أن الصحوات التي ينادي بها المخلصون قديما وحديثا، لا بد أن تعتمد على مفهوم ديني، وإلا كانت فاشلة لا قيمة لها ولا قدر، وقد وجد كثير من الدعاة والمخلصين على المستوى الفردي أو الجماعي، كان لهم دور بارز في هذا المجال بغض النظر عن بعض النواقص التي قد يراها الآخرون، فالكمال لله، والعصمة لرسوله ــ صلى الله عليه وسلم ـ فهنالك دور قام به الإمام السالمي ــ رحمه الله ـ بوصفه عالما بارزا ومصلحا اجتماعيا شهد له القاصي والداني بالإخلاص في العمل على نهضة الأمة، وما يقوم به اليوم الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي من جهد كبير في نهضة الأمة وتجديد خطابها الديني المتوازن بين متطلبات الواقع والدين، والدور الذي قام به ــ من قبل ــ العلامة محمد رشيد رضا وشيخه، ومالك بن نبي، رغم ما في هذه المشاريع من النواقص عند البعض، ولكن هي محاولات فيها الكثير من الخير والفوائد والإصلاحات، وغير ذلك شرقا وغربا، إذ لا يخلو العالم الإسلامي من مصلحين يحملون عبء الدعوة إلى الله، والرغبة في تجديد خطابها الديني وذلك مع تطور الواقع العالمي، وتبليغ الرسالة والوصول بهذه الأمة إلى مصاف الدول المتقدمة فكريا واقتصاديا.

❁ ما هي أهم المرتكزات اللازمة لتأسيس فقه حضاري من أجل النهوض بالأمة لمواكبة الركب الحضاري العالمي؟

أولا: الاهتمام بالجانب العقدي في حياة الأمة، لأنه يمثل الثوابت التي يتغير عن طريقها الواقع إلى واقع إسلامي وسطي. وثانيا: الحذر من الهجمات الشرسة ضد الإسلام، من أجل الحفاظ على هوية الإسلام وثوابته. وثالثا: البعد عن العنف والتطرف، وترك التخلف والغلو، وذلك من خلال اختيار المنظومة الإسلامية الأقرب لعهد الرسالة المحمدية، والمحروسة بعناية الله وتوفيقه. ورابعا: الاعتماد ـ بعد الله تعالى ــ على العلماء الربانيين الراسخين في علوم الشريعة والحقيقة، والمتميزين بالصدق والإخلاص والسيرة الحسنة والإخلاص في خدمة الأمة، والجامعين بين منهج الأصالة والمعاصرة.

وخامسا: الاعتماد على الشريعة في كل القضايا المستجدة، فقد جعل الله العلاج في شرعه ودينه لكل قضية من القضايا، يقول سبحانه: (أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)، وذلك عن طريق الحكم الشرعي في الواضح من الأمور أو الاجتهادي النظري في القضايا الجديدة.

ورد في الحديث الشريف: «إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها».. أين يكمن التجديد الوارد هنا في نظرك؟

هذا الحديث صحيح مشهور، والتجديد هنا لا يتعلق بالدين وأصوله وقواطعه، لأن الدين قد اكتمل بوفاة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـ ولا نقص فيه، فالله سبحانه وتعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، والذي يقوم بهذا التجديد لا يشترط أن يكون فردا، فقد يراد بـ «من» في الحديث الجمع لا المفرد، فكل أحد يجدد في جانب من الجوانب التي تحتاجها الأمة، والتجديد هنا يكمن في الأمة، ومدى تمسكها بتعاليم الدين، فالعلماء الربانيون ينشرون تعاليم الدين الحنيف بطرق جديدة، وفتاوى رشيدة تجمع بين متطلبات الدين والواقع الجديد بمنهج وسطي سليم، بعيد عن التكفير والتفجير.

❁ تطالعنا المساقات الإعلامية المختلفة بين حين وآخر عن مشاهد وأعمال إرهابية المتهم فيها منتمون يحملون اسم الإسلام.. ما هو تحليلكم لهذه الوقائع.. هل هي نتيجة أزمة فكرية؟ أم لها منحى سياسي هدفه تشويه الدين الحنيف؟

الفكر مرتبط بالسياسة، والأزمة الفكرية موجودة، وجود التعصب المذهبي وما أحدثه من مبالغات وردود أفعال عنيفة بين المسلمين أنفسهم، ووجود أفكار دخيلة تهدف إلى تغريب المجتمع، بحيث يكون مجتمعا تابعا لغيره في فكره وصناعاته، في نظمه واقتصاده.. الخ، ولّد لدى طائفة من المسلمين ــ بالغوا في التوجه الديني ـ العنف، لأنهم أرادوا إقامة الحياة الإسلامية واقعا، ولم يجدوا لذلك سبيلا إلا عن طريق الشدة والقوة، فظهرت جماعة الهجرة والتكفير ــ قديما ـ والقاعدة وداعش ــ حديثا ـ وقد استغل هذا التوجه الراديكالي العنيف، من قبل أعداء الإسلام، لإظهار الإسلام في صورة إرهاب وقتل وسفك دم، وذلك من أجل أن لا يزيد انتشاره في العالم، وقد عملت الماكينة الإعلامية العالمية في هذا السياق عملا دعائيا، فظهرت في دول الغرب الاسلامفوبيا، أي الخوف من الإسلام، ووقعت جرائم من متطرفين ضد المسلمين، بعضها جرائم قتل في مساجد العبادة، وحصل في بعض الدول إبادة جماعية للمسلمين، وتهجير وحرق لمساكنهم، كما حصل في ميانمار، والايغور، وغيرها من دول العالم.

مبادئ الإسلام مبادئ إنسانية عامة قادرة على الجمع بين البشر وتحقيق مصالحهم. كيف لنا معالجة المعوقات التي تقف في طريق الانتماء إلى هذه الأمة بهدي من القرآن الكريم والتوجه النبوي الشريف؟

معالجة معوقات الأمة، تحتاج إلى جهد جماعي وسياسة حكيمة، واقتناع تام بنظام الإسلام، ودوره في الحياة الدنيوية، وفقا للآتي: أولا لا بد من اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، ورتق الفتق، وحسن الظن، فالمسلمون مشتركون في النطق بكلمة التوحيد، والإيمان برسالة محمد، فلغتهم واحدة، وتاريخهم واحد، وكتابهم واحد، ونبيهم واحد، وقد أمرهم الله تعالى بالاجتماع، وحذرهم من التفرق والاختلاف في آيات كثيرة في كتابه العزيز، فاجتماعهم مصدر عز وقوة، وتفرقهم مصدر ضعف وذلة، والذئب يأكل من الغنم القاصية، والإسلام دين توحيد ووحدة، لا سيما أن مناطق الاتفاق في منظومتهم الإسلامية كثيرة، فالمسلمون يتفقون في أركان الإيمان والإسلام، وهي الركائز المهمة التي تقوم عليها أمة الإسلام، والمختلف فيه بسيط جدا مقارنة بالمتفق عليه، ويمكن معالجة المختلف فيه بهدوء وحكمة، وحسن ظن وروية، ولا بد من تقديم مصلحة الأمة على كل اعتبار، ولذلك قد تؤجل هذه المسائل المختلف فيها في ظرف من الظروف، ويكرس الاهتمام في المتفق عليه، من أجل أن تعبر الأمة ما يواجهها من التحديات في هذا العهد الجديد، وما يفرزه يوميا من التحديات الكثيرة.

وثانيا: لا بد من توثيق العلاقات بجميع الأمم والشعوب المحبة للسلم والسلام، وبناء قواعد صداقة متينة معهم، من أجل الاستفادة مما لديهم من تقدم تقني مادي، وإيصال دعوة الحق إليهم، فقد يكون ذلك في كثير من المجالات المتعلقة بالتنمية والاقتصاد، والفكر والتعليم، ومناهج البحث العلمي، والمخترعات، وأنظمة الطبيعة والقوانين.. الخ، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، فالانكفاء على الذات خطأ كبير، وقبول كل ما هب ودب من الأفكار والنظريات خطأ كبير، والتوسط هو المنهج الصحيح.. وبالجملة لا بد من إصلاح الداخل (أي ما بين المسلمين) والتواصل مع الخارج (أي ما بين غير المسلمين).

❁ هل لكم ذكر بعض المجددين العمانيين في الفكر الديني عبر العصور؟

في العصور المتقدمة أبو سعيد الكدمي، وفي العصر المتأخر الإمام السالمي ــ رحمهم الله ـ وفي عصرنا الحاضر سماحة شيخنا الخليلي ـ حفظه الله ـ وهذا على سبيل المثال لا الحصر، وإلا فإن هنالك الكثير من العلماء والدعاة المخلصين الذي قاموا بأدوار وجهد مبارك، خاصة عند من يرى أن «من» في الحديث الشريف يراد بها العموم والجمع لا الخصوص والأفراد.