907543
907543
روضة الصائم

الخليلي: ما شرع في رمضان «عبادة مقدسة» يستعلي فيها الإنسان على ضرورات حياته

24 أبريل 2020
24 أبريل 2020

يحيا الناس فيه حياة الملائكة المقربين -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن ما شرع في شهر رمضان المبارك هو «عبادة مقدسة» يستعلي فيها الإنسان على ضرورات حياته ويستعلي على نزغاته ونزعاته، فيحيا الناس فيه حياة الملائكة المقربين. وقال سماحته: إن الصيام يوحّد المشاعر ما بين المؤمنين عندما تصفو نفوسهم وتأتلف قلوبهم وتتوحد على كلمة الله، منبها سماحته إلى أن الله تعالى حذر الأمة من الوقوع فيما وقعت فيه الأمم من التفرق والاختلاف والتشرذم والنزاع والشقاق فيما بينها. وبيّن في هذا اللقاء بأن المسلمين واجب عليهم أن يفهموا القرآن بأنه منهج حياة يشمل الجانب العقدي والفكري وجانب الأخلاق والقيم.. والى ما جاء في الجزء الأول من اللقاء....

❁ كلمة سماحتكم للأمة الإسلامية والمجتمع العماني بمناسبة حلول الشهر الفضيل وضرورة الألفة والوحدة؟

شهر رمضان والحمد لله شهر الصلة بالله تعالى صلة العبادبرب العباد صلة الأرض بالسماء صلة الملك بالملكوت صلة الإنسان بالعالم العلوي فالإنسان يحيا في هذا الشهر الكريم في حال صيامه حياة الملائكة المقربين بحيث يحفظ نفسه عن شهواته ولا تؤثر عليه هذه الشهوات بل تتغلب عليها الإرادة.

ولا ريب أن ما شرع في هذا الشهر الكريم إنما هو عبادة مقدسة تجعل الإنسان يستعلي على ضرورات حياته ويستعلي على نزغاته ونزعاته في هذه الحياة والله تبارك وتعالى جعل الصيام سببا للتقوى فقد قال عز من قائل: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) فالله تعالى كتب هذا الصيام لأجل أن يتحقق معنى التقوى في الإنسان وتحقق معنى التقوى بالاستمساك بحبل الله المتين وبمراقبة الله تعالى في السريرة وفي العلانية فإن تقوى الله تعني صفاء السريرة واستقامة السيرة حيث يكون الظاهر مع الباطن والباطن مع الظاهر يتضافران جميعا على الحرص على مرضاة الله سبحانه وتعالى. فالصيام يحقق هذه الغاية المنشودة ويبين النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه الغاية العظمية من مشروعية الصيام عندما يقول: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم).

ينسجم مع هداية القرآن

❁رمضان ليس هو فقه وأحكام فقط، بل هو قبل ذلك «توحيد» فكيف يمكن تحقيق التوحيد في صيامنا لرمضان؟

صيام رمضان يوحّد هذه الأمة بحيث يسلبها الفوارق فيما بينها ذلك لان الصيام لا يميز بين القوي والضعيف والغني والفقير فالكل يمسك عن الطعام في وقت واحد منذ انشقاق الفجر والى غروب الشمس؛ فإذاً الصيام يوحّد هذا مع توحيد المشاعر ما بين المؤمنين عندما تصفو نفوسهم وتأتلف قلوبهم وتتوحد على كلمة الله سبحانه وتعالى تراقب الله في سريرتها وفي علانيتها وتحرص على ما يقربها إلى الله سبحانه وتعالى زلفى.

والصيام ينسجم مع هداية القرآن الكريم فالله سبحانه وتعالى ربط بين الامتنان على عباده بإنزال القرآن الكريم في شهر رمضان ومشروعية الصيام في هذا الشهر الكريم عندما قال (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) ثم اتبع ذلك بقوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه...) فهذا الربط ما بين ذلك الامتنان وهذه المشروعية بالفاء التي تقتضي ربط ما بعدها بما قبلها دليل على أن للصيام تأثيرا بالتمسك بالقرآن واتباع إرشاده.

والقرآن يدعو الناس إلى أن يتوحدوا ويأتلفوا ويترابطوا برباط الإيمان (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون).

ويأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالترابط والتوحد فيما بينهم وألا يتفككوا قط فهو تعالى يقول: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) ثم يذكر ما كانوا عليه في جاهليتهم من الفرقة والشقاق والخلاف والنزاع والتشرذم فيقول (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون). ويرشدهم إلى ما يوحّد الصف ويربط ما بين هذه القلوب ويؤلف ما بين هذه النفوس وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يقضي على كل فساد فما بين الناس فيقول: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).

ثم يؤكد بعد هذه المعاني كلها بتحذير هذه الأمة من أن تقع فيما وقعت فيه الأمم من التفرق والاختلاف والتشرذم والنزاع والشقاق فيما بينها فيقول: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) من هذا كله نستوحي بأن تقوى الله تعالى تجمع وتؤلف وتوحد، والصيام يؤدي الى هذه الغاية العظيمة وهي تقوى الله.

والقرآن هو الذي يرشد إلى ذلك بسبب أن كل ما في القرآن من جزئيات الأوامر والنواهي فضلا عن كلياتها غايته تحقيق التقوى في حياة الناس.

يدور في إطار التقوى

❁ رمضان شهر التوبة والغفران والرحمة والمغفرة والعتق من النار كيف يتحقق ذلك؟

يتحقق ذلك لمن صام حسب ما أمر الله سبحانه وتعالى بأن يكون صيامهم منبعا لتقوى الله سبحانه وتعالى كما يدل على ذلك قول الله تعالى في فاتحة الصوم (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) أي لتتقوا، فإن التقوى هي الغاية من مشروعية الصيام كما هي غاية من مشروعية العبادة.

وعندما اختتم الله تعالى آيات الصوم قال: (كذلك يبيّن الله للناس آياته لعلهم يتقون)، إذا الصوم يدور في إطار التقوى وهذا ما بينه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا صوم إلا بالكف عن محارم الله) وعندما قال (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) وكذلك جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم) فهذه الكيفية التي يجب على المسلم أن يؤدي بها صيامه.

القرآن يذكرنا بالله

❁ كيف يجب أن يفهم المسلمون القرآن؟

القرآن عليهم أن يدركوا انه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فليس هو كسائر الكلام لأنه جاء من عند الله سبحانه وتعالى، فالقرآن لا يمكن أن يرفض شيء مما اشتمل عليه، فإن رفض شيء مما في القرآن يعني الإعراض عن الله سبحانه وتعالى وبين تعالى عاقبة الإعراض عن ذكره عندما قال: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى) ويقول تبارك وتعالى: (وقد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا) فالقرآن الكريم إذا يذكرنا بالله سبحانه وتعالى ويرشدنا إليه ويعرّفنا بوجوب الاستمساك بدينه والاعتصام بحبله المتين واتباع نوره المبين.

ولهذا يجب على المسلمين أن يفهموا القرآن بأنه منهج حياة، هذا المنهج يشمل الجانب العقدي والفكري، ويشمل جانب الأخلاق والقيم، ويشمل جانب العبادة وجانب الأعمال، وهو يأتي على كل جزئية من جزئيات الحياة فعلينا في كل هذه الجوانب أن نتبع القرآن وألا نعرض عنه في شيء.