أفكار وآراء

من يدفع تكلفة العاصفة ؟

23 أبريل 2020
23 أبريل 2020

مصباح قطب -

ليس جديدا أن يجلس الفرقاء على موائد التفاوض، الطبيعية قديما، والإلكترونية الآن ، قبل انتهاء الحرب أو الجائحة أو التغيرات الطارئة الضخمة، أو. أو، ليبحثوا، في المقام الأول، من يتحمل تكلفة الحرب أو الأزمة وكيف؟ . من الطبيعي أن التفاوض الذي من هذا النوع يجري لتحديد من المهزوم حقا أو صرخ أولا عند عض الأصابع، أو مدى هزيمته أو حجم ما بقي له، أن بقى، من عافية، الخ، ومقدار ما يعتبره الفائزون أو الأقوياء، خسائر يتعين تحمل فاتورتها.

ويقيني أن حديث الخسائر وتحملها أو من «يشيل الشيلة» كما يقول مثل عامي مصري مقدم حتى على حديث جني المكاسب، و لقد أرست معاهدة ويستفاليا ومنذ نسختها الأولى قبل نهاية القرن السابع عشر تقاليد أو أصول وقواعد لتلك اللعبة لا تزال تتبع حتى الآن.

ولا يزال في الذاكرة اجتماع قادة أمريكا وروسيا وبريطانيا قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية وبعدها اجتماعات برايتون وودز والتي غاب عنها الروس وتحفظت بريطانيا وكانت لتأسيس كل من البنك وصندوق النقد الدوليين ولتحقيق أهداف غير بعيدة عما ذكرناه في قصة الفاتورة، فقد تمت إزاحة الاسترليني عن صدارة قمة عملات التسوية وحل محله الدولار مثلا أى أن إنجلترا التي تعد بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية ستدفع هى الأخرى ثمنا ببساطة لأنها خرجت أكثر إنهاكا عن طرف آخر هو الولايات المتحدة الأمريكية، وكل تلك التفاوضات عموما ليتم إقرار ما أشرنا إلى مثله بعد أن تضع الحرب - سابقا - والجائحة -حاليا- أوزارها.

ومن أجل ذلك يمكن النظر إلى ما جرى في عملية أسعار البترول العالمية التي أصبح معها السعر سلبيا لبعض عقود مستقبلية تخص خام غرب تكساس وعلى نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ. يمكن اعتبار ذلك معلم على طريق تفاوض غير مرئي حول خسائر كوفيد ١٩ ومن يتكبدها، وهو تفاوض بين أطراف قد ندركها ولكننا لا نراها، وربما يكون الجديد هذه المرة، أن بعض أطراف ال «مع» وال «ضد»، لها مواقف متقاربة ومتناقضة في آن واحد، ما يزيد الموقف تعقيدا لكنه لا يلغي القواعد المرجعية فقد أشرنا إلى أن بريطانيا كانت في لحظة ما مع الفائزين ومع المهزومين بعد الحرب الثانية.

وحاليًا فالمعروف أن روسيا والسعودية لهما مصلحة في تعطيل إنتاج النفط الصخري الأمريكي ذلك «الملعون» الذي جعل أمريكا المنتج الأول عالميًا، بل وجعلها دولة تصدر بدلا عن أن تستورد أو تقوم بالعملين معًا. لكن روسيا والسعودية بينهما خلافات على الحصص والأسواق. أمريكا مع النفط الصخري ومصالح شركتها النفطية العملاقة لكنها الآن بصفة خاصة، شأن أي دولة صناعية كبيرة تريد طاقة رخيصة، والحاصل أن أخطر ما جرى ويجري في الأسبوعين الماضيين هو تبلور اتجاه جيوستراتيجي بجعل البترول بالذات يدفع جانبًا قد يكون الأكبر من فاتورة كوفيد أو الفاتورة الثنائية الخاصة بك في وعوامل الركود التي كانت كامنة في الاقتصاد العالمي و ... الركود الذي أصبح واقعًا قاسيًا، ولم يعد موقعًا مختلفًا نسبيًا عليه، ويساعد الدول الصناعية على السير في هذا المسار أنه يصعب، وقد يستحيل عليها تحقيق أي مكاسب كان من الصراع مع الصين والذي تتصدر له وتدفع إليه الولايات المتحدة، كما أن الصين نفسها، وهي الخصم الأكبر المشترك للدول الصناعية الغربية كلها، لها مصلحة مشتركة مع تلك الدول في أن يكون البترول رخيصًا، صحيح وكما أكد الجميع أنه توجد عوامل موضوعية لانهيار الطلب على النفط وبالتالي أسعارها نتيجة عمليات الإغلاق بسبب الأوبئة، وحرب الأسعار بين أكبر المنتجين في العالم التي أغرقت السوق، ووضع مرافق التخزين التي اقتربت من قدراتها، والإيقاعات الشهرية سوق العقود الآجلة، وطبيعتها وإنه وكل ذلك حسب بلومبرج بالنسبة لبعض المنتجين، قد يكون أرخص على المدى الطويل البيع بالخسارة بدلا من إيقاف الإنتاج أو العثور على مكان لتخزين العرض المتدفق خارج الأرض، حيث يشعر الكثيرون بالقلق من أن إغلاق آبارهم قد يؤدي إلى تلفها بشكل دائم، مما يجعلها غير اقتصادية في المستقبل.

هناك أيضًا وحسب بلومبرج ونيويورك تايمز وغيرها تجار يشترون العقود الآجلة للنفط كوسيلة للمراهنة على تحركات الأسعار وهم لا ينوون استلام البراميل ويمكن أن يدهمهم انخفاض حاد في الأسعار فيواجهون خيار العثور على أماكن للتخزين بتكلفة معقولة أو البيع بخسارة ، وقد جعلت وفرة النفط المتصاعدة مساحة التخزين شحيحة ومكلفة بشكل متزايد في أمريكا وخارجها، والحقيقة بعيدا عن المصدرين أنه لم يحدث في تاريخ النفط منذ بدء تكوين المخزون الأمريكي على أثر المقاطعة العربية خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣، لم يحدث أن أصبح التخزين ومواقع وطاقته وتكلفته وآفاقه حديث العالم والدول والشركات والمؤسسات كما هو الآن، فمن لديه فائض يبحث عن مخازن، ومن لديه احتياج يريد إبرام أكبر كمية من العقود في ظل انحدار الأسعار هذا ولا يمنعه إلا القدرات التخزينية، وبكل تأكيد سيشهد هذا المجال استثمارات ضخمة في مقبل الأيام ، أعود إلى كم يتحمل الفاتورة لأشير إلى أن كم يتحملها من المنتجين ذلك الذي لا يملك أوراق ضغط أو صد كافية، وليس لديه الوقت أو الفرصة لحيازة تلك الأوراق إلا بالتحالفات أم بغيرها.

ليس جديدا أبدا أن يقال إن الدول الغربية طالما بحثت عن رفاه مواطنيها وقت الأزمات أو ربما بشكل مستمر على حساب آخرين بشكل غير منصف أو نصف منصف أو شبه إكرامي في بعض الأوقات خاصة تلك التي نقف فيها القيادة في هذه الدولة أو تلك على مشارف عملية انتخابية صعبة أو حادة، لكن هل هو قدر لا فكاك منه أن تتحمل أطراف الفاتورة في ظل هذا الوضع العالمي الشائك ؟.

يحتاج الأمر إلى جهد جبار على مدى زمني ممتد من الآن إلى عشرين سنة مقبلة لزيادة الطلب المحلي على الطاقة بالتصنيع المدروس ورفع مستوى الخدمات العامة بما يشمل مد الغاز الطبيعي إلى كل بيت وكل منشأة يمكن مدها بها، وكما قال من قال مرة إنه آن الأوان لأن يشرب العرب نفطهم أي يستهلكونه لزيادة القيمة المضافة في بلادهم ورفع مستوى حياة المواطنين، وهو مؤشر على مدى تقدم الدول، كل ما يجب العمل عليه هو التعطيل النهائي للعوامل المضاربة والجيوستراتيجية والسياسية والعسكرية التي كانت تؤثر على سعر النفط بعيدا عن العرض والطلب ، وبقدر التوتر الدولي بحثا عن كبش فداء يتحمل فاتورة كوفيد والتضخم بقدر ما أصبح هناك أجواء تقي من كل التلاعبات القديمة في السوق ، إن نيويورك تايمز قالت الاثنين الماضي إنه بالإضافة إلى أوضاع العقود والطلب والتخزين التي عصفت بسعر النفط ، تستمر بعض شركات النفط في الضخ، حتى لو كانت تخسر أموالاً، من أجل دفع الفائدة عن ديونها والبقاء.!! ومعنى كلامه أن العمالقة يتصرفون كما يتصرف أي كيان اقتصادي في السوق وبلا أي سند أو أي ضغط .