١١١
١١١
أعمدة

فيروس "كورونا": نعمة أم نقمة؟

22 أبريل 2020
22 أبريل 2020

ديانا محمود

وكأنه لا يكفي العالم ما فيه من مصائب، لكي يأتي شبح الكوفيد-19 ويلف بجناحين أسودين عملاقين، العالم بأسره.

أطبق على أنفاس البشر أجمعين، أجبرهم على التزام منازلهم، فقد أصبح الخروج بمثابة الرمي بالنفس إلى كرة من نار، من يمر بها لن يعود كما ذهب، قد يكون حاملا شعلة يمكن أن تحرق عائلته بأكملها.

أغلقت المدارس والجامعات والمؤسسات على اختلاف أنواع خدماتها، وبقيت بعض الاستثناءات محكومة بشروط وقتية وصحية معقدة.

المصانع، الشركات، المعامل، جميعها أقفلت حتى إشعار آخر. ما من قطاع نجا من هذا الكابوس الصحي الاقتصادي العالمي.

أكثر من مليوني إصابة بالفيروس حول العالم، أكثر من مائة وسبعين حالة وفاة جراءه، وما من علاج محدد حتى الساعة لهذا الفيروس المستجد مالئ الدنيا وشاغل الناس.

توقفت حركة الملاحة في العديد من الدول، في سابقة لم تحصل حتى خلال أشد الحروب ضراوة. مدنٌ عزلت عزلا تاما، آلاف المواطنين حجروا في منازلهم، منهم من يتابع عمله عبر الإنترنت ومنهم من خسر عمله. فالفقير الذي يعمل يوميا فقط ليقتات وعائلته، أصبح مسجونا، ينظر إلى عيون أطفاله الجياع، ويتمنى لو يستطيع الاقتطاع من أحشائه وإطعامهم. والغني ما زال يتمتع بنمط حياته المترف، تقلصت أرقام أرباحه في البنوك بصفر أو اثنين. لكنه مسجونٌ أيضا، فالمرض والموت لا يفرقان بين رائحة العطور الغالية ورائحة التراب المجبول بعرق الجبين.

بطريقة أو بأخرى، لقد لقننا هذا الوباء الكثير من الدروس، وذكر الناس بكينونتهم وحقيقة أنهم متساوون. أعادهم إلى هدوئهم وحجة قلة الوقت دفنت مع وفيات الكورونا. أصبح للأولاد أهل! أم وأب موجودان يوميا وبدوام كامل، جعلهم هذا الوباء يعودون إلى جوهر حياتهم وجودهم ومسؤولياتهم في تنشئة جيل صحيح نفسيا، وليس فقط تأمين متطلباتهم ومستلزمات نمط حياة مترف لم يطلبه الأطفال أبدا على حساب العاطفة والاهتمام والوقت.

وماذا عن الطبيعة؟

منذ بدء الأزمة، أي من خمسة أشهر تقريبا، تنفست الطبيعة من جديد، بصدر كان مختنقا بسموم الصناعات وانبعاثاتها والتلوث وكل ما اقترفته أيدي البشر. عادت الحياة البرية تدريجيا إلى طبيعتها، فشهدت بعض شوارع العالم عودة الطيور وغيرها من الحيوانات في ظل غياب الناس من الشوارع في ظل الحجر، كم أن وجود الإنسان ثقيل على هذا الكوكب!

ألم يكف ما وصل إليه من تطور وثورات فيما يمكن أن يتوصل إليه العقل البشري؟ إنه الجشع، والرغبة في المزيد دوما، اللذان جعلا الخطر الوحيد على الإنسان في هذه الدنيا، هو الإنسان نفسه!

حربٌ بيولوجية، أم صنيع الطبيعة، مما لا شك فيه أن فيروس كورونا له وجه إيجابي لا يمكننا تجاهله. فلنهدأ نحن البشر ونتفكر، ونعود إلى عمق وجودنا فعلا ونعيد جدولة أولوياتنا. هناك حقيقة واحدة هي الفناء، فلنجعل من وجودنا قيمة تذكر بعد غيابنا، ولنرفق بهذا الكوكب ونسلمه بحال أفضل لأولادنا.