أفكار وآراء

انهيار أسعار النفط.. متغير تاريخي

21 أبريل 2020
21 أبريل 2020

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

يمثل الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - في 23 فبراير الماضي، خارطة طريق حقيقية لانطلاق السلطنة اقتصاديا ووجود حكومة رشيقة ذات قدرات وأفكار متجددة لأن ذلك هو الخيار الوحيد لإيجاد رؤية تدفع بالعمل الوطني للأمام،

الذي حدث أمس الأول الاثنين من انهيار تاريخي لأسعار النفط الصخري الأمريكي إلى ما دون الصفر يعد متغيرا تاريخيا ليس فقط على صعيد الاقتصاد الأمريكي بل وأيضا على الاقتصاد العالمي، فالنفط كسلعة تحولت خلال أزمة فيروس كورونا الحالية من سلعة اقتصادية تخضع للعرض والطلب إلى لعبة سياسية وحرب أسعار معلنة، بدأت بالخلاف الشهير بين أكبر دولتين منتجتين للنفط وهما روسيا والسعودية وهو الخلاف الذي جعل الأسعار تتهاوى بشكل كبير.

من هنا فإن النفط أصبح سلعة لا يمكن الاعتماد عليه بالنسبة لاقتصاديات الدول النامية ومنها السلطنة، ولعل إعادة تقييم الأولويات على صعيد تنويع مصادر الدخل لم يعد أولوية فقط بل أصبح ضرورة وطنية.

الاتجاه شرقا

من التجارب التي جعلت دول جنوب شرق آسيا اكثر الاقتصاديات تماسكا هو عدم اعتمادها على سلعة النفط فقط وعلى مدى عقود كان الجانب الصناعي يحظى بالأولوية، ومن هنا قامت النهضة الصناعية لدول مثل ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة وبقية دول الآسيان والتي يمتلك بعضها النفط كإندونيسيا على سبيل المثال.

ومع تواصل جائحة كورونا وصدمة أسعار النفط، فإن هناك فرصة مواتية لإعادة تقييم الاقتصاد الوطني بشكل كامل، فالدعوة لانتهاج أسلوب تنويع مصادر الدخل والتنوع الاقتصادي بدأت في السلطنة كدعوة منذ عدة عقود، إلا أن النجاح لم يتحقق واستمر الاعتماد على سلعة النفط خاصة بعد أن وصلت الأسعار لأكثر من ١٠٠ دولار لعدة سنوات قبل الانهيار عام ٢٠١٤.

الاتجاه شرقا نحو آسيا لا يعني تطبيق التجربة بحذافيرها ولكن هناك أسسا محددة يتم الانطلاق منها، لأن الصدمات النفطية سوف تتواصل حتى بعد انتهاء أزمة كورونا، لأن سلعة النفط دخلت عمليا المعترك السياسي حتى من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتي قامت بتخزين النفط بعد تدني أسعاره إلى ما دون الصفر وهو أمر يحدث لأول مرة في التاريخ.

إن العام الحالي هو عام الدروس الكبيرة في كل المجالات وعلى جميع الدول المتقدم منها والنامي أن تستفيد من تلك المتغيرات، حيث يواجه الاقتصاد العالمي انكماشا محتملا قد يعيد للأذهان الكساد الكبير قبل ١٠٠ عام.

الغرب الرأسمالي

الذي يدور الآن في العالم ليس فقط الحرب على فيروس كورونا ولكن هناك حربا اقتصادية خفية تدور على عدة مستويات ليس فقط على صعيد حرب أسعار النفط، ولكن هناك ضرورات وطنية في الغرب والولايات المتحدة بعد المصاعب الكبيرة التي تواجه الدول الغربية.

فهناك تصاعد أرقام البطالة وانخفاض الأسواق بنسب غير مسبوقة، كما هناك مشكلات كبيرةـ حيث ضخت واشنطن أكثر من ٢ تريليون دولار لإنقاذ الوضع الاقتصادي، وهو رقم يرى عدد من المحللين الاقتصاديين بأن هذا الضخ المالي لن يكون كافيا وأن ترامب يريد المزيد من الأموال لإنقاذ شركات النفط الصخري والشركات الصغيرة في ظل تدهور أسعار النفط واستمرار أزمة كورونا.

من هنا فإن النموذج الغربي فشل على عدة مستويات يأتي في المقدمة معالجة أزمة كورونا، وثانيا المشكلات الاقتصادية التي نتجت عن تلك المعالجة، بل إن هناك دولا عربية ومنها السلطنة كانت معالجتها أفضل وعلى ضوء ذلك فإن النفط ومستقبله أصبح واضحا ولابد من إيجاد رؤية جديدة للدفع بالقطاعات غير النفطية لتمثل الواجهة الاقتصادية للدخل، وحتى تنجح تلك الرؤية فالأمور تحتاج إلى تغيير جذري في توظيف القيادات ذات الفكر المتجدد والى تغيير في السياسات ومنها التعليم والموارد البشرية وإيجاد رؤية يتم تقييمها بشكل متواصل.

دول مجلس التعاون الخليجي سوف تعاني اقتصاديا بشكل كبير وهي تتجه بعضها على الأقل للاقتراض الخارجي وتسويق سندات وطنية كما أن صناديقها السيادية سوف تتعرض للتآكل وهو ما حذرت منه الصناديق الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي خاصة وأن تواصل الحروب في اليمن وليبيا سوف يضاعف من تلك المشكلات الاقتصادية.

الأوبك في خطر

الأوبك وهي منظمة الدول المصدرة للنفط كانت تمثل التوازن في السوق من خلال تعاونها مع الدول المنتجة من خارج الأوبك، وقد نجحت الأوبك على مدى عقود في إعادة التوازن إلى حد ما رغم حدوث هزات كبيرة لأسعار النفط.

مع حرب الأسعار الحالية وانهيار أسعار النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية وأيضا الخلافات بين روسيا والسعودية ودول أخرى فإن هناك شكوكا في صمود الأوبك كمنظمة في ظل تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك تحليلات تتحدث على أن الأوبك أصبحت أكثر ضعفا وقد تعصف بها الأيام وتتلاشي وهو أمر سوف يضع سوق الطاقة في مهب الريح.

وعلى ضوء تلك المتغيرات فإن النفط أصبح سلعة لا يمكن الاعتماد عليها بشكل كلي، ولكن تبقى ضمن قطاعات اقتصادية. وكما يقال رب ضارة نافعة، فمن خلال الأزمة الحالية لابد من إيجاد تقييم شامل في الدول ومنها السلطنة،

ويمثل الخطاب السامي لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - في 23 فبراير الماضي، خارطة طريق حقيقية لانطلاق السلطنة اقتصاديا ووجود حكومة رشيقة ذات قدرات وأفكار متجددة لأن ذلك هو الخيار الوحيد لإيجاد رؤية تدفع بالعمل الوطني للأمام، والتفاؤل موجود في ظل التطبيق القادم لأمور المحاسبة والشفافية والحوكمة، وهي أمور طبقتها دول في الشرق والغرب ونجحت في ذلك وأصبح اقتصادها متنوعا ولا يعتمد على قطاع واحد متقلب.

إن الذي يحدث لأسعار النفط يتعدى الإطار الاقتصادي إلى اللعبة والمنافسة السياسية وتتحدث الإدارة الأمريكية عن إمكانية فرض رسوم على واردات النفط من المنطقة.

فإذن هناك تعقيدات محتملة لصناعة النفط وقد تتدهور الأوضاع في ظل التخمة النفطية الحالية، ومن هنا فإن هذا المتغير التاريخي ينبغي أن يفرض على الحكومات أن تنتهج رؤى حاسمة وقوية والانطلاق نحو سياسات جديدة حتى يمكن إيجاد اقتصاد متنوع قادر على مواجهة أي متغيرات أو مشكلات متعددة.